بغداد الشعبية.. ما زالت تتشبث برمضانها... والحاج أبو هلال مصر على بيع «الزلابية»

كان جلاس المقهى البيروتي القديم الذين يأمونه بعد الإفطار يمتازون بالهدوء والسكينة ولكن الحال اختلف منذ أن صار رواده من المثقفين!

TT

ما ان يدوي مدفع الأفطار بصوته في ارجاء بغداد معلنا انتهاء فترة الإمساك حتى يتوجه البغداديون الى بيوتهم ليصمت الشارع في اللحظة التي تمتد الايادي الى مائدة الأفطار، قد تختلف مائدة عن اخرى بحسب مدخولات هذه العائلة اوتلك، ولكن غالبية العراقيين اعتادوا ان يتأملوا في رمضان الخيرالكثير وأجواء رمضان تختلف منطقة الى اخرى كماتختلف العادات والتقاليد فالمناطق الشعبية لها طقوسها الخاصة فنحن نجد ان هناك اواصر اجتماعية واضحة المعالم فيها.

«الشرق الاوسط» تجولت في «رمضانات» تلك المناطق الشعبية لتجد ان الحياة لها طعم آخر هناك حسب ما يقول الشيخ عبد الحق ولي الدين الذي يسكن منطقة الرحمانية منذ ما يقرب من اربعين عاما، فليالي رمضان في هذه المنطقة لا تنام الا قليلا فما ان يتم الصائمون افطارهم حتى يتوجه بعضهم الى اقرب جامع لأداء صلاة التراويح، والبعض الآخر يذهب الى المقهى للقاء اصدقائه واحتساء شاي المساء معهم ولعب (الدومينو) او (الطاولي) وفي ايام رمضان الاخيرة تبدأ لعبة (المحيبس) ورهان لاعبيها يكون عادة (صينية بقلاوة وزلابية) وهي حلويات عراقية معروفة. وفي مكان اخر من بغداد توقفت «لشرق الاوسط» وتحديدا في المقهى البيروتي ويقع على نهر دجلة في منطقة العطيفية حيث تجمع الكثير من ابناء تلك المنطقة بعد ان اتموا إفطارهم لتبدأ نقاشاتهم التي تتوزع ما بين سياسية واجتماعية وثقافية، يقول السيد صباح سلمان وهو من مواليد 1933 ان هذا المقهى أخذ اسمه من المقهى البيروتي الذي يقع على نهر دجلة من جانب الكرخ قرب الجسر القديم وكان يعتبر من المتنزهات الصيفية وقد هدم هو وما حوله من المباني سنة 1965 وكان المقهى القديم يضم تجار الحبوب والأخشاب والأغنام وكان جلاس هذا المقهى يمتازون بالهدوء والسكينة، ولكن اليوم يبدو الامر مختلفا بعض الشيء فرواد المقهى من الادباء والشعراء والمثقفين وليس لهم أي علاقة بالتجارة اضافة الى ابناء المنطقة الذين اعتادوا نقاشات المثقفين ليشاركوا فيها وفي شهر رمضان قد تختلف بعض التفاصيل ولكن الجوهر واحد. مازالت بعض العادات والتقاليد تمارس في مناطق بغداد القديمة ومازال أطفال تلك المناطق يصعدون على سطوح دورهم المتلاصقة لسماع أذان المغرب وبمجرد انطلاقه من المنائر يقيمون الدنيا بصياحهم ويهرولون الى الاسفل وهم يرددون (يا صايمين افطروا كشفوا النجانة واكلو). بائع الحلويات مازال يدور في محلات بغداد القديمة يقول الحاج (ابو هلال) انه يعرف جيدا ان محلات بيع الحلويات منتشرة في كل مناطق بغداد ولكن كل اطفال المحلة يشترون منه وأحيانا الكبار ايضا وهو يردد الاغنية التي تعلمها منذ صغره (ازلابية وبقلاوه وشعر بنات، وين اولي وين ابات، ابات بالدربونة، اخاف من البزونة، ابات بالمحطة، تجي علية البطة).

ولم تكن اغنيات ابو هلال هي وحدها في ذلك الزقاق القديم بل ان اغنيات كثيرة صعب علينا فهم بعضها لتداخل مفرداتها كانت حاضرة في منطقة الفضل ببغداد فالاطفال كانوا يرددون الاغاني ويمارسون لعبهم الشعبية وكأن العالم لهم وحدهم.

وفي منطقة الكاظمية ببغداد اعتاد اهلها ان يقيموا صلاة التراويح بعد فترة الافطار لكنهم لا ينسون ابدا الذهاب الى نادي الكاظمية الرياضي للمشاركة في لعبة (المحيبس) او لمشاهدة ومراقبة اللاعب الشهير (جاسم الاسود) الذي قال لنا ان هذه اللعبة تسير في دمه وهو ينتظر رمضان بفارغ الصبر ليشارك في تلك المباريات وجميع أهالي بغداد يعرفون من هو جاسم الاسود، بينما تبارى فريق من اهالي الأعظمية مع احدى الفرق الشعبية الاخرى للفوز بذلك الخاتم الفضي الذي يدور بين الايادي وبعدها تبدأ (صواني البقلاوة) تدور بين اللاعبين. الرحلة لم تنته عند هذه الحدود فأغنيات الأطفال ما زالت عالقة في اذهاننا تحاول اعادتنا الى طفولة تأبى ان تغادرنا، نحن الان نعلق فوانيس رمضان عند ابوب بيوتنا العتيقة.