باحث إسلامي: بروز بعض خطباء الدعوة «ظاهرة صوتية» والآخر انتصر علينا بالخبراء

TT

أكد باحث إسلامي أن لا مخرج للأمة الإسلامية التي تشهد ساحاتها الثقافية والدعوية اضطراباً وخلطاً وتناقضاً في الخطاب التربوي الموجه للآخر، إلا بالعودة إلى إعادة صياغة خطابها التربوي وفق معطيات الكتاب والسنة وتطورها حسب المتغيرات الاجتماعية والإنسانية.

وأكد عمر عبيد حسنة، وهو كاتب وباحث إسلامي يعمل مديراً لمركز البحوث والدراسات التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في قطر، في رسالة صدرت من خلال كتيب بعنوان «نظرات في فقه الخطاب»، أن الدعوة والتربية بكل أبعادها ومجالاتها هي أشبه بالوسيط الكيميائي الذي يحدث التفاعل المطلوب، وأن الخطاب الدعوي التربوي التعليمي هو المسؤول الأول والأخير عن فشل الأمة في عدم قدرتها على حسن التعامل مع الكتاب والسنة، وقال: «ان الكثير من الفشل والتخلف الذي تعاني منه سببه حاجة الأفكار والمشاريع المطروحة إلى عمليات نقد شديدة وقاسية، لعلها تحرك الرواكد، وتصوب الخطوة، وتبني المراجعة والمقارنة والمقايسة والحوار».

ويرى الكاتب، الذي تأتي رسالته ضمن إطار «نحو فهم متجدد»، وضع العالم الإسلامي:« أننا هزمنا بذهنية بعض الخطباء، وانتصر أعداؤنا بالخبراء»، مشيرا في هذا الصدد الى بروز الخطباء الذين لا خبرة لهم كظاهرة صوتية، وغياب الفقهاء والخبراء وأهل الاختصاص، موضحاً أن أهل الاختصاص هم من يمثّلون إشكالية النهوض. ويرى أن عملية التحويل الفكري والتشكيل الثقافي المطلوب لإعادة بناء النخبة ومعاودة إخراج الأمة من جديد، مؤكداً أنها تتطلب تخصصات ومهارات في شعب العلوم الإنسانية جميعاً، وعملاً متكاملاً مؤسساً ومسبوقاً برؤية تتحقق بالمرجعية الشرعية أو رؤى شرعية وفقهية وفكرية وثقافية قادرة على استلهام التجربة الإسلامية التاريخية، قادرة على تكريس وتنزيل القيم في الكتاب والسنة على واقع الناس من خلال استطاعاتهم، ومدركة للمتغيرات والنوازل، كما تتطلب التحقق بالمنهجية السننية لحركة الحياة والأحياء، وامتلاك القدرة على وضع الواقع بكل استطاعته ومكوناته وحالاته في الموقع المناسب من مسيرة السيرة والخلافة الراشدة ليشكل هذا الواقع مجال الاقتداء بعد التحقق بالرؤية الشاملة.

وتوضح الرسالة ان اشكالية النهوض فكرية ذهنية ثقافية تربوية بالدرجة الأولى، تكمن في كيفيات وأدوات النظر إلى قيم الكتاب والسنة، واستلهامها في التعامل مع الواقع ورؤية المستقبل، وكيفية استصحاب التجربة الحضارية التاريخية، التي جاءت استجابة عملية وسلوكية لهذه النصوص أو هذه القيم، وأن المشكلة في الاجتهاد وكيفيات التعامل والتنزيل على الواقع بحسب استطاعاته، وان الآليات والكيفيات لا تأتي بالادعاء والأمنيات كما هو الحال، إنما تأتي بالتخصص في شعب المعرفة وتقسيم العمل، والإحاطة بعلم الأشياء.

وتشير الرسالة إلى عدد من الإشكالات التي تتصل بالخطاب الدعوي، منها متطلبات التحويل الفكري وإشكاليات أدوات النهوض، وملامح الخلط في مواصفات الخطاب، ومسؤولية الخطاب الدعوي التربوي، كذلك إلى إشكالية تنزيل القيم على الواقع والعلاقة بين عطاء الوحي واجتهاد العقل، الى شروط فقه الحالة، وضرورة التأكيد على ان الاستطاعة مناط التكليف، وان الإنسان هو محل الحكم، وأنه لا قيمة للحكم إذا افتقدنا المحل أو افتقدنا الاستطاعة، وان فقه بناء وتنشئة الإنسان السوي هي محل الحكم والخطاب.

ويؤكد حسنة ان القيم الإسلامية تبدأ مع الناس من الحالة التي هم عليها، وترتقي بهم من خلال تطوير استطاعاتهم، وأنه إذا فقدت الاستطاعة لا يرد التكليف اصلا، وان المسلم إذا بذل استطاعته في تنفيذ الأحكام الموازية لهذه الاستطاعة والمنوطة بها مع إيمانه بالقيم الإسلامية.

واهتمت الرسالة كثيرا بتأكيد التنوع في الخطاب بحسب الحالات والظروف، فللحرب والمعركة والجهاد خطابها بكل ما يتطلبه من التعبئة النفسية وشحذ الهمم، والإغراء بالمواجهة والتحريض عليها، والثواب الكبير لمن يقضي في سبيل ذلك، وان الخطاب في حالة الدعوة والحوار مختلف تماماً له أدواته ومواصفاته، كما أن خطاب العقيدة له مواصفاته، وخطاب العهد له مواصفاته، والخطاب الدعوي التربوي له مواصفاته وهكذا.

ويتساءل الباحث: كم نكون بائسين إذا نزلنا خطاب وقيم النصر على ساحة الهزيمة، وقيم الدعوة على مجال الدولة واحكام فترة الاستضعاف والتعايش مع الأصنام في مكة على لحظة الانتصار والتمكين في فتح مكة؟، ونزلنا ما ورد من نصوص في فساد وانحراف العقائد الأخرى على اساليب الدعوة بالحكم والموعظة الحسنة وانطلاق الحوار من كلمة سواء ومجادلة (الآخر) بالتي هي أحسن ومشروعية القبول به.

ويرى الباحث في رسالته أن الأزمة التي تعانيها الأمة اليوم، أزمة نخبة في حقيقتها وليست أزمة أمة، كما يرى أن الخلل يكمن أساسا في تربية وبناء النخبة، وأن الكثير ممن ارتقى منابر النخبة في التوجيه والقيادة بما بمتلك من الحنجرة السميكة والصوت المرتفع والقدرة على إثارة الحماس واتقان الخطاب على حساب التفكير هو السبب في الأزمات المتلاحقة وليس وسيلة للحلول الغائبة حتى ولو ادعاها.