مفتي زينيتسا السابق لـ«الشرق الأوسط» المساجد هي عقد إثبات وجود وتاريخ وهوية دينية لمسلمي البوسنة والهرسك

TT

مارس الشيخ خليل مهدي بشن مفتي زينيتسا السابق العمل الدعوي اثناء التسلط الشيوعي على البوسنة والهرسك وكان يجمع الشباب في المسجد بين صلاتي المغرب والعشاء يعلمهم امور دينهم وتوثيق انتمائهم للاسلام، وهو ما اوغر صدور اعداء الاسلام من شيوعيين ونصارى على اختلاف مللهم ونحلهم ونشطت الجاسوسية الشيوعية ضده وبدأت عملية التضييق عليه وعلى اخوانه اكثر وانتهت بإيداعه السجن عام 1985، حيث قضى ثلاث سنوات وراء القضبان. وفي السجن التقى بنوعيات كثيرة من المنحرفين وسارقي شنط النقود ومتهمين في حوادث قتل وجرائم مختلفة وانماط من المجتمع السفلي تصورا وسلوكا. واستطاع الشيخ خليل مهدي بعون الله اخراج الكثير من أولئك مما هم فيه من انحطاط وسذاجة، سيما ان المجتمع الذي صاغته الشيوعية والثقافة الوجودية القاصرة عن تربية الانسان تربية سليمة يتحملان جزءا من المسؤولية الى حد كبير في فترة السنوات الثلاث. وعلى سنة يوسف عليه السلام «رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه»، اتم حفظ القرآن الكريم، ونجح في امتحاناته، حيث كان في ذلك الوقت طالبا في جامعة سراييفو.

كان هدف الشيوعيين ابعاد الناس عنه وتخويفهم منه ومن الدعاة ومن الاسلام، وارادوا ان يبثوا في روع الناس ان من يلتزم بالاسلام بكلياته، الاسلام كما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، سيتعرض للمضايقة والملاحقة والسجن، ولكن الامر كما يقول الشيخ بشن يأتي بنتائج عكسية «البلاء الذي يصيب الدعاة سر تعاطف الناس معهم، ويحشد الجماهير خلفهم. لقد كانت افواج المهنئين بعد خروجي من السجن، وعباراتهم التي تدين النظام آنذاك وتؤكد لي انهم معي بقلوبهم، تدفعني لليقين بأن مستوى النجاح يقاس بمستوى البلاء فعلى قدر البلاء يحقق الدعاة الشعبية وعلى قدر الاخلاص يمكّن لهم او يعذروا».

في عام 1990 فاز حزب العمل الديمقراطي الذي يرأسه الزعيم البوسني علي عزت بيجوفتش في الانتخابات، وفتح الباب على مصراعيه امام الحرية الاسلامية واصبح بامكان المسلمين ان يمارسوا شعائر دينهم ويقولوا ما يشاءون ويعملوا ما يريدون ويعبروا عن معتقداتهم وآرائهم بحرية تامة من دون حجر او خطوط حمراء، كما هو الحال في بلدان اسلامية كثيرة.

ففي الفيلق الثالث وحده يوجد 48 داعية وهذا مبعث سرور للجميع، وفي مقدمتهم الشيخ خليل بشن، مفتي زينيتسا السابق، كما تمت اعادة بناء الكثير من المساجد وبنيت مساجد جديدة. ورغم المظاهر الغربية التي قد يصادفها المار في الشوارع إلا ان دلائل التدين والرغبة في المعرفة الاسلامية في ازدياد مستمر افقيا وبشكل عريض، وهو ما نبدأ به هذا الحوار مع الشيخ بشن.

* هناك اقبال من قبل الجماهير على الاسلام هل بإمكانكم استيعاب طلباتهم وتأطير الشباب منهم بصفة خاصة؟

ـ الاقبال كما ذكرت كبير. كل يوم يأتي الناس يطلبون الكتب الاسلامية، ونحن لا نستطيع حتى الآن استيعاب هذه الطلبات لانها تفوق امكانياتنا، نحن نحاول سد حاجات بسيطة والامر يحتاج الى جهود وامكانيات مضاعفة. استطعنا طباعة بعض الكتب بإذن الله، ومنها كتاب «الانجيل والقرآن والعلم» لموريس بوكاي، وهو كتاب معروف في العالم ويلاقي اقبالا كبيرا في البوسنة، حتى ان بعض الكاثوليك اسلموا والحمد لله بعد قراءة هذا الكتاب، كما استطعنا بعون الله طباعة كتاب «المدخل الى تعلم القرآن الكريم» وكتاب «اللغة العربية لغير الناطقين بها» والحمد لله باشرنا بامكانياتنا المتواضعة تدريس اللغة العربية وبعد سنتين سررنا عندما سمعنا الطلبة يتكلمون اللغة العربية، ان نجاح برنامج اللغة العربية في البوسنة متوقف على المنهج المعتمد ومقدرة المدرس واستعداد الطالب.

* كم عدد الدعاة والائمة في زينيتسا؟

ـ يعمل بدار الافتاء 184 اماما موزعين على سبع مدن هي زينيتسا وجيبتشا وزافيدوفيتش وماغلاي وتيشان وتسليتش ودوبوي.

* ما هي النشاطات التي تقومون بها في غير المساجد؟

ـ يعقد الائمة اجتماعات دورية لبحث الانشطة المختلفة، ومنها الحلقات في الاذاعة والتلفزيون ولدينا قائمة باسماء المرشحين لمثل هذه الانشطة وعددهم 40 فردا من دار الافتاء بالاضافة لنشاطنا في الاذاعة الخاصة التي تبث اربعة ايام في الاسبوع وتدوم الحصة الواحدة ساعة كاملة، وإرسالها قوي وتغطي مدنا كثيرة في البوسنة والهرسك.

* ما هي البرامج التي تقدمونها في الإذاعة؟

ـ البرامج كثيرة، منها: القرآن الكريم وتفسيره، ونختم القرآن شهريا في الإذاعة والدروس العامة وتغطية المناسبات الإسلامية والإجابات الفقهية على أسئلة المستمعين حول قضايا الإسلام والمعاصرة وقضايا المرأة، وإقامة المسابقات الثقافية وعليها إقبال كبير.

* هل عندكم الكادر المؤهل لذلك؟

ـ للأسف لا توجد لدينا الكوادر الكافية.

* ماذا عن لجنة الترجمة بزينيتسا؟

ـ نعم عندنا لجنة للترجمة، وقد بدأنا بترجمة مختصر ابن كثير بإشراف نخبة من أهل الاختصاص، وقد طبع وللّه الحمد.

* هل توجد لديكم كتب تفسير أخرى؟

ـ الذي عندنا الآن هو تفسير ابن كثير باللغة البوسنية.

* الإسلام عريق في هذه الديار، ما هي الآثار الدالة على ذلك في زينيتسا؟

ـ المساجد هي عقد إثبات وجود وتاريخ وهوية وضمائر الناس وقلوبهم المفعمة بالإيمان وحضورهم للمساجد ودفاعهم الجمعي عن البوسنة ورفضهم الردّة طيلة 200 سنة خلت تقريباً، لو لم يكن الإسلام عريقا في هذه الديار ولو لم يكن راسخاً في عمق ضمير البوشناق لما وجدنا مسلماً واحداً اليوم في البوسنة، نظرا للمحن التي تعرضنا لها في التاريخ. لدينا خمسة مساجد في زينيتسا هي المسجد الكبير (300 سنة) ومسجد السلطان أحمد وعمره (270 سنة) ومسجد ياليسكا أو جامع النهر وعمره (300 سنة) ومسجد يوتوتشكا وعمره (300 سنة) ومسجد كوتسافرسكا (300 سنة)، كما استعدنا مدرسة السلطان أحمد التي أغلقها الصرب قبل الحرب العالمية الثانية وحوّلوها إلى متحف وهي الآن مقر دار الإفتاء.

* هل تقام في هذه المساجد الآن حلقات تحفيظ القرآن؟

ـ لكل مسجد في زينيتسا إمام يعلم الأطفال القرآن الكريم، إضافة إلى الفقه والعقيدة، حسب كل مرحلة بما يتناسب وسن الطالب ومعرفته العقائدية.

* كم عدد حلقات القرآن الكريم؟

ـ تقام حلقات تحفيظ القرآن الكريم في 200 مكان.

* كم عدد طلبة حلقات تحفيظ القرآن الكريم؟ وكم العدد الإجمالي للمساجد في إقليم زينيتسا؟

ـ 16093 طالبا، بعضهم في المدارس الحكومية، وهناك 151 جامعا و72 مسجدا في زينيتسا.

* هل استشهد أحد من الأئمة والطلبة أثناء العدوان؟

ـ استشهد 7 أئمة وجرح 7 آخرون.

* هل هناك مساجد في حاجة للترميم؟

ـ هناك 23 جامعا و 16 مسجدا في حاجة للترميم، وهناك 15 عمارة وقف دمرت و24 تحتاج إلى ترميم.

* كيف تنظرون للمستقبل في البوسنة والهرسك؟

ـ أنا بين الخوف والرجاء، نحن نظلم لأننا مسلمون، نقطة صغيرة وسط بحر من العداء. أنا فكرت كثيرا في ماضينا وحاضرنا واستعرضت ما حصل لنا في التاريخ، ووصلت إلى إجابة هي أن اللّه يريد شيئا من البوسنيين لخدمة الإسلام، إن ذلك سيتحقق إذا بقيت الصلة بيننا وبين المسلمين في العالم وتغيّرت أحوال المسلمين نحو الأفضل واتجهت نحو الإسلام الفاعل لا التقاليد المجردة من الحيوية والتعبئة. والإسلام نشأ طبيعيا وسيظل شعلة منيرة في هذا العالم المظلم، إذا تم ذلك سنكون في موقف أقوى وستكون أوروبا الأرض الخصبة لانتشار الإسلام، وعندئذ ستسري دماء جديدة في شرايين الحياة، إنها أحلام مقدسة، يمكن تحقيقها بعون اللّه.