الغذّامي: برامج الترفيه التلفزيوينة الرمضانية هي استجابة لنسق ثقافي أصيل لم يطرأ مع ظهور الفضائيات

التلفزيون يلعب دور الحكواتي وينجز خطاب المتعة في رمضان * في صيف بريطانيا كنت أصوم 18 ساعة للدرجة التي تضررت فيها جسديا * أحرص على ختم القرآن الكريم أكثر من مرة خلال هذا الشهر

TT

في هذه المساحة الرمضانية نحاور المفكّر السعودي عبد الله الغذّامي، ونتناول في هذا الحوار رؤيته لرمضان ومدى تأثر ممارسته القرائية والكتابية بالمناسبة الرمضانية، وتقييمه لوضع المسلمين العالمي، ورأيه بوصفه ناقداً ثقافياً في الدور الكبير الذي بات يشغله التلفزيون في رمضان مع ظهور الفضائيات العربية، وهذا نص المقابلة.

* هل لرمضان قراءات خاصة لدى الغذّامي؟

ـ الواقع أن رمضان هو مناسبة خاصة استعد لها مبكراً، لذا فأنا لا أمارس قراءاتي المعتادة فيه، كما أنني لا اكتب أي بحوث، ولا أنشر أي مقال خلال رمضان، وأرى أنه محطة لمراجعة الحقوق الروحية العميقة، ومن هنا فإن قراءاتي فيه هي قراءة خاصة ومتسقة مع جوهره التعبدي، إذ أحرص على ختم القرآن الكريم أكثر من مرة خلال هذا الشهر.

* هل سبق لرمضان أن كان قاسياً عليك؟

ـ كنت أدرس في بريطانيا من 1971م إلى 1978م، وكان رمضان في البداية يحل في الشتاء، ولكن في عام 1977م صادف رمضان صيفاً، فكان النهار يمتد إلى حوالي 18 ساعة، وكنا نفطر بين التاسعة والنصف والعاشرة مساء، ونمسك بين الثانية والثانية والنصف، ولا أزال اذكر أنني في اليوم الأول أصبت بمتاعب جسدية مزعجة، وكان من الصعب علي أن أفطر وقت الإفطار لأنني لم أكن قادراً على تحريك فكيّ، ولكن بعد خمسة أيام اعتاد جسمي على الوضع وأتممت الشهر بسهولة.

* بما أن رمضان مناسبة إسلامية تجمع المسلمين جمعياً، أريد أن أسألك هل يعيش المسلمون أزمة؟ ـ بدون شك، لكن الأزمات التي نراها ونشهدها على المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية هي مجرد تفريعات عن الأزمة الأصل، وهي الأزمة الحضارية، المسلمون فقدوا دورهم الريادي في المشاركة في صناعة الحضارة الإنسانية، فانخفضت القيمة المعنوية للأمة الإسلامية في العالم، وصار من السهل أن يتحدث عنا الآخرون ببذاءة، ويسيئون إلى تاريخنا وقيمنا دون أن نكون قادرين على دحض ذلك ببرهان حضاري عملي معاصر.

* وهل من سبيل إلى الخروج من هذه الأزمة؟

ـ أنا متفائل بأن تهميشنا لن يدوم، وان أيامنا المجيدة ستعود، وأننا نمر في ليل سيأتي صباحه، ربما لن يكون هذا الصباح قريباً، ولن يشهده جيلي أو الذي بعده، ولكنه آتٍ، المهم الآن أن ننتبه لخطأ استعجال النتائج الذي يقود إلى خطاب قانط ويائس يؤدي بنا إلى نهاية مؤلمة، لذا ينبغي أن يكون خطاب قادة الفكر ورموز الأمة خطاباً مشرقاً بالآمال، ولا أقول الأوهام، وداعياً إلى العمل الجاد نحو بناء حضاري يعيد المسلمين إلى مكانتهم التي كانت.

* بما أن كتابك الأخير تناول الثقافة التلفزيونية، إذن فلعله من المناسب أن أسألك هل تتفق معي أن ظهور الفضائيات العربية أنشأ ما أسميه «رمضان التلفزيوني» ؟

ـ نعم أتفق معك في كون رمضان أصبح شهراً تلفزيونياً، وارى أن البعض يعاني وجدانياً من متابعة برامج التلفزيون الترفيهية والممتعة بحسبانها خروجاً على الطابع التعبدي، وانا اعتقد أن الطابع الجاد للعبادة لا يمنع من الترويح عن النفس، آمل طبعاً أن تكون المتعة مفيدة أكثر.

إلا أنني أعترض على صيغة النشأة التي أشرت إليها، فالحقيقة أن كثيراً من العواصم العربية قبل التلفزيون كانت تسهر ليل رمضان في المقاهي وبحضور «الحكواتي»، وكان ليل رمضان للآباء والجدات حافلا بأحاديث السمر والألعاب الخاصة به، فنحن إذن بحضرة خطاب في المتعة يشهده الليل الرمضاني منذ فترة كبيرة، الذي جرى الآن هو أن التلفزيون بإمكانياته العصرية المتفوقة صار يلعب دور الحكواتي وينجز خطاب المتعة في ليالي رمضان، لكنه بالتأكيد لم ينشئ شيئاً من ذلك.

* وهل ترى استمرار التأثير النسقي السلبي الذي رصدته في كتابك في البرامج الرمضانية؟

ـ هذا طبيعي، فالثقافة البصرية هي ذات الثقافة، ولن يؤثر فيها عرضها في شهر رمضان، فاللعبة الخطرة هنا أن النسق الثقافي لا يؤثر في المنتجين فقط، بل انه يؤثر في المشاهدين، والمنتجون في الفضائيات مهتمون بإرضاء المشاهد وكسبه للحصول على الإعلانات، والنسق الثقافي في ثقافة رمضان التلفزيوني - كما أسميته - يطلب المتعة، وبالتالي تستجيب البرامج التلفزيونية لهذا النسق ويتفاعل معه المشاهدون، ولعلك تذكر أن الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله كان يلجأ إلى المزج بين المتعة والفائدة في برنامجه الرمضاني، قبل ظهور الفضائيات، ومع أن رسالة البرنامج ليست خطاباً في المتعة، فيدلنا هذا المثال أن إحياء ليل رمضان ببرامج ترفيهية ممتعة ما هو إلا استجابة لنسق ثقافي قائم وأصيل، وليس أمراً طرأ مع ظهور الفضائيات.