مصر : صراع قراء القرآن القدامى والجدد يشتد في رمضان

القدامى: القراء الجدد دخلاء .. والجدد: المسألة مسألة أرزاق * الشيخ الطبلاوي: لا أعترف بمقرئ قرآن لا يرتدي الجبة والعمامة * أبو العينين شعيشع «نقيب المقرئين في مصر»: القراء الجدد والقدامى مختلفون في الإحساس

TT

مع مقدم شهر رمضان يطفو على سطح الساحة الدينية في مصر صراع طالما ظل يومض بخفوت في الأشهر الأخرى بين قراء القرآن القدامى والجدد . يتبلور هذا الصراع في انتقادات يوجهها بعضهم للآخر ، تصل أحيانا إلى حد الهجوم الحاد غير المبرر . وبرغم سيطرة بعض الأصوات الجديدة على الساحة إلا أن الناس يعشقون القديم ويفضلون الاستماع إلي قراء زمان، مثل الشيخ محمد رفعت والشيخ مصطفى إسماعيل وعبد الباسط عبد الصمد وعبد الفتاح الشعشاعي ومحمود علي البنا وأبو العينين شعيشع وغيرهم.

ويتخذ الصراع أشكالا عديدة ، منها الصراع على الظهور في المناسبات والاحتفالات العامة والسهرات الخاصة والصراع على الأجور والسفر إلى الخارج، ويأخذ القراء القدامي على الجدد أنهم مجرد نسخ مكررة ليس لأي منهم طريقة أداء مميزة ويقلدون غيرهم، بينما القراء القدامى كان لكل منهم ما يميزه عن الآخر، وكان لكل منهم مدرسة في الاداء القرآني. أيضا يعيب القدامى على الجدد عدم التزامهم بارتداء الجبة والعمامة زي قراء القرآن والعلماء من وجهة نظرهم . «الشرق الأوسط» تستطلع أسباب الصراع بين قراء القرآن القدامى والجدد؟ وما وجهة نظر هؤلاء وأولئك في هذا الصراع؟

يعد الشيخ محمد محمود الطبلاوي القارئ المعروف من أشد المهاجمين للقراء الجدد ومن أكثر الذين يوجهون إليهم انتقادات لاذعة، وهو يؤكد أن أصوات قراء زمان لا يمكن تعويضها، فقد كانوا يتمتعون بالموهبة وكان كل قارئ صاحب مدرسة ويقول : أما الآن فكل قارئ يقلد غيره ولا يوجد جديد في هذا المجال والقراء الجدد بمثابة نسخ مكررة لقراء آخرين هم في الغالب من القراء القدامى . ويشير إلى ان التنافس الشريف بين قراء القرآن سواء كانوا من القدامى أو من الجدد ظاهرة محمودة، أما التنافس الذي يتنكر لتعاليم الإسلام وأخلاقياته فلا يليق بحملة القرآن الكريم وإذا كانت الغيرة مطلوبة فإن الحسد والحقد وتمني زوال النعمة أمور مرفوضة . ويرى الشيخ الطبلاوي أن هناك كثيرين دخلوا إلى المهنة خلسة، فهناك طبيب ويقرأ القرآن، وهناك مهندس ويقرأ القرآن، وهناك أمين شرطة وغيرهم الكثير، مشيرا إلى أن هؤلاء عليهم ان يتركوا قراءة القرآن لمن هو منقطع لها، لأنه كما ورد في الأثر :« إذا انقطع أحدكم لشيء اتقنه». من الأمور التي يأخذها الشيخ الطبلاوي على القراء الجدد بالإضافة إلى التقليد وعدم التفرغ لمهنة القراءة، عدم الالتزام بارتداء زي القراء والمشايخ والعلماء ممثلا في الجبة والعمامة، ويقول: أنا لا أتصور ولا أعترف بقارئ لا يرتدي الجبة والعمامة. ويستنكر أن يرتدي القارئ بدلة ونحو ذلك ويري ان الجبة والعمامة زي مميز لقراء القرآن، وللعلماء دون غيرهم وهو يجلب لهم الهيبة والاحترام وبالتالي لا ينبغي لقارئ القرآن ان يتخلى عن هذا الزي . ويشير الشيخ أحمد الرزيقي الأمين العام لنقابة قراء ومحفظي القرآن إلى أنه لا يوجد صراع بين قراء القرآن القدامى والجدد، لكن المشكلة أن هناك دخلاء دخلوا على مهنة قراءة القرآن لا يحفظ الواحد منهم أكثر من عشر سور من سور القرآن، وبعضهم يرتدي الجبة والعمامة ويعتبرون أنفسهم قراء . ويؤكد أن نقابة القراء تبذل جهودا كبيرة للتصدي لهؤلاء فقد تقدمت بمشروع قانون إلى مجلس الشعب لا يجيز لمن لا يحمل كارنيه النقابة، تلاوة القرآن في المحافل والمناسبات لكن اعترض عليه بعض الوزراء . ويضيف أما بالنسبة للقراء الجدد فنحن نعمل على توجيههم وتصحيح الأخطاء لهم، مشيرا إلى أن النقابة طالبت بإنشاء كلية للقرآن الكريم تحت إشرافها لتأهيل هؤلاء القراء . ويرى الشيخ الرزيقي أن الأصوات الجديدة لن تصل بحال إلى مستوى القراء القدامى لأن الأجيال الجديدة تتعجل الوصول إلى الشهرة، وكل طموحها يتوقف عند حد الالتحاق بالإذاعة والتلفزيون دون اهتمام بالإجادة والاتقان وصقل الموهبة وتعلم القراءات وأحكام القرآن ومخارج الحروف ونحو ذلك . ويضيف هذه الأمور ينبغي ألا تجعل الجيل القديم ينقم على الجيل الجديد، أو أن يتصور القراء الجدد أن القدامي يريدون أن يسيطروا على الساحة وحدهم دون السماح للأجيال الجديدة بأن تأخذ فرصتها، لأن هذا لا يليق بقراء القرآن، الذين اختارهم الله ، عز وجل ، لأداء تلك الرسالة وتبليغها إلى المسلمين وغير المسلمين ويؤكد الشيخ أبو العينين شعيشع نقيب قراء القرآن في مصر أن القراء الجدد والقدامى مختلفون في الإحساس أي إحساس القارئ بما يقرأ، فالقراء القدامى كانوا ولا يزالون يقرأون القرآن حبا في القرآن وليس طمعا في شيء آخر . ويضيف : نحن كنا ولا زلنا مغرمين بالقرآن ويملك القرآن علينا نفوسنا، فكنت وأنا صغير أذهب إلى أي مكان يقرأ فيه قارئ يتمتع بصوت جميل، بل كنت أنام في السرادقات تحت المقاعد وخلف قارئ القرآن وكان أهل القرية يحملونني نائما إلى البيت. أما الآن فكل من يحفظ آيتين يريد أن يجعل من نفسه قارئا للقرآن . ويشير إلى أن القراء القدامى الكبار مثل الشيخ محمد رفعت وعبد الفتاح الشعشاعي والمنشاوي وعبد الباسط عبد الصمد ومحمود البنا كانوا يمثلون مدارس، وكان الواحد منهم يقرأ القرآن وكأنه ينثر سلاسل من الذهب، وليس لهؤلاء مثيل في الأداء القرآني، موضحا أن الشيوخ القدامى كانوا ينصحون باحترام الكبير، فكان الواحد منهم يقبل يد شيخه، وأذكر أنه بعد وفاة الشيخ محمود البنا عينت قارئا لجامع الحسين، فجاء الشيخ محمد الصيفي وقال : يا ولد يا أبا العينين أتريد أن تكون قارئا لمسجد الحسين وأنا موجود وأحق منك؟ قلت له : ان وزير الأوقاف هو الذي عينني واعترف أنك أستاذي وشيخي، وأنت أحق مني وأخذت بيده إلى وزير الأوقاف ليجعله قارئا للحسين، وبالفعل كان، ومثل هذا لا يفعله أحد الآن لأن القراء يتقاتلون من أجل القراءة . ويرى الشيخ أحمد البنا ـ وهو نجل الشيخ محمود علي البنا ـ أحد القراء الجدد أن الناس يعشقون القديم ويحنون إلى الماضي. لأنه يمثل عصر الرواد فقد كانت هناك مجموعة متميزة من قراء القرآن، بل ومن المطربين والأدباء والشعراء والمحامين والصحافيين، موضحا أن هذا العصر كان عصر العمالقة عاش فيه جيل العباقرة، فعلى سبيل المثال كان الشيخ مصطفى إسماعيل موجودا على الساحة، وكذلك كان الشيخ أبو العينين شعيشع وكان لكل منهما سمة مميزة وفي عام 1948 وجد الشيخ محمود البنا على الساحة وأخذ مكانه لأنه كان متميزا . ويشير إلى أن معظم الأصوات الجديدة متشابهة بسبب التقليد أما القراء القدامى فقد كان لكل قارئ ما يميزه عن الآخر على عكس القراء الجدد الذين يقلدون غيرهم . ويضيف: أن والدي، رحمه الله كان محبا لزملائه القراء وكان دائما يقول المرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، وأن حامل القرآن لا بد أن يكون قدوة ونموذجا للناس، موضحا أن القراء القدامى كانت تسود بينهم أخلاقيات لم يعد لها وجود الآن بين القراء الجدد، رغم وجود قراء كثيرين أنعم الله عليهم بحسن الآداء وحسن الصوت والخلق. ويؤكد أنه تأثر بكثير من القراء القدامى، خاصة هؤلاء الذين كانوا على علاقة وثيقة بوالده مثل الشيخ مصطفى إسماعيل وعبد الباسط عبد الصمد والمنشاوي وكامل يوسف البهتيمي، مشيرا إلى أن القراء القدامى كانت تجمعهم علاقات طيبة واحترام متبادل، لأن كل منهم كان يعرف قدر الآخر ومكانته، وكانوا عندما يجتمعون في مجلس يلتف حولهم الناس . ويرى ان التنافس بين القراء القدامي كان شديدا، لكنه كان في حدود الأدب والاحترام لأن كل قارئ كان يعرف قدر أخيه. ويذكر سهرة في دميـــــاط جمعت بين والده والشيخ مصـــــطفى إسماعيل ظلا يتبادلان القراءة حتى الثانية صباحا والناس يستمعون إليهما، وبعد انتهاء السهرة ركب الجميع سيارة واحدة وفي الطريق كان الشيخان يتحدثان عن أداء كل منهما، ويوجه كل منهما الآخر في أدب واحترام .