الوسطية واليسر

عبد المحسن العبيكان *

TT

وهم وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي العظائم كما أنه دين اليسر، قال تعالى: «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر»، وقال تعالى:«وما جعل عليكم في الدين من حرج» وقال: «وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا».

كما أنه دين الرفق، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه» رواه مسلم، وقال «إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف» رواه مسلم، وقال لمعاذ وأبي موسى لما بعثهما إلى اليمن «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا» رواه البخاري. وعن أنس مرفوعا «يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا» رواه البخاري.

وكتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله كتابا إلى عامل من عماله فقال بعد أن أوصاه بلزوم طريق من سلف: «ما دونهم من مَُقصِّر، وما فوقهم من مَحْسّرٍ، لقد قصر دونهم أقوام فجفوا، وطمع عنهم قوم آخرون فغلوا، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم»، وهذا متقرر في كلام أهل العلم. قال ابن القيم رحمه الله: «ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان، إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو. ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين جبلين والهدى بين ضلالتين والوسط بين طرفين ذميمين، فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له فالغالي فيه مضيع له، هذا بتقصيره عن الحد، وهذا بتجاوزه الحد».

ووجه تبارك وتعالى الداعية إليه بأن تكون دعوته باللين والحكمة فقال عندما بعث موسى وهارون إلى فرعون « فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى»، وقال تعالى «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن». وإن مما أغفله كثير من الناس اليوم هو المعنى العظيم الذي جاء في حديثٍ قال العلماء هو أصل عظيم من أصول الأدب ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»، وهو حديث حسن رواه الترمذي وغيره عن أبي هريرة وحسنه النووي، قال ابن عبد البر هذا الحديث محفوظ عن الزهري بهذا الإسناد من رواية الثقات. كما يدل على هذا المعنى العظيم قوله صلى الله عليه وسلم «كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته» رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر قال فسمعت هؤلاء من النبي صلى الله عليه وسلم واحسب النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والرجل في مال أبيه راع ومسؤول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».

*فقيه سعودي