دراسة تبحث في القيم المرجعية في الإسلام

TT

يراجع الباحث الاسلامي المغربي محمد الكتاني عضو اكاديمية المغرب، ولجنة التحكيم لجائزة الملك فيصل العالمية، في كتابه (منظومة القيم المرجعية في الاسلام) والذي صدر اخيرا عن منشورات (الايسيسكو) جملة من الثوابت المرجعية الاسلامية وهي: الايمان، والشريعة، والحق، والمسؤولية، والعدل، الوسطية، وحقوق الانسان ... باعتبارها من القيم الجوهرية، ويحاول الكاتب ملاءمة الخطاب الاسلامي مع هذا العصر وتقديم قيم الاسلام المرجعية في صياغة جديدة قائمة على المقاربة والتحليل. ويعتمد الكتاني في هذا البحث الذي يقع في 188 صفحة من الحجم المتوسط، على المنهج المتكامل بين النقل والعقل، وهو المنهج الــذي اعتمده في أبحاثه ومؤلفاته كلها. متوخيا بذلك ان يضع القارئ امام صورة عامة عن منظومة القيم المرجعية للاسلام وثقافته، التي هي بمثابة الجهاز القيمي الذي اعتمده الاسلام في بناء عقيدته وشريعته، التي تحدد منظوره الى الحياة الانسانية، والى مسؤولية الانسان باعتباره لم يخلق عبثا.

يقول الباحث في مقدمة هذه الدراسة: انه من الواجب منهجيا النظر الى «الدين» الاسلامي في عقيدته وشريعته وقيمه على انه منظومة متكاملة تتضمن حقائق عالم الغيب والشهادة، وتحدد منهجية التعامل بين الانسان وبين هذه الحقائق، وداخل هذه المنظومة تتحدد مواقع الاشياء والقيم والعلاقات، ومن يحاول فهم «الاسلام» بمنهجية مغايرة، فإنه يقع في اخطاء جسيمة، ويصدر احكاما متناقضة وغير موضوعية حينما ينظر الى المنظومة الاسلامية والعقائدية والتشريعية والخلقية، كوحدات مستقلة لكل منها قانونها الخاص، اي ينظر في المكونات كأشياء ثابتة لا متفاعلة فيما بينها. وبهذا يجعل الانسان نفسه نثارا من الاجزاء، والظواهر المنفصلة بعضها عن بعض. ونجد ان القرآن الكريم هو أول من فضح هذه الاخطاء بما يقدم عن العالم والانسان من تناسق وتفاعل ونظام متكامل. ومن مجمل هذه الدراسة أكد الباحث ان الفكر الاسلامي المعاصر اصبح يواجه تحديا كبيرا لا يمكن تجاوزه الا بتجديد تصوراتنا عن الدين الاسلامي، وبالقدر الذي يجعله قادرا على ملامسة قضايا العصر، واستيعاب التطور العلمي والفلسفي والاجتماعي، بل وتغيير الصورة التقليدية عن الدين، التي اصبح معها خطابا آمرا ناهيا فقط، حليفا للرفض والقمع والاقصاء، جاعلا من الفروعية اصولية، آخذا بالفكر الاسطوري في معظم تصوراته.

وقال الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجيري المدير العام لمنظمة الايسيسكو في مقدمة هذا البحث، ان الاسلام جاء بمنظومة متكاملة من المبادئ والقيم، تشكل في مجموعها منهج حياة ملائما لطبيعة الانسان، ومنسجما مع فطرته السوية، ومغذية لروحه، وملبيا لمتطلبات الحياة الانسانية الكريمة، وهي منظومة محكمة النسيج، مترابطة الحلقات، تقوم على اركان ثابتة من القرآن الكريم والسنة النبوية لا تتغير بتغير ظروف الدهر، ولكنها تتجاوب مع المتغيرات من دون ان تفقد جوهرها واصالتها ومشروعيتها، ولا تتطور مع تطور حياة الافراد والجماعات، ولكنها تتفاعل مع التحولات التي تطرأ على حياة الانسان، في غير ما انصياع الى الواقع، وانما بالتكيف مع متطلباته لتوجيهه نحو الافضل وترشيد مساره.