المؤتمر العلمي حول العمل الإسلامي بين الاتفاق والافتراق إحدى ثمرات العلاقة بين قضايا الثقافة الإسلامية وهموم الأمة

TT

بإشراف تنفيذي من إدارة مطلوبات جامعة الخرطوم ممثلةً في قسم الثقافة الاسلامية، وبرعاية كريمة من الاستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية، التأم شمل نخبة من أفاضل علماء المسلمين يمثلون مختلف التخصصات العلمية وأطياف مدارس العمل الاسلامي من داخل البلاد ومن شتى أرجاء المعمورة، لا سيما المشاركة المميزة للجامعات السعودية، في منتصف يوليو 2004م بقاعة الصداقة بالخرطوم وعلى مدى ثلاث أيام كاملة في جلسات عمل صباحية ومسائية وبرامج مصاحبة انتظمت مدن العاصمة الثلاث، قدمت فيها أكثر من 25 ورقة بحثية تم فيها تناول: القواعد التاريخية والاصولية لدواعي الاتفاق وفقه الاختلاف وأدب الحوار، والوسائل التي تؤدي إلى اتفاق العاملين في مجال العمل الاسلامي خدمة للقواسم المشتركة والاهداف الكلية في مواجهه التحديات المتجددة، وتجنباً لأسباب التشرذم وسوء الظن والفرقة والانغلاق وهو وما يجرانهما على واقع الأمة الماثل من انحطاط فكري وثقافي وتخلف معنوي ومادي، هذا إضافة لإستعراض شواهد من التجارب التاريخية الفقهية النظرية والتطبيقية العملية ونماذج إنسانية معاصرة بمداخل متعددة ورؤى متكاملة: سياسية واقتصادية وإجتماعية وحتى تربوية وثقافية وإعلامية، بما يرفد الخبرات الدعوية ويساهم في ثراء استجابتها لمتسحقات المعاصرة بما يسعف العاملين في مجالها على القيام بواجبات التأصيل الشرعي لأسئلتها المتلاحقة استنهاضاً للهمم وإستصلاحا لحال المجتمعات الاسلامية بوجه عام، وبالتركيز، خصوصا على تجربتي العمل الاسلامي: بفلسطين المحتلة، والأقليات المسلمة بقارتي أوروبا وأميركا.

* منهج أصولي توحيدي

* في إطار سعي «الشرق الأوسط» للتعرف على طبيعة أهداف هذا المؤتمر وما رافقه من فعاليات شارك فيها علماء كرام من أقطار عربية وإسلامية واجنبية، التقينا بالدكتور ابراهيم عبد السلام يوسف مدير الادارة العاملة لمطلوبات جامعة الخرطوم، الجهة التي قام على عاتقها عبء تنظيم هذه التظاهرة العلمية، فابتدرنا بالحديث عن فكرة تدريس الثقافة الاسلامية كواحدة من مطلوبات الجامعة الاكاديمية إضافة لأخريات: اللغة العربية والانجليزية والدراسات السودانية والكومبيوتر. والتي جاءت بعد دراسة مستفيضة لمجموعة من العلماء الاجلاء والذين رأوا في تدريسها مصلحة راجحة للطلاب تنعكس على المجتمع والأمة، والثقافة الاسلامية بهذا الفهم (الشمولي) تمثل حاجة ثقافية وإجتماعية وتربوية تصلح أرضية جامعة لكل التخصصات في كليات الجامعة المختلفة، فهي من ما يستوجب معرفته على كل مسلم في بلد متدين بطبعه محافظ على أعرافه وتقاليده فكان واجبا تأسيس هذه الثقافة لطليعة الطبقة المثقفة في المجتمع بما يعكس انتماءها الحضاري الذي يشكل معبرا للتواصل بين أفراد المجتمع السوداني بمختلف تمايزاته النوعية واهتماماته الوظيفية بما يعينه على التعرف على ماضيه والتفاعل مع حاضره واستشراف مستقبله بإسهام أصيل، وذلك بغرض جملة من أهداف: تربط الطلاب بتراثهم الاسلامي ربطا مستنيرا مبنيا على الفكر والعلم والقيم السمحة، وتزويد من يدرسون بمختلف التخصصات بالمعارف الاسلامية في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، من دون اغفال لضرورات اكساب الباحثين مفاهيم ومهارات التواصل المجتمعي على المستوى الوطني والانفتاح على الامة الاسلامية عالميا ترابطا ونصرة وتراحما من خلال علاقة التدين بالواقع والعلم بالعمل وأنماط السلوك الرشيد، ومن هذه الزاوية من النظر تحديدا جاء الاهتمام بدور المؤتمرات والمنتديات والحلقات الدراسية وأثرها في تصويب الاتجاهات الفكرية والتجارب التطبيقية والتي كان آخرها المؤتمر العلمي حول العمل الاسلامي بين الاتفاق والافتراق بما مثله من إضافة للساحة الاسلامية ومحاولة للاقتراب الواعي من اشكالات واقعية ورسم ادوار جديدة لإسهام الجامعات في التأصيل لإعباء البناء الحضاري للأمة منهج أصولي توحيدي لإنساق المعرفة الانسانية.

* ثقافة الاتفاق

* كانت «الشرق الأوسط» مدعوة لبيان تفاصيلها من خلال سعينا للاستماع للمؤسسة التي كان لها القدح المعلى في انجاح هذا المتلقى الاسلامي العلمي على رأسها الدكتور علاء الدين الأمين الزاكي رئيس قسم الثقافية الاسلامية بالانابة الذي أوضح لنا من ضمن ما أوضح في مستهل حديثه: بأنه منذ تأسس هذا القسم فإنه ظل يمارس دوره كاملا غير منقوص سعيا حثيثا منه لبلوغ أهدافه المتوخاة باستخدام الوسائل المتاحة، ساعده في ذلك اعتبار الثقافة الاسلامية مادة أساسية لمختلف التخصصات الاكاديمية بما يبعث في النفوس أهمية الشرع وقيم الدين حتى ينفعل بها ايمانا وعملا القاصي والداني، ومن ضمن نجاحاتها كذلك اتساقا مع ذات اطار التوجهات تلك السعي لربط الجامعة بالمجتمع من خلال استحداث منهج متكامل لكل مفردات مفاهيم الثقافة الاسلامية كاول جامعة في العالم تمتلك هذا الدليل المعرفي الذي يعين الباحثين والمشتغلين بهموم علاقة الثقافة الاسلامية بقضايا بيئاتهم المحلية من جهة، وتنشيط هذا التفاعل من جهة أخرى بالاستفادة من الوسائل السمعية والبصرية لإيصال منهج الاعجاز العلمي وتشجيع حركة الترجمة والتأليف وإقامة الملتقيات الجامعة التي يتنادى لها الناس من كل صوب وحدب، ذلك أن منهج الثقافة الاسلامية يسعى لكي يتناول علوما أساسية يحتاج إليها كل باحث وطالب علم أيا كان تخصصه: كعلوم العقيدة والأفكار المعاصرة الشبهات والتي تثار حول الاسلام، وذلك لتميكن أصول الدين في نفوس الطلاب والباحثين خاصة وعامة أفراد المجتمع وفتح آفاقهم للغوص في أعماق الشريعة في ذات الوقت الذي يسعى فيه لربط تخصصاتهم العلمية والمهنية بالأمور الشرعية المتعلقة بدراستهم ووظائفهم، فلا شك أن الاسلام قد استوعب كل هذه الجوانب بشمول منهجه في الحياة استلهاما لمواقفهم من الشرع وجودا أو عدما حتى تتسق ذواتهم الفاعلة معه وتتكامل شخصياتهم مع ذلك االجزء الأساسي الغائب الذي عمد اصحاب الأهواء والغرض إلى تغييبه بالقسر المادي حينا وبالتزوير المعرفي أحيانا أخرى، ومن أهم الوسائل التي يستعان بها للتذكير الدائم بهذه المضامين وإحيائها عبر السنن العملية التي تقرب المثل وتوضح الأنموذج، ولعل أعظم مؤشر لذلك المؤتمر العلمي الأخير حول العمل الاسلامي بين الاتفاق والافتراق، والذي كان الهدف منه تجميع جهود كل العاملين في حقل الدعوة إلى الله تعالى من مختلف اتجاهاتهم العالمية ومشاربهم الفكرية امتثالا لقوله تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا». فالمؤتمر قد جاء في ظرف تعيش فيه الأمة حالة من الشتات على صعيد شأنها العام فكان لزاماً أن يدعوها المخلصون من قادتها وعلمائها لجمع الشمل وتوحيد الكلمة لمجابهة أعدائها ومقارعة من يريد النيل منها، وذلك من خلال نشر ثقافة الاجتماع وتوسيع دائرة المشاركة الشرعية في حقل الدعوة، ولا أدل على ذلك مما خرج به المؤتمرون من توصيات، فالأمة الاسلامية تعيش منعطفا خطيرا وتواجه عدوا شرسا وتكتلات كبرى، ولعل ذلك لا يواجه إلا بالاخذ ببعض من الاسباب التي أكد عليها المؤتمر في خاتمة ملتقاه من:

* التأكيد على ضرورة جمع الكلمة الاسلامية وتوحيد الجهود ونبذ الفرقة.

* إيجاد ميثاق شرف بين العاملين للاسلام، بالعمل على المتفق عليه، والتحاور في المختلف فيه، والإعذار فيما سوى ذلك.

* وضع آلية لتفعيل مبدأ الائتلاف والاجتماع في العمل الاسلامي، يتفق عليها العاملون في الحقل الاسلامي.

* إدراج أدب الحوار والتعامل مع المخالف في مناهج التعليم والمناهج الدعوية.

* حث العاملين للاسلام على الاكثار من اللقاءات الدورية والندوات المشتركة، والزيارات المتبادلة لتقريب وجهات النظر وإصلاح ذات البين.

* على العلماء والدعاة الخطباء والاعلاميين تفعيل فقه الحوار في خطابهم الدعوي وكتاباتهم وبيان خطر الافتراق وأثره في الفشل وتسلط الاعداء.

* دعوة العاملين للاسلام إلى تبني دورات وندوات عن منهج الاسلام في الاجتماع والافتراق ونشر ذلك في وسائل الاعلام.

* التعاون على تنفيذ برامج مشتركة بين العاملين للاسلام.

* أن يعهد إلى القائمين على وسائل الاعلام الاسلامية بإضافة موضوعات تتحدث عن أدب الخلاف وطرق التعامل مع المخالف، وإنشاء مركز متخصص لتزويد وسائل الاعلام بجميع ما يخدم الاهداف الاسلامية.

* عقد مؤتمر دوري كل سنتين للتواصل في هذا الموضوع في مكان مناسب.

* تشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ هذه التوصيات وتفعيلها.

وختاما لم ينس المؤتمرون واجب الاهتمام بقضايا المسلمين: في مقدمتها قضية فلسطين كمادة للاجتماع وتوحيد الصف، فالتعامل بالدعم الايجابي لهذه القضايا تأكيد لوحدة المسلمين واستنكار لعدوان الاعداء.