الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي: الحملة على الإسلام والعالم الإسلامي ستزداد وتيرتها خلال العقد الحالي

د. صالح الوهيبي لـ«الشرق الاوسط»: تحرير الربط بين عمليات المقاومة وبين العمل الخيري في عقلية العاملين في المؤسسات الخيرية

TT

أرجع أمين عام الندوة العالمية للشباب الإسلامي أسباب الحرب القائمة على الإسلام وعلى العمل الخيري والصراع الذي يدور في الشرق الأوسط حول فلسطين إلى الصهاينة ودولتهم إسرائيل، مؤكدا أنهم لن يتورعوا عن توريط العالم في حرب مهلكة لكي يصلوا إلى مآربهم.

وطالب الدكتور صالح بن سليمان الوهيبي في حواره مع «الشرق الأوسط» في الرياض العقلاء من المسلمين والغربيين أن يفطنوا إلى ضرورة رأب الصدع والعمل المشترك لئلا ينساق أي فريق إلى «مقولة الصراع»، كما نظّر لها بعض مفكري الغرب من الصهاينة أو المتصهينين، متوقعا أن تزداد وتيرة الحملة على الإسلام والعالم الإسلامي وحكوماته ومنظماته خلال العقد الحالي، وأن جوهر الصراع سيكون (فلسطين)، بعد أن نجح الصهاينة في إقناع اليمين المتطرف الأميركي بأن قضيتهم واحدة وهي الاستيلاء على أرض الميعاد استيلاء أبديا.. فإلى تفاصيل الحوار:

* ما تقييمك للعمل الخيري الإسلامي؟ وهل الأحداث الجارية لصالحه؟ وهل تكيفت الجهات الخيرية لمواجهة السياسات الجديدة؟

ـ يمر العالم الإسلامي بمرحلة عصيبة منذ أحداث واشنطن ونيويورك التي اصطلى المسلمون حيثما كانوا بحرها، وكان للدعوة الإسلامية وللمنظمات الإسلامية نصيب وافر من الظلم الذي حاق بالعالم الإسلامي بزعم أن المنظمات داعمة للإرهاب، ونعتقد أنه يُراد للمسلمين عامة ـ دولاً وحكومات وشعوبا ومنظمات ـ أن يخضعوا للابتزاز الصهيوني والاستعماري الذي حاول توظيف الأحداث لإذلال العالم الإسلامي والمسلمين.

وحالياً تغيرت النظرة إلى العمل الخيري الإسلامي كثيراً بعد الأحداث، إذ اكتسب أهمية كبيرة لم تكن له قبل ذلك محليا ودوليا، فمؤسساته لأول مرة محور صراع، حيث تسعى بعض الجهات إلى تقليص جهوده مدعية أنه لا فائدة منه في ظل ما يشهده العالم وفي ضوء الصراعات التي تموج بها منطقتنا العربية والإسلامية، والأحداث التي ما زالت تجري في أنحاء العالم الإسلامي، وفي المنطقة العربية على وجه الخصوص تجعل مهمة العمل الخيري كبيرة، فالعدو الصهيوني يتربص بالمؤسسات الإسلامية الداعمة لصمود الشعب الفلسطيني، ويرى المحافظون الجدد في أميركا في المؤسسات الإسلامية منافسا ينبغي قهره، ومن ثم أصبحت الحركة الخيرية والإغاثية محوطة بكثير من العقبات سواء في الجانب الخيري أو الإغاثي أو الدعوي.

لكن هل نستسلم لهذه الظروف؟ كلا، لن نستسلم، فقد عودتنا الأحداث أن نصبر ونبذل وسعنا، والحصيف يتكيف مع الظروف الصعبة ويستعين بالله الذي ينشر رحمته وتوفيقه على المخلصين ممن يعملون لخير الأمة، وأنا على يقين من أن الغمة ذاهبة لا محالة؟

* ما هي التحديات التي تواجه العمل الخيري في ظل المتغيرات الدولية؟

ـ أول التحديات الدولية في نظرنا هو الضغط الغربي (الأميركي) على العمل الخيري والدعوي الإسلامي من خلال اتهامه بوجود علاقة بينه وبين الإرهاب، ويتمثل ذلك في وجود أي علاقة مع المجاهدين الأفغان أو حماس أو الجهاد الإسلامي أو حزب الله أو أحزاب كشمير، وقد أغلقت بعض المؤسسات الإسلامية الأميركية بزعم وجود هذه العلاقة، كما حُبس بعض المسلمين العاملين في المجال الخيري والفكري بزعم أنهم على علاقة بهذه أو تلك، وقبض على عاملين في المؤسسات الأميركية بذريعة أنهم طلاب خالفوا قوانين الهجرة بعملهم في المؤسسات ولو تطوعا كما حصل للدكتور إبراهيم سليمان الذي عمل متطوعا مع الندوة العالمية في واشنطن بعض الوقت، وكذلك محاولة إجبار الجهد الخيري على التخلي عن ربط الدعوة مع الإغاثة، إذ بدأت المؤسسات الأممية والغربية تثير الغبار حول العمل الإنساني الإسلامي بحجة أنه ليس عملا إنسانيا خالصا!.

* بنظرك ما هي أولويات العمل الخيري في المؤسسات والجمعيات؟

ـ من الصعوبة بمكان أن نتحدث عن أولويات مؤسسات العمل الخيري وأولوياتها وكأنها كتلة واحدة متجانسة، ذلك أنها في واقع حالها متنوعة من حيث الأجواء التي تحكمها، والوظائف التي تفضّل القيام بها والقناعات الفكرية لدى القائمين على شؤونها. لكنّ ثمة قدرا مشتركا لدى هذه المؤسسات أرجو أن أوفق إلى تحديده في مجال الأولويات، ومن ذلك، تحرير مفهوم العمل الخيري وهيئاته، وذلك بعدة وجوه، أولا: تحرير معنى العمل الخيري في عقول العاملين في مؤسساته لئلا يختلط مع أية مفاهيم أخرى تؤثر فيه أو تمكّن المتربصين به من الولوج من خلال تلك الاجتهادات، ومن أخطر تلك المفاهيم في هذه المرحلة الربط بين عمليات الجهاد أو المقاومة وبين العمل الخيري، وهي الثغرة التي يحاول العدو الصهيوني ومساندوه مثلا الدخول على مؤسساتنا الإسلامية من خلالها، والعمل على تغيير نظرة الناس إلى العمل الخيري باعتباره عملية «استجداء» (شحاذة)، والنظر إليه ـ بدلاً من ذلك ـ باعتباره خدمة تقدمها الهيئات للمتبرعين متحملة مسؤولية وضع التبرعات حيث ينبغي أن توضع، ومن الأولويات المهمة تثبيت عامة الناس والمتبرعين لئلا تهتز ثقتهم بالمؤسسات الخيرية، وعدم الصمت على دعاوى الأعداء والمنافقين، ويجب مراجعة وضع المؤسسات الخيرية، والخروج بها من حيز التقليدية والإدارة الفردية إلى حيز العمل الشوريّ الذي يحقق لها ديمومةً، ويعينها على الإفادة من أنظمة الجمعيات سواء مما وضعته الأمم المتحدة أو غيرها، وعلى الرغم من وجود مجالس إدارات لكثير من المؤسسات إلا أنها غالبا ما تكون صورية، وقلما يدعى المجلس إلى اجتماع، وكذلك الخروج من نطاق المحلية إلى نطاق العالمية الواسع بالتعاون مع الهيئات الإسلامية والعالمية الأخرى في مجالات البرامج والنشاطات والمشروعات. ومن ذلك أيضا المشاركة في مؤتمرات الجمعيات الأهلية (غير الحكومية) التي تنضوي تحت مظلة الأمم المتحدة، وقد جربت عدة جمعيات إسلامية المشاركة في تلك المؤتمرات وقدمت خلالها ورش عمل بالتنسيق مع الجهات المعنية فيها، ومن الأولويات دعم المجالس والمكاتب التنسيقية والسعي لفهم وظيفتها، وعدم تحميلها مهمات تنفيذية أو معان أخرى، ومن تلك المجالس (المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة) ومقره القاهرة و(المكتب الدولي للجمعيات الخيرية والإنسانية) ومقره جنيف، وهنالك مجلس ثالث في طور التشكّل تحت مظلة رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، ومراجعة وضع الهيئات من حيث الحرص على التخصص وتوزيع المناشط والاهتمامات مع الهيئات الأخرى، فلا تستطيع هيئة خيرية أن تتميز في كل مجال، وإنما لها أولويات في برامجها تحتاج إلى التركيز عليها، وتفعيل الآليات المناسبة لمواجهة الحملات الضارية، من نشاط إعلامي ومؤتمرات وندوات واتصالات فردية، وبذل عناية خاصة لرفع كفاءة العاملين في القطاع الخيري والمشرفين على تنفيذ برامجه ومناشطه* وأعتقد أن الهيئات الخيرية بحاجة إلى هيئة خيرية تكرس جهدها لدعم مسيرة العمل الخيري وتدريب أطره، وقد كان لــ (معهد إعداد) في الرياض خطة طموحة في هذا المنحى فآمل أن تستمر.

* وماذا عن مستقبل العمل الخيري؟

ـ أما الحديث عن أمر المستقبل فلا يخلو من صعوبات، لكننا نطرح بعض الرؤى والتوقعات التي نحسب أن العمل الخيري مقبل عليها، ومن ذلك: بقاء العمل الخيري: إذ إنه جزء من الدين، ولن يستطيع أحد أن يقتلع المبدأ ما دام الإسلام قائما، وعلى الهيئات الإسلامية التذكير بهذا الأصل وتذكّره في عملها وفي دفاعها عن نفسها وعن برامجها، مع إدراكها في الوقت نفسه أنها أدوات لتنفيذ المبدأ، وهي ليست في مأمن التعسف والتصفية، وكذلك استهداف المؤسسات الخيرية: ذلك أنها استطاعت أن تنافس الجمعيات الدولية، وأن تعوق بعض مخططاتها. وفي هذا الشأن قد تختلف مصالح الهيئات الإسلامية مع الهيئات الدولية أحيانا وقد تفترق* فهي تلتقي مع الهيئات الدينية (النصرانية بالذات) في الدفاع عن القيم الأخلاقية والأسرية، وتلتقي مع المؤسسات الأممية في نصرة المظلومين وإغاثة المنكوبين. وتفترق رؤاها مع الفريقين في مجال التربية والدعوة، وحصول مزيد من التضييق على مناشط الهيئات الخيرية في الدول الغربية وبعض الدول الإسلامية تحت ذريعة التطرف ودعم الإرهاب.

* ما أسباب الهجوم على العمل الخيري وتلفيق الاتهامات؟ هل هو الإعلام الغربي والمؤسسات الغربية أم غيرها؟ ومن المستفيد؟

ـ أسباب الهجوم على العمل الخيري كثيرة ومتعددة منها ما هو سياسي، ومنها ما هو ثقافي أو ديني، وليس يخفى على أحد التأثير اليهودي الصهيوني على وسائل الإعلام المختلفة بصورة مباشرة أو غير مباشرة نظرا لامتلاكهم لها خصوصاً في أميركا وأوروبا، والمحرك لهذه الفئات هو الدين والسياسة والاقتصاد، وبعض المتعصبين من اليمين النصراني المتطرف يحمل البصمات نفسها التي يتميز بها الفكر الصهيوني. وأتوقع أن الحملة على الإسلام والعالم الإسلامي وحكوماته ومنظماته سوف تزداد وتيرتها خلال العقد الحالي، وأن جوهر الصراع سيكون (فلسطين)، فقد نجح الصهاينة في إقناع اليمين المتطرف الأميركي أن قضيتهم (أعني الصهاينة واليمين المتطرف) واحدة وهي الاستيلاء على أرض الميعاد استيلاء أبديا. أما المستفيد الأكبر من هذا الصراع فهو الصهاينة ودولتهم (إسرائيل)، ولن يتورعوا عن توريط العالم في حرب مهلكة لكي يصلوا إلى مآربهم، فعلى عقلاء الفريقين من المسلمين والغربيين أن يفطنوا إلى ضرورة رأب الصدع والعمل المشترك لئلا ينساق أي من الفريقين إلى «مقولة الصراع» كما نظّر لها بعض مفكري الغرب من الصهاينة أو المتصهينين.

* كثير من المتبرعين يحجمون عن التبرع للجهات الخيرية; فهل توصلتم إلى آلية لمواجهة هذه المعضلة؟

ـ تأثر بعض المتبرعين والداعمين للعمل الخيري حقا بالتهديد الأميركي إلا أن جمعا منهم زاد عطاؤه حين صارت الأحداث أكثر سخونة كما يحصل الآن في بلدان آسيا المتضررة من جراء المد البحري، بل إن الكثيرين من أهل الخير في هذه البلاد المباركة يوصون بأن تصل تبرعاتهم إلى المنكوبين في الخارج، وبعض منهم يبحث عن المحتاجين والمعوزين في الداخل ليسدوا عوزهم وفاقتهم رغبة منهم في نيل أجر العطاء لذوي القربى والجوار. والندوة العالمية للشباب الإسلامي تسير على منهج واضح فيما يتعلق بالتبرعات، فآلياتها في ذلك منضبطة، ومكاتبها وفروعها مفتوحةٌ أبوابها أمام الناس، ولها لوائحها وإداراتها المالية، وحساباتها الخيرية مكشوفة، ومصادر التبرعات معروفة، وتشهد مشروعاتها الخيرية والإغاثية والتربوية وغيرها على كل ذلك، وقد حددت الندوة أماكن التبرعات وقصرتها على فروع الندوة المنتشرة في السعودية حتى تكون الضوابط أوضح، وهي في ذلك كله تسير وفق توجيهات الجهات الرسمية التي لا تدخر جهداً في تيسير العمل الخيري وتضع الضوابط اللازمة لجعله أكثر تنظيماً وفاعلية.

* تؤكدون دوماً في أحاديثكم استقلالية العمل الخيري عن المؤسسات الحكومية أو الرسمية; لماذا؟

ـ نعم أنا أؤكد استقلالية العمل الخيري منبها إلى أن المؤسسات التي تقوم به ليست مؤسسات حكومية، بل هي أهلية أو شعبية لعدة اعتبارات من أهمها:

أن العمل الخيري والإنساني أصبح عرفا دوليا وقد تطور كثيرا وصارت تعضده أنظمة ومؤسسات أممية كثيرة كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة وغيره من المنظمات الدولية التي تتيح له مجالا للعضوية ومنها منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية.

أن ثمة اعترافا دوليا بأهمية هذا العمل حتى صار البعض يسميه (القطاع الثالث) إلى جوار القطاعين العام والخاص* ومنا لا يرى أهمية الفصل بين القطاع العام والقطاع الخاص مثلا؟ أن من صالح الحكومات والشعوب دعم هذا القطاع ومساندة استقلاله لأن فرص الحركة عنده أوسع والقيود الدبلوماسية لديه أخف.

وهذا التصور غامض عند كثير من العاملين في القطاع الخيري نفسه وعند بعض القطاعات الرسمية، ومن هنا فإنني أحب تأكيده لأن في ذلك نفعا للعمل الحكومي الرسمي وللعمل الخيري الشعبي، والفصل بينهما دوليا صار مطلبا. وكون المؤسسات الأهلية مستقلة أو غير حكومية لا يعني أنها لا تلتزم بالنظم والقوانين في أي بلد تحل فيه، بل هي مطالبة بذلك على امتداد العالم. وهذا هو ما يجعلنا على صلة طيبة بحكومات الدول التي لنا فيها مكاتب وفروع، ونتعاون مع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية فيما يتعلق بعملنا الخيري، وذلك أكسبنا مصداقية ورسوخاً في الداخل والخارج على السواء. ولا يوجد بين مؤسسات العمل الخيري وبين الحكومات أية جفوة أو خلاف كما يدَّعي البعض، وهي كما ذكرت مكملة للأدوار الحكومية الكثيرة.

* مرت ثلاث سنوات على أحداث سبتمبر، فهل تجاوزتم الأسوأ في الحرب الشرسة على العمل الخيري أم تنظرون ما هو أسوأ؟

ـ تركت أحداث الحادي عشر من سبتمبر آثارا بالغة على سير الأحداث في العالم كله، ولعلها أعادت رسم خريطة العالم السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وقد نال العالم الإسلامي النصيب الأكبر من سياسة (محاربة الإرهاب) وكانت منظمات العمل الخيري الإسلامي أول ما تضرر من تلك الأحداث ونتائجها، وباتت (الأحداث) مبرراً لكل فعل أميركي غاضب تجاه تلك المؤسسات وغيرها، وأصبح العمل الخيري في نظر الكثيرين ممن يرددون المنطق الأميركي عملاً يساعد الإرهاب ويدعمه ويسانده.. زعموا!! ولم يفرق من يتخذون هذا المنهج بين العمل الخيري الدعوي الذي يقدم الخير وينشر النور ويغيث الملهوفين، وبين الداعمين للإرهاب الذين لا ينتمون مطلقا للمؤسسات الخيرية، وازدادت الهجمات الشرسة على مؤسسات العمل الخيري بصفة عامة وأصبح البعض ينظر إليها على أنها هي التي تدعو لكراهية الآخرين، فقط لأنها ترفع الإسلام شعاراً، وتتخذ من العمل الخيري والإغاثي للمسلمين وغيرهم طريقاً ومنهاجاً، مع أنها في الحقيقة رسول خير ومحبة وتفاهم بين مختلف الشعوب. ومع كل ما طرأ من تغيرات وما حققته المؤسسات الخيرية وما تعلمته خلال هذه الأزمة الطاحنة فإننا نتفاءل بالمستقبل، ونحسب أن الغلاة في كلا الطرفين لن ينجحوا في توسيع الهوة وإلهاب العواطف، كلا الطرفين ـ الغرب والشرق ـ محتاج للآخر، ومهمتنا بيان ذلك والتنبه إليه وعدم تسليم الزمام لمن ينظر بعين واحدة، وقد بدأت بوادر رسمية وأهلية في الغرب تحاول تفهم العمل الخيري الإسلامي، وقد شاركت شخصيا في التخطيط لشيء من ذلك، ونأمل أن يتسع مجاله ليزيل اللبس الحاصل من جراء أحداث سبتمبر. هذا، ولقد تعلمنا من شرع ربنا وكتابه الحكيم ألا نيأس أبداً، فلن نقعد عن العمل الخيري مهما واجهنا من حملات تشكيك، ومهما تعرضنا لهجمات تريد أن تقطع السبيل على مؤسساتنا الخيرية وعلى حكومتنا الكريمة التي تحمل مشعل الخير والإغاثة.

* في رأيك هل المؤسسات الخيرية فوضوية في تنظيم عملها الخيري؟ ولماذا؟

ـ المؤسسات الخيرية التي أنشيءت في هذا البلد أبعد ما تكون عن الفوضى التي تتحدث عنها، ولو كانت الفوضى من سمات العمل فيها فمن المؤكد أنها ستنهار ولن تقوى على الصمود في ميدان العمل العام الذي أصبحت اللوائح والنظم صفة لازمة له كي يؤتي ثماره المرجوة، والندوة مثال ناصع في النظام والإحكام فيما يتعلق بالمنهج والأساليب والوسائل واللوائح المنظمة لجميع شؤونها، وتشهد على ذلك العقود الأربعة التي ظلت الندوة خلالها صامدة شامخة في مجال العمل الخيري. أمر آخر أزعمه هو أن الإنتاجية في المؤسسات الخيرية أعلى من أي قطاع آخر ولا يتأتى ذلك أبدا في ظل الفوضى، أقول ذلك موصيا نفسي وإخواني في المؤسسات الخيرية بفتح الصدر واسعا لكل نقد والإفادة من كل رأي، فنحن في قطاع عام ينبغي أن يخضع للنقد والتقويم، ولا ندعي لأنفسنا ولا لمؤسساتنا عصمة من الأخطاء والتقصير.

* اتحاد المنظمات الخيرية الإسلامية على مستوى العالم متى يرى النور؟ وما معوقات قيامه؟

ـ هناك جهود حثيثة حاليا لتقريب وجهات النظر، وتوحيد آليات العمل في المجال الخيري وتنسيق الجهود حتى يكون لهذا الاتحاد تأثير حقيقي في مجال العمل الخيري. ويتمثل ذلك في عدة أشكال من أهمها:

المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة الذي مقره القاهرة وتضم قائمة عضويته أكثر من (80) منظمة إسلامية من مختلف القارات. الهيئة العالمية الخيرية الإسلامية ومقرها الكويت وهي تجمع تحت لوائها مجموعة كبيرة من قادة العمل الإسلامي الخيري والدعوي.

هنالك اجتماعات دورية للتنسيق بين الجمعيات في دول الخليج، وعقدنا حتى الآن بضعة اجتماعات كان لها أثر واضح في تقريب الرؤى ونشر روح الوفاق.

ونأمل في توسيع دائرة المشاركة للإفادة من الخبرات ولتجنب التكرار والنمطية ولتحقيق قدر كبير من التقدم في العمل الخيري والنهوض بمؤسساته.

* ينادي بعضهم بقصر العمل الخيري السعودي على الداخل فقط; فما هي سلبيات هذا الأمر لو تم اتخاذه؟

ـ هنالك وجهان للعمل الخيري: (العمل في الداخل) و(العمل في الخارج)، وهما وجهان يكمل أحدهما الآخر، وليسا بمتعارضين بأي وجه من الوجوه، والتلبيس على الناس في هذا الأمر قد يدخل في حيز التشكيك في أهمية أن يكون للمملكة الدور الرائد في العمل الخيري كما كانت دائماً، فالمملكة تمد يد الخير والعون لكل الشعوب على امتداد العالم بأسره، والذين ينادون بتقليص العمل الخيري وقصره على الداخل فقط يغفلون عن حقيقة أن ولاة الأمر في المملكة لا يدخرون وسعاً في توفير الحياة الكريمة للمواطنين والمقيمين على السواء، والمؤسسات الخيرية كالندوة وهيئة الإغاثة والجمعيات الخيرية التي تشرف عليها وزارة الشؤون الاجتماعية مكملة لذلك الجهد. وأسوأ ما رأيت هو موقف من يتكلم بشيء ويقوم بضده، فبعض الكتاب والصحافيين ينتقدون عمل المؤسسات في الخارج لإنفاقها بضعة ملايين ثم نراهم يشاركون في حملات خادم الحرمين للإغاثة ويحثون الناس على التبرع لها، ولا يجدون غضاضة في هذه الازدواجية!! أنا أحترم من ينتقدني منطلقا من قناعة والتزام بها، أما أهل الأهواء فلا نقول لهم إلا (هداكم الله)!

* إلى أي مدى حاولتم الإفادة من الأنظمة والقوانين في أوروبا وأميركا لخدمة قضاياكم ودفع الاتهامات التي وجهت إليكم؟

ـ فيما يخص دفع التهم التي وجهت إلينا رسميا يقوم المحامون بمتابعتها في المحاكم والإدارات الرسمية الأميركية، والإجراءات القضائية طويلة الأمد، ونحن نسير بخطىً ثابتة لا تغيرها الأحداث، فملؤنا ــ ولله الفضل ــ ثقة بمؤسساتنا ومنهجنا، أما التهم التي تكيلها وسائل الإعلام الأميركية فنرد على بعضها، لكننا لا نستطيع متابعتها كلها أو جلها.

* برأيك ما مدى حاجتنا إلى قنوات فضائية ومحطات إذاعية إسلامية في جميع أنحاء العالم وباللغات العالمية؟ وكيف ترى واقع وسائل الإعلام؟

ـ واقع الإعلام الحالي يشهد بمدى تأثيره الطاغي على مجريات الأمور وعلى السياسات الدولية والبرامج التربوية المقدمة للناس وفئة الشباب على وجه الخصوص، فالقنوات الفضائية مثلا تملأ الآفاق بالغث والسمين من البرامج الثقافية والترفيهية والسياسية، وقد قامت قنوات تتخذ من الهوية الإسلامية والدينية شعاراً لها، وهي قنوات متميزة، لكنها في الوقت نفسه قليلة جداً قياسا بعدد القنوات الأخرى، ولا أظن أن هذه القنوات تكفي لملء الفراغ الديني والثقافي عند الناس.

* هل ثمة خطط لإنشاء شركة إسلامية تتولى إنتاج الأفلام التاريخية والتربوية والترفيهية للشباب المسلم؟ علماً بأن هذا من ضمن توصيات أحد مؤتمرات الندوة السابقة؟

ـ ليس لدى الندوة العالمية حاليا أية خطة للدخول في شيء من ذلك مع إيمانها بأهميته وذلك لنقص الإمكانات، وانطلاقا من مبدأ التخصص فما المانع من أن تقوم بإنتاج هذه المواد الإعلامية الإسلامية شركات تجارية ما دامت المواد التي تقدم إليها قد أعدها إعلاميون متخصصون بحرفية وإتقان؟

ولا أحسب الأمر يقتصر على إنتاج أفلام كما ذكرت، وإنما يتعدى ذلك إلى نقل الأحداث الحية وفقا لوجهة نظرنا وقيمنا وتفسير الأحداث وفقا لها، وهذا يصطدم بواقع سياسي مر للأسف الشديد*

* هل هناك برامج في الندوة موجهة للمرأة المسلمة في شتى أنحاء العالم؟ وكيف تقومون بتوصيل الرسالة إليها؟ وكيف ترى ضرر دعوات الانفتاح للمرأة؟ وما هي حقيقتها؟

ـ كانت الندوة منذ نشأتها قبل أكثر من ثلاثين عاماً مهتمة بأن يكون للمرأة نصيب في برامجها وخططها التربوية والدعوية والخيرية، فحرصت على إنشاء (اللجان النسائية) في كل مكاتبها وفروعها المنتشرة في داخل المملكة وخارجها على مستوى العالم، ولا تختلف البرامج التي تقدم للمرأة المسلمة في جوهرها عن مثيلاتها التي تقدم للرجال، فالشباب الذين ترعاهم الندوة هم من الجنسين، فقط قد تتميز البرامج المقدمة للمرأة عن تلك التي تقدم للرجل في بعض المجالات كمجال التربية والتعامل مع الناشئة والأسرة.

ولدينا كوادر نسائية قادرة على العطاء في المجال الدعوي الخيري، كما أن لدينا أيضاً خبرات كثيرة تقوم بتدريب النساء على إدارة شؤونهن وأعمالهن وبرامجهن الخيرية والتربوية، وهناك اتصال مستمر مع مكاتبنا في أنحاء العالم من أجل توحيد منهج العمل والاتفاق على الخطوط العامة التي تنطلق من خلالها برامجنا الموجهة للنساء.