موقع المصلحة الشرعية في مسألة إخراج الكفار

عبد المحسن العبيكان *

TT

كنا تكلمنا بالأمس عن النتائج التي خرجنا بها من تأمل النصوص الورادة اخراج المشركين من جزيرة العرب، وبالذات النتيجة الخامسة وهي ان اخراجهم منوط بالمصلحة وليس على اطلاقه. كما قرره شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله. والدليل على ذلك ان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخرجهم مع قوله «لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا ادع فيها الا مسلما». رواه مسلم وغيره ومع هذا لم يخرجهم.

وها نحن نكمل شرح هذه المسألة، وأخرى ايضا، فنقول: قال شيخ الاسلام ابن تيمية: ولهذا لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر اعطاها لليهود يعملونها فلاحة لعجز الصحابة عن فلاحتها، لأن ذلك يحتاج الى سكناها وكان الذين فتحوها اهل بيعة الرضوان، الذين بايعوا تحت الشجرة وكانوا نحو الف واربعمائة. وانضم اليهم اهل سفينة جعفر فهؤلاء هم الذين قسم النبي صلى الله عليه وسلم بينهم ارض خيبر، فلو اقام طائفة من هؤلاء فيها لفلاحتها تعطلت مصالح الدين التي لا يقوم بها غيرهم، فلما كان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفتحت البلاد وكثر المسلمون استغنوا عن اليهود فأجلوهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال «نقركم فيها ما شئنا، وفي رواية ما اقركم الله»، وأمر بإجلائهم منها عند موته صلى الله عليه وسلم فقال: «اخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب».

ولهذا ذهبت طائفة من العلماء كمحمد بن جرير الطبري الى ان الكفار لا يقرون في بلاد المسلمين بالجزية، الا اذا كان المسلمون محتاجين اليهم، فاذا استغنوا عنهم اجلوهم كأهل خيبر، وفي هذه المسألة نزاع ليس هذا موضعه. أ هـ. جـ 28 ص 88 ـ 89 أما النتيجة السادسة فهي: أنه حتى بعد اخراجهم وكذلك غيرهم ممن ليسوا في الجزيرة، يجوز دخولهم اليها بإذن الامام لمصلحة. قال في المنتهى وشرحه معونة اولي النهى جـ 3 ص789: ما نصه: «ولا يدخلونها اي الاماكن التي قلنا لأنهم يمنعون من الاقامة بها الا بإذن الامام». قال في «الفروع» ولهم دخوله والاصح بإذن الامام أ هـ. وذلك لأن دخولهم الحجاز في اعتبار الاذن، كالحكم في دخول اهل الحرب دار الاسلام، ولا يجوز الا بإذن الامام، فيأذن لهم اذا رأى المصلحة فيه وقد كان الكفار يتجرون الى المدينة في زمن عمر، وقد روي انه اتاه شيخ بالمدينة فقال له: انا الشيخ النصراني وان عاملك عشَّرني مرتين فقال له عمر: وأنا الشيخ الحنيف، وكتب له عمر الا يعشروا في السنة إلا مرة أهـ. رواه البيهقي.

* فقيه سعودي