دور الحركات الإسلامية في المجتمع المدني وتحدياته في ندوة بالقاهرة

TT

أكد المفكر الاسلامي الدكتور جمال الدين عطية المستشار السابق للمعهد العالمي للفكر الاسلامي، ان مؤسسات المجتمع المدني قادرة على استيعاب الحركات الاسلامية بشرط ان يعمل الاسلاميون وفق آليات هذه المؤسسات وان يؤمنوا بالتخصصات ووفق ما تسمح به القوانين والظروف الحالية، مشيرا الى ان انتظار الحركات الاسلامية حتى تسمح لها الحكومات بالعمل كان خطأ تاريخا وقصورا جسيما من جانب اتباع هذه الحركات لأنه ليس من المتصور ان تسمح الحكومات لاتباع هذه التيارات بحرية العمل والحركة.

وقال في ندوة «اوضاع الحركات الاسلامية في ظل المجتمع المدني»، التي نظمها المركز الدولي للدراسات في القاهرة أخيرا، ان الحركة الاسلامية تواجه اشكالية قانونية وسياسية في الوقت الحاضر بالاضافة الى قصور القوانين، مشيرا الى ان هذه الحركة يعوقها قانون الطوارئ الذي فرض منذ اكثر من عشرين عاما والذي في ظله توجه الاتهامات الى ابناء الحركة الاسلامية ويقدمون للمحاكمة في قضايا غريبة مثل السعي نحو تغيير نظام الحكم بالقوة وتعطيل الدستور والارهاب والتطرف وقد طالت هذه التهمة حتى الجماعات التي ترفض العنف.

واشار الى ان القوانين المقيدة للحريات وانشطة الاحزاب والجمعيات ومؤسسات حقوق الانسان مصيرها الى التعديل بسبب وجود ضغوط دولية في هذا الصدد. لكن تبقى عقبة اخرى تواجه الحركات الاسلامية تتمثل في المعاهدات والاتفاقيات المتعلقة بالتعاون الاقليمي والدولي في مكافحة الانشطة التي توصف بأنها ارهابية، مؤكدا ان توجه بريطانيا الجديد لتسليم اللاجئين الاسلاميين الى حكومات بلادهم يمثل قيدا جديدا يعوق الحركة الاسلامية على الصعيد الدولي.

واوضح انه خلال عشرات السنين الماضية التي حجمت فيها الحركات الاسلامية بل وقمعت في كثير من الاحيان، تربت اجيال على ما تبثه الاجهزة الثقافية والتربوية والاعلامية الرسمية مما ادى الى تشكيل وعي مختلف عما لو كانت الحركة الاسلامية مطلقة السراح، بالاضافة الى ان احزاب المعارضة مجرد ديكور لإثبات وجود حياة سياسية ومعظمها مستأنس من جانب الحكومة ولا تمثل تيارات فكرية وسياسية حقيقية وهذه الاوضاع ادت الى غياب الحوار بين التيارات المختلفة.

واشار الى تأييده للاتجاهات الدولية الرامية الى تحجيم وظائف وسلطات الدولة لصالح المجتمع المدني شريطة ان تتمتع الدولة بكل سلطاتها على الصعيد الخارجي لمواجهة التيارات العالمية والحفاظ على خصوصية المجتمع حتى لا نتحول الى مجرد تابعين للدول الاخرى.

وقال ان نظرة الحركة الاسلامية الى النظم الحاكمة تقوم على ان هذه النظم لا تتمتع بالشرعية وتتعارض مع المنظومة الشرعية لعلاقة المجتمع بولي الامر الذي له حق الطاعة على المواطنين بالمعنى الشرعي في التصور الاسلامي لقوله تعالى «وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم»، رغم ان الرأي الذي يرجحه ولي الامر في الاحكام الظنية غير المقطوع بها في القرآن والسنة واجب الاتباع، موضحا ان هذه المنظومة مستبعدة من الطرفين من الحركة الاسلامية على اساس ان الحاكم غير شرعي ولا يحكم بما انزل الله ومن جانب الانظمة خاصة في ما يتعلق بالتشريعات رغم ان السلطة لو تمسكت بهذه الصيغة الاسلامية التي تستند الى الشريعة لأراحت نفسها لكن المشكلة انها لا تريد الاعتراف بالمرجعية للشريعة.

وقال ان توقف الحركات الاسلامية عن ممارسة نشاطها ـ الاخوان المسلمون مثلا بعد صدور قرار بحل الجماعة ـ كان غلطة تاريخية لانه لم يكن من المنطقي ان تظل هذه الحركات مكتوفة الايدي لا تباشر اية انشطة حتى يسمح لها بذلك، مشيرا الى ان مثل هذا التصور يفتقد المرونة وانه من الافضل ان تمارس الحركات الاسلامية نشاطها من خلال النوافذ المفتوحة، وان نفرق بين مقاصد هذه الحركات ووسائلها فليس من الضروري ان تحقق كل اهدافها بنفسها فيمكن لها ان تحقق اهدافها عبر جمعيات ومؤسسات اهلية معترف بها ينضم اليها اتباع هذه الحركات، وبالتالي ليس من الضروري ان تحقق الحركات الاسلامية اهدافها بنفسها كما كانت تتصور في الماضي، وهذا كان يجعلها تتعصب لاتباعها وتدافع عنهم بالحق والباطل.

واقترح ان تقف الحركة الاسلامية في صف المعارضة التي لا تطلب الحكم ولا تسعى اليه وان تكون في موقف المراقبة للحكومات ان احسنت اعانتها وان اساءت قومتها وعملت على تغييرها وفق الآليات المعترف بها، وبهذا التصور لا تكون الحركة مضيقا عليها من الناحية الاجتماعية والسياسية الا انها تستطيع الاندماج في مؤسسات المجتمع والعمل وفق ما هو متاح سواء على المستوى الجماعي أو الفردي من منطلق ان الله لا يكلف نفسها الا وسعها، موضحا ان هناك جوانب كثيرة في المجتمع في حاجة الى من يدفعها الى طريق الاصلاح واذا تقاعست هذه الحركات عن اداء دورها لأي سبب كان فلن يتحقق هذا الاصلاح الذي ننشده ونطمح اليه.

واشار الى انه لا يجوز للحركة الاسلامية ان تتأخر عن الظهور في مجالات مثل حقوق الانسان على المستويين المحلي والدولي والتي سيكون لها دور كبير في المستقبل لان حقوق الانسان تسير في المسلك الذي سارت فيه قضية المرأة والطفل، وان تستغل الحركات الاسلامية ثورة الاتصالات والفضائيات وشبكة الانترنت بجانب الكاسيت والفيديو لتوصيل آرائها وما تؤمن به الى الملايين، أما التقوقع والانكسار وانتظار الاذن من السلطة فسيؤدي في النهاية الى موت الحركات الاسلامية وغيابها لفترة قد تطول عن الساحة.