كتاب جديد يناقش نظرية الحرب في الإسلام وأخلاق المعارك

TT

يناقش كتاب «نظرية الحرب في الاسلام» للامام محمد أبو زهرة، الصادر أخيرا عن دار الفكر العربي بالقاهرة، أخلاق الاسلام في ظل الحروب انطلاقا من توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم.

ويشير المؤلف في بداية الكتاب الى انه منذ بدء الخليقة والنزاع مستمر، وكأنه قانون الحياة الذي لا مناص من الاعتراف به والاذعان لحكمه، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله «اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع الى حين». ويذكر المؤلف ان هذه المغالبة بين الخير والشر توجب بلا ريب أن يقع القتل بين الآحاد والقتال بين الجماعات، والحروب بين الدول، وتلك هي الفطرة، فاذا كان الشر يعتدي، فلا بد للحق أن يرد، ولذلك اباحت الاديان السماوية القتال دفاعا عن النفس وعن الفضيلة وعن العبادة وعن الرسالة الإلهية مصداقا لقول الله تعالى: «أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير». ويؤكد أبو زهرة ان حروب النبيين كانت المعلم الصادق للحروب التي تستباح فيها أنفس المقاتلين من غير خروج عن نطاق الفضيلة، ومن غير تمرد على سلطان العدل الذي هو فوق كل عمل انساني، وقد تتنافى الحروب مع الرأفة والشفقة، ولكن لا يصح في حكم النبوة والرسالة الإلهية ان تتجافى عن العدالة والفضيلة أبدا. ويتخذ المؤلف من حروب النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحروب أتباعه من بعده المثل الأعلى لنظم الحروب، فيؤكد ان أمثل الحروب التي تلتقي فيها الفضيلة والعدالة والمحافظة على الكرامة الانسانية مع القتل والقتال في ميدان واحد، والسيوف مشتجرة، والحتوف دانية، هي حروب محمد صلى الله عليه وسلم وحروب اتباعه من بعده، وانها لثابتة في التاريخ واضحة المعالم بينة المسالك، واذا كانت حروب النبيين السابقين قد اخفيت في ظلمات الحقب وطيات التاريخ، فإن حروب محمد صلى الله عليه وسلم مسجلة في سجل الخلود ثابتة هادية مرشدة معلنة انها الحرب الفاضلة حقا وصدقا. ويقرر الامام ان الخاصية التي اختص بها قتال الرسول صلى الله عليه وسلم، هي انه ما كان يقاتل الشعوب، بل كان يقاتل فقط الكبراء الذين يقودون القوى الى الاعتداء، ولذلك لم يكن النبي الكريم يبيح قتل أحد لا يقاتل، وليس من شأنه ان يقاتل وليس له رأي في الحروب، فينهي عن قتل النساء والعمال والذرية والشيوخ الذين لا رأي لهم في الحروب. ويقرر المؤلف ان المجاهد المسلم كان يحرص على ان يضع سيفه في موضع السقم، ويذكر ان النبي الكريم رأى امرأة مقتولة في معركة فغضب وقال موجها اللوم الى قائد الجيش خالد بن الوليد: «ما كانت هذه لتقاتل»، ومن ثم فإن الخلفاء كانوا يأخذون على يد القواد الذين يكثرون من القتل في الاعداء، ويروى في ذلك ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه عزل خالد بن الوليد لكثرة قتله الاعداء، وقال في ذلك «ان في سيف خالد لرهقا»، أي ارهاقا وشدة بكثرة القتل، وفي المقابل كان يسر السرور كله من الحروب التي يكون النصر فيها بقتل أقل عدد ممكن من العدو، بل انه كان يتمنى ان يتم النصر من غير قتل، ولذا يمدح قتال عمرو بن العاص في مصر، ويقول: «تعجبني حرب ابن العاص، انها حرب رفيقة سهلة»، ثم يفصل المؤلف القول في نظم الحروب الاسلامية وما اشتملت عليه من قواعد وأحكام فهي تمنع اتلاف الزرع والشجر وتخريب العمران ليعلم القارئ انها شريعة تستمد نظامها من السماء، لا من قوانين الغابة في الارض، ولا من تحكم القوى في الضعيف، بل هي في جل أحوالها لنصر الضعفاء، وحمايتهم من الأقوياء كما جاء في القرآن الكريم «ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين». وناقش المؤلف نظرية الحرب في الاسلام عبر مباحث ثمانية هي: الباعث على الحرب في الاسلام، قبل المعركة، في المعركة، المعاملة بالمثل مع التقوى، احترام الانسانية، الأسرى، رعايا الأعداء وأموالهم، انتهاء القتال. لافتا الى ان الاسلام يحافظ على الكرامة الانسانية في الحروب الى الرفق بالأسرى، ولم يعرف التاريخ محاربا رفيقا بالأسرى كالمسلمين الاولين الذين اتبعوا أوامر دينهم، فالوصايا الكثيرة في النصوص الدينية دعت الى الرفق بالأسرى، وذلك لان الأسرى يقبض عليهم ونيران الحرب ملتهبة في الميدان ومشبوبة في قلوب المقاتلين، والغيظ قد يتحكم فيندفعون الى الأذى يلحقونه بأولئك الذين عنت رقابهم، ويشفون عظيهم فيهم، ولذا حرص عليه الصلاة والسلام على الرفق بالأسرى فقال: «استوصوا بالأسرى خيرا». ويمثل المؤلف على هذا بأن النبي أوصى اصحابه يوم بدر ان يكرموا الأسرى فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الطعام، وكأن اولئك الأسرى لم يأخذوا بالنواصي والاقدام في ميدان الحرب ولكن هي سماحة الاسلام، واحترامه لكرامة الانسان ودمه. أما في ما يتعلق برعاية الأعداء وأموالهم فيذكر ابو زهرة ان الاسلام يقرر ان العلاقة التجارية بين الشعوب لا تقطعها الحرب، وان الذين يدخلون الديار الاسلامية من التجار مستأمنين، وقد اعطوا عقد الأمان، يستمر أمانهم وان كانوا منتمين لدولة معادية، بل لدولة نشبت بينها وبين المسلمين الحرب، فيزاولون تجارتهم وأعمالهم وتكون أموالهم مصونة محترمة لا تمس، ما داموا قائمين بحق الأمان الذي أعطي لهم. وما ذكره المؤلف وغيره يؤكد تسامح الاسلام المطلق مما يقرر حقيقة مؤكدة ثابتة، وهي ان الاسلام لا يستبيح الدماء إلا في ميدان القتال، ولا يستبيح الأموال أيضا الا في ميدان القتال، لأن القتل لرد الاعتداء فلا تتجاوز الاباحة فيه الى غير موضع الاعتداء. ومن ثم فالأمن ثابت للذين لا يقاتلون، فلا يزعجون في انفسهم ولا في أموالهم، والمتاجر تسير في طريقها فلا تجويع ولا منع للقوت عن الشعوب التي لا رأي لها في القتال ولا ناقة ولا جمل، والاسلام ما كان يحارب الرعايا وانما يحارب الملوك الذين يرهقون الشعوب.