دار الحديث الحسنية معهد ديني للحفاظ على علم الحديث

TT

تقع دار الحديث الحسنية في أحد أحياء مدينة الرباط الشعبية نسبيا، وتتراوح مساحتها ما بين 400 و600 متر مربع، انفرد طابعها المعماري بما هو مألوف في المساجد والاضرحة في المغرب، وزخرفة الجوانب وقطع من القرميد تعلو مختلف واجهاتها الخارجية، فيما انفردت قاعات الدراسة ومكاتبها الادارية بنمط زخرفي متميز. ودار الحديث الحسنية ما هي إلا أحد المعاهد الدينية التي تأسست في عام 1964 وذلك بهدف تكوين نخب من العلماء المتمرسين في علوم الدين، والعمل على الحفاظ على الطريقة المغربية في ما يسمى بعلم الحديث. وحتى يأخذ هذا المعهد طابعه وتميزه للمجال التعليمي شأنه في ذلك شأن مختلف المؤسسات التعليمية العليا، أدرجت دار الحديث الحسنية في عام 1973 ضمن قائمة مؤسسات تكوين الاطر العليا في المجال الديني.

رغم عناصر التحديث التي يمكن تحسسها في عدد من المؤسسات والمعاهد التربوية في المغرب، فإن دار الحديث عمليا قد سايرت هذا التحول وانفتحت على جانبه العلمي، وان كانت في شموليتها قد ظلت وفية لطابعها التعليمي الديني الصرف، وبكل ما يرتبط بعلوم الدين، وهي خطة كانت قد التزمت بها منذ السنوات الاولى التي لازمت تأسيسها، حيث حددت اهدافها العامة في استعادة الادوار المتميزة التي كانت تقوم بدور الحديث في المشرق والمغرب الاسلاميين والنهوض بالمراكز الدينية الكبرى (زوايا ـ معاهد دينية..) وعليه دأبت دار الحديث الحسنية على تكوين نخبة من المحدثين يسهر على تعليمهم وتكوينهم علماء ومفكرين مشهود لهم في كل من علوم الدين وعلم الحديث.

وحرصا منها على تحقيق هذه الغايات وغيرها، سنت قانونا يتم من خلاله اختيار صفوة من الطلاب الذين يرغبون في الالتحاق بها، فبالاضافة الى اختبار اجباري يعلن عن موعده بداية من كل عام دراسي، فعلى الطالب ان يكون حاصلا على الاجازة من كلية الشريعة، أو كلية الآداب شعبة الدرسات الاسلامية، أو معهد اصول الدين، اضافة الى أن كل طالب حاصل على نفس الشهادة من الجامعات القانونية تخصص قانون خاص.

وفي حال تمكن الطالب من اجتياز الاختبار بتفوق يفسح له المجال بتحصيل شهادتين: دبلوم الدراسات العليا المعمقة وشهادة الدكتوراه، وتصل مدة الاولى سنتين يختتمها ببحث يرتبط بمجال علوم الدين او ما يسمى بنظام التخصص ويضم مادتين: وحدة الفقه المالكي في الغرب الاسلامي. ووحدة مؤلفات التفسير والحديث في الغرب الاسلامي، وفي حال تمكنه من تحصيل هذا المستوى الاولي، يتأهل لنيل شهادة الدكتوراه، والتي تحددها عدة شروط منها، ان يكون موضوع أطروحته له صلة بتخصص الطالب، ولم يسبق علاجه وتداوله في السابق من احد الطلاب. كما ان موضوع البحث هذا يطرح مع الاستاذ المشرف ويتطلب ان يلقى موافقة من طرف مدير المؤسسة ولا يمكن ان يناقش هذا البحث الا بعد مرور ثلاث سنوات، واللافت ان دار الحديث الحسنية قد عرفت تحولا ملموسا على مستوى النشاط الدراسي والتربوي اذ تم احداث شعبتين اجباريتين يمتحن فيهما الطالب وهما اللغة الفرنسية واللغة الانجليزية، وذلك بهدف تنمية قدرات الطالب ومساعدته على الانفتاح على باقي الانشطة الفكرية والمعرفية الاخرى.

وكانت المؤسسة قد استقبلت خلال العام الدراسي الحالي خمسين طالبا مغربيا وخمسة عشر طالبا اجنبيا. وتمنح للطلاب المغاربة منح مادية على رأس كل ثلاثة اشهر تقدر بـ1944 درهما. وعلى الصعيد الوطني شكلت دار الحديث الحسنية مصدرا اساسيا لإمداد كليات ومعاهد دينية بأطر متخصصة في علوم الدين. اما على المستوى الخارجي فتربطها مع نظيرتها في المشرق العربي اتفاقيات تهم المجال الثقافي، حيث يعمد الى تسفير بعض اساتذتها وطلابها المتخرجين لالقاء عروض ومحاضرات في مجال تخصصهما، وتستقبل في المقابل علماء ومفكرين لنفس الغرض، وعلى المستوى الاعلامي اسست دار الحديث الحسنية منبرا اعلاميا صدر العدد الاول منه في عام 1977 وهو عبارة عن مجلة تصدر سنويا وتضم دراسات مستفيضة لعلم اصول الدين وغيره من النصوص الدينية. وفي الغالب ما تضم المجلة اجزاء مختارة من الرسائل والبحوث والاطروحات المقدمة لدار الحديث، في حين تختزل مكتبتها مجموعة من الكتب المتميزة في المجال الديني، وذلك لتوفير شروط النشاط التعليمي بها، بل والعمل على جعل الطالب على بينة مما ينتج ويصدر في مجال تخصصه.