سمر الليالي الإماراتية في رمضان.. بين ماض وديع وحاضر سريع

المجالس الرمضانية في الإمارات لتصريف الأعمال في كثير من الأحيان وتوقيع العقود.. وقد فقد مرتادوها راحة البال والحميمية التي كان يشعر بها الآباء

TT

يشكل الحنين الى الماضي سمة مشتركة لأي مقارنة بين ما كان بالامس وما صار عليه الحال هذه الايام. واذا كانت تلك المقارنة واردة في كل وقت وفي كل مجال فإن لها في رمضان طعم مختلف ونكهة خاصة تتناسب وما لهذا الشهر من حضور في الحياة اليومية والعلاقات الاجتماعية.

ودولة الامارات التي انتقلت خلال ثلاثة عقود نقلة هائلة في جميع مظاهر الحياة، تعيش تلك المقارنة بكل تجلياتها، خاصة ان بعض مظاهر الحياة القديمة والكثير من رموزها واشخاصها لا تزال بين ظهرانينا. ولعل المجالس الرمضانية الاماراتية هي من اكثر الامور عرضة للمقارنة، حيث يجد الجيل القديم او المخضرم ان البساطة والعفوية هي طابع ليالي رمضان في الامارات وفي غيرها من دول مجلس التعاون، اذ غالبا ما كان يجتمع اهل الحي او (الفريج كما يطلق علية في اللهجة المحلية) في افطار جماعي يغلب عليه طابع البساطة في كل شيء وساعد على ذلك ان اهل الحي هم في معظم الاحيان من قبيلة او اسرة واحدة، كما ان لهم ظروفا اجتماعية متشابهة، وحتى في الحالات التي لا يكون فيها الافطار جماعيا فان الاسر المتجاورة تتبادل اطباق الاطعمة قبل ساعة الافطار، وكان الطعام في معظم الاحيان واحدا لكن تبادله يحمل معاني دينية ويعطي الافطار طابعا حميما.

كان اهل (الفريج) يجتمعون بعد صلاة العشاء والتراويح لتلاوة القرآن الكريم الذي يحتفل بختمه في ليلة الخامس عشر من رمضان بشكل مهيب، حيث يقدم العشاء للحاضرين الذين ينتقلون من بيت الى بيت لحضور ختم القرآن في كل بيت.

وباستثناء بعض الالعاب الشعبية البسيطة، فان مظاهر التسلية في رمضان ذلك الزمان كانت تتسم بالطابع الديني، حيث كانت تنظم حلقات الانشاد وتلاوة السيرة النبوية الشريفة في حين تقتصر المسابقات والالعاب على الاطفال.

اما صورة رمضان اليوم في الامارات فتبدو مختلفة، فالتركيبة السكانية الشديدة التنوع قضت على ما كان يعرف بالفريج، اذ تحولت مدن الامارات الى تجمعات سكنية مكتظة تضم جنسيات مختلفة تحمل عادات واذواقا متباينة.

ومع ان الافطار الجماعي ظل سمة من سمات شهر رمضان في الامارات الا ان جوهره اختلف، اذ اصبح مناسبة علاقات عامة يقيمها الموسرون واصحاب المكانة الاجتماعية او المصلحة الاقتصادية ولم يعد الحضور قاصرا على الاقارب والجيران، بل يرتاد الافطار من لهم ارتباطات او مصالح شخصية بصاحب الدعوة. وقد غابت عن مجالس رمضان الاماراتية هذه الايام ما كانت تتسم به من عفوية، اذ اصبحت هذه المجالس منتديات وصالونات تناقش فيها قضايا اجتماعية واقتصادية تنقل وقائعها الصحف ووسائل الاعلام. ونتيجة لهذا البريق الاعلامي حلت المجالس الرمضانية محل النوادي الثقافية او الديوانيات التقليدية التي تكون فيها الاحاديث مرسلة لا تحدها رهبة الميكرفون ولا الحذر من آلات التسجيل.

وفي الجانب الموضوعي فان البعض يرى ان المناقشات والحوارات التي تجري في هذه النوعية من المجالس تتسم بالسفسطة والسطحية والاستعراض. على ان هذا الانتقاد للتطور الذي اصاب دور المجالس الرمضانية وتحولها الى منابر لمناقشة القضايا العامة يقول البعض ان الدور لم يختلف ولكن اختلف حجم القضايا وطبيعة المتناقشين، ففي الماضي كانت الديوانيات والمجالس هي الاماكن التي تناقش فيها قضايا الناس وفيها تتخذ القرارات التي تتعلق بحياتهم، اما الآن فان الموضوعات اصبحت من التعقيد بحيث ان تناولها في العمق يحتاج الى تحضير واعداد، ومن الطبيعي تبعا لذلك ان تتسم مناقشات المجالس الرمضانية بالسطحية. اما عن قيام وسائل الاعلام بنقل وقائع المناقشات التي تجري في المجالس فيرى البعض ان الامر ينسجم مع تطور الدور الذي تلعبه وسائل الاعلام في حياتنا. ويقولون ان المجالس بما يطرح فيها من موضوعات تشكل جسرا لايصال هموم الناس وتطلعاتهم وارائهم، خاصة في غياب اشكال ناضجة من مؤسسات المشاركة السياسية. اما على صعيد التسلية الرمضانية فان الخيم الرمضانية ولعب الورق حتى ساعات الفجر الاولى، اصبح من ملامح الشهر ومن مظاهره الطاغية. ومع ان الامارات لا تختلف في التسلية الرمضانية عن غيرها من الدول المجاورة او الدول الاسلامية التي اصابتها عدوى الخيم الرمضانية، الا ان البعض يرى ان هذه الخيم ساعدت في انتشار ظاهرة التدخين بين الشباب وبين النساء بشكل كبير، وهو امر لم يكن مألوفا قبل عدة سنوات. وتبدو حجة من ينتقد المجالس الرمضانية الحديثة مقنعة عند الحديث عن جوانب التسلية في هذه المجالس، الا ان هناك من يرى ان التسلية بالرغم من بعض مظاهرها السلبية تظل في الاجمال تسلية بريئة فضلا عن ان هذه النوعية من الانشطة المسلية موجودة بكثافة في غير شهر رمضان ومن غير المنطقي تحميل المجالس الرمضانية وزر السلبيات.

والشيء الجديد الذي تتسم به المجالس الرمضانية الاماراتية انها مجالس لتصريف الاعمال في كثير من الاحيان، فايقاع الحياة خلال الشهر المبارك يختلف ويصبح ليل الناس نهارا ونهارهم هو ليلهم، ولذلك فان القضايا التي لا يستطيع البعض انجازها في وقت الدوام القصير تنجز في المساء وكثيرا من التوقيعات التي لا يوقعها المسؤول في الصباح لغيابه عن المكتب تحمل الى مجلسه في المساء. والتاجر ورجل الاعمال الذي يمنعه الصيام من القيام بنشاطه المعتاد يجد في المجالس مجالا واسعا لتمرير الصفقات والاتفاق على العقود.

وباختصار فإن مجالس رمضان في الامارات وان فقد مرتادوها راحة البال والحميمية التي كان يشعر بها الاباء، الا انها تظل مظهرا يجد فيه الكثيرون خروجا عن روتين العام ومجالا لترتيب العلاقات الاجتماعية من جديد وفرصة لتوثيق عرى علاقات قد تثمر بعد الشهر الفضيل مشروعات واعمالا مشتركة.