نظرات في مسيرة الهيئة العليا

الشيخ ناصر بن عبد الرحمن السعيد *

TT

من نعم اللّه تبارك وتعالى، أن وفق المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود غفر الله له، فكان خيرها وعطاؤها في كل زمان ومكان بذلا وعطاء في سبيل إعزاز الرسالة الخالدة وتثبيتا لقيم الخير وإرساء لمثله في النفوس وتجذيرا لتعاليم الإسلام وآدابه الراقية.

وكانت للمملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، وولي عهده الأمين الأمير عبد الله بن عبد العزيز، والأمير سلطان بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، مواقف داعمة لمختلف القضايا الإسلامية المعاصرة. ومن الخطأ أن نظن أننا في هذه العجالة يمكننا أن نحصي أو نعد القضايا المهمة، التي دعمتها المملكة وسخرت لها علاقاتها ووزنها وثقلها السياسي الدبلوماسي وجهدها الإغاثي.

وبحكم ارتباطي وملازمتي لقضية اخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك، أتناول طرفا من أطراف العمل الذي قدمته المملكة وهو ما يتعلق بالجانب الإغاثي. فالمملكة قد سخرت وأوقفت نفسها حكومة وشعبا لخدمة هذه القضية، وحدث تفاعل كبير، حيث بادرت القيادة المباركة بإسناد رئاسة الهيئة العليا لرجل الخير والإغاثة الأمير سلمان بن عبد العزيز الرجل الذي ارتبط اسمه بهذا العمل منذ أكثر من 45 سنة، حيث كانت الشعارات المرفوعة وقتها «ادفع دولارا تقتل عربيا»، فتحول الشعار هنا تحت قيادته «ادفع ريالا تنقذ مسلما»، ومن يقترب منه في العمل الإغاثي يلحظ همته ودقته ومتابعته وملازمته لهذا العمل، بالرغم من مشاغله وارتباطاته الأخرى الكثيرة.

وقد كان لترؤسه لهذا العمل الجليل النبيل، أكبر الأثر في إنفاذه ونجاحه بعد فضل الله تعالى وتوفيقه، ذلك أنه ظل يبادر بالتبرع بنفسه ثم يدعو الآخرين للتبرع والتفاعل، فكان الذي حدث أمراً عجيباً وتفاعلا واتصالاً وتنسيقاً بين القيادة والقاعدة، ظهر ذلك خلال أسابيع البوسنة، التي نفذت في أعوام (1414، 1415، 1416هـ)، وخلال حملة خادم الحرمين الشريفين، التي نفذت في ربيع الاول من سنة 1416هـ، وهي الحملة التي فيها جمع أكثر من 400 مليون ريال جملة واحدة، وهو ما لم يحدث في أي بقعة من بقاع الأرض من قبل.

وهذا التفاعل وهذه الاستجابة، مكّنا الهيئة من تقديم برنامج ومشروعات مختلفة لصالح اخواننا المسلمين في البوسنة والهرسك، منها مشروعات الإغاثة العاجلة التي قدمت للبوسنيين أيام الهجرة واللجوء إلى كرواتيا وسلوفينيا ومقدونيا وألمانيا وغيرها، ففي تلك الظروف استقبلت الهيئة السعودية العليا من خلال مكاتبها في الخارج آلاف اللاجئين فواستهم وكفكفت دموعهم ومسحت على رؤوس الأيتام والأرامل والأسر المشردة وظلت ترعاهم غذائيا وصحيا وتربويا. بيد أن أعمالها لم تقف عند ذلك الحد، بل سارعت من خلال مكاتبها ورجالاتها لادخال المواد الغذائية عن طريق القوافل إلى المدن البوسنية المحاصرة، فسجلت ملاحم رائعة ببيهاتش وتوزلا وموستار والعاصمة سراييفو.

وبعد هدوء الأحوال بشكل نسبي، اتجهت الهيئة العليا للعمل من الداخل، فأسست مكتبها في سراييفو وهي ما تزال جريحة تئن من الألم، فواست سكانها وربطت على قلوبهم ثم اتجهت لتطبيب جراحاتهم وإعمار مساجدهم وإعادة البسمة للأطفال فيها.

إن مشروعات الهيئة العليا وبرامجها التي تحققت لصالح البوسنيين في مختلف المجالات الصحية والتعليمية والتنموية والإعمارية في كل الأقاليم والمدن والقرى البوسنية، لا يمكن بأي حال تعدادها في هذه العجالة أو في غيرها من السوانح، ولعل هذا ما عبّر عنه الاستاذ ميرزا خيرتش مستشار الرئيس علي عزت بيغوفيتش، حيث قال «إن الذي قدمته المملكة العربية السعودية لشعب البوسنة والهرسك فاق كل التصورات وهو أمر لا يمكن عده وإحصاؤه».

إننا في الهيئة العليا نحس بالرضا والإطمئنان بسبب الثقة المطلقة التي منحتنا إياها قيادتنا الرشيدة للعمل والانطلاق، فكان العطاء وكان الابداع. ونحس بالرضا كذلك، لأننا نحسب أننا قد أدينا الأمانة على النحو الذي كلفنا به وأوصلنا دعم الداعمين وتبرع المتبرعين لمستحقيه أيتاماً كانوا أو أرامل أو مؤسسات تعليمية دعوية أو مساجد أو غيرها من المشروعات الأخرى، مثل تفطير الصائمين وإطعام الجائعين وإيواء المشردين وتطبيب جراح المجروحين معنوياً وجسدياً ونفسياً.

وإننا كذلك نشعر بالرضا، لأننا قدمنا تجربة فريدة تضاف للسجل الحافل بالمواقف الإنسانية والإسلامية والإغاثية للمملكة العربية السعودية حكومة وشعبا، فضلا عن ذلك فإننا نرجو من قبل هذا ومن بعده الأجر والمثوبة من عند الله تعالى القادر المقتدر لنا ولكل الداعمين لمشروعات وبرامج الهيئة العليا سواء أكان ذلك الدعم ماليا أو معنويا أو بالرأي أو المشورة أو بالنصح أو بالدعاء الصالح.

* المشرف الإقليمي على مكاتب الهيئة العليا بأوروبا