رئيس المكتبة والأرشيف العسكري السويسري: الإسلام لا يشكل تهديداً للغرب وإنما إثراء له بقيمه وحضارته

د. ستوسي ـ لاوتنبرج لـ «الشرق الأوسط»: الدين الإسلامي يعترف بالديانات السماوية الأخرى

TT

يحرص اتحاد المنظمات الإسلامية في سويسرا، على مشاركة المسؤولين السويسريين في العديد من الفعاليات الاجتماعية والفكرية، التي ينظمها في المدن السويسرية المختلفة. كما يدعو الاتحاد أبناء الجاليات المسلمة في سويسرا إلى المشاركة الفاعلة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مؤكداً أهمية اندماج الجاليات المسلمة في المجتمع السويسري مع مراعاة ضرورة الحفاظ على الهوية الإسلامية. وفي الوقت نفسه، بدأ بعض المسؤولين السويسريين يرون أهمية مشاركة الأقليات المسلمة في تنمية المجتمع السويسري واستقراره. التقت «الشرق الأوسط» بالدكتور يورج ستوسي ـ لاوتنبرج، نائب رئيس الجمهورية في سويسرا، للحديث عن قضايا الإسلام والمسلمين في بلاده، لا سيما أنه استاذ تاريخ ويتحدث اللغة العربية، مما ساعده على الاطلاع على التاريخ الإسلامي ومعرفة الكثير عنه من مصادره العربية.

* كيف تعلمت اللغة العربية؟

ـ لهذا قصة، فلقد اصطحبت والدتي في زيارة للأماكن المقدسة في فلسطين في عام 1966، وقمت مع زيارة الآثار المسيحية بزيارة الآثار الإسلامية، وقمنا بعدها بزيارة الأردن وسورية للاطلاع على الحضارة الإسلامية. وقد كنت صبيا في هذا الوقت، وقد شدتني هذه الزيارة وأثرت فيّ بعمق، مما دعاني إلى دراسة التاريخ واللغة العربية والإسلام، ثم دراسة التاريخ الإسلامي.

* هل يشكل الإسلام من خلال دراستك له تهديدا للغرب؟

ـ أبداً، فالدين الإسلامي ينادي بالتسامح والتعايش، ويعترف بغيره من الديانات السماوية المسيحية واليهودية. ويحتل السيد المسيح والسيدة مريم العذراء مكانة رفيعة في القرآن. كما تحتل اليهودية ونبي الله موسى مكانة عالية في القرآن. رغم أن الإسلام انتشر بسرعة كبيرة جداً، فهو قد انتشر من الصين إلى حدود أوروبا في فترة زمنية قصيرة جداً بمقياس التاريخ ـ حوالي مائة سنة ـ لكنه لم ينتشر بالرعب والدمار والمذابح، ولم يشهد التاريخ الإسلامي حروب إبادة ومذابح للشعوب المغلوبة، كما حصل للهنود الحمر في أميركا، إنما عامل المغلوبين بسماحة ورفق وفرض عليهم ضريبة رمزية غير مكلفة. وأنه لم يصنع كما صنع الأوروبيون مع الهنود في أميركا، ولم يفرض دينه بالقوة، لكنه انتشر بالتسامح والقدوة الحسنة والتفاهم والتزاوج والحوار. ولقد أقام الإسلام حضارة كبرى في الأندلس، كان لها أكبر الأثر في عصر النهضة، والحضارة الأوروبية عموماً، ولقد أخذ الغرب كثيرا من علوم الفلسفة والطب والكيمياء والرياضيات، خاصة العلوم التجريبية. ولقد تعايش المسلمون والمسيحيون واليهود في اسبانيا تحت حكم الإسلام، وعليه فالإسلام لا يشكل تهديداً للغرب، إنما إثراء له بقيمه وحضارته.

* هل تؤمن بتصادم الحضارات، أم بحوارها؟

ـ ان هؤلاء الذين يقولون بتصادم الحضارات، ويصطنعون المشاكل وينفخون في أبواق الحرب، لم يتعلموا من التاريخ ومن تطوره ولم يتعلموا من مآسي الماضي. لقد كان من حكمة الله أن خلق الناس مختلفي الألوان والأعراق والألسنة والديانات والحضارات، وكان للتنوع الجغرافي والبيئي أثره الكبير في تطور الحضارة وقيامها، حيث بدأت بالظهور في المجتمعات الزراعية «العراق، مصر، الهند، الصين». كما تطور الإنسان، تطورت أيضا الديانات، وتطورت الحضارة وتنوعت، وكان لامتزاج هذه الحضارات بواسطة الهجرات الإنسانية والتجارة والتزاوج أثر كبير في تطور الحضارة ورقيها. الحروب كان لها أثرها، لكنه كان الأثر المدمر على الإنسانية. إن ما يجمعنا أكبر بكثير مما يفرّقنا، هناك تراث إنساني هائل يجمعنا، الإيمان بالإله، النظرة إلى الخير والشر، الثواب والعقاب، التجاور والمنافع والمصالح المشتركة واستغلال الموارد الطبيعية لمصلحة البشر، في نظري ان الاعتراف بالآخر والحوار هو الخيار الوحيد للإنسانية، وغير ذلك هو الفناء.

* هناك جالية مسلمة كبيرة في سويسرا، فكيف تتعامل معها الحكومة السويسرية؟

ـ الوجود الإسلامي قديم في سويسرا، وقد عاشت في أوائل القرن العشرين مجموعات كبيرة من المبتعثين المسلمين وشخصيات سياسية كثيرة، حيث تبحث عن الحرية والتسامح، لهذا أثمرت وأنتجت، ومنهم الشيخ رشيد رضا. وبعد الحرب العالمية الثانية، ازداد الوجود الإسلامي بهجرات العمال الكثيرة من شمال افريقيا وتركيا والبلقان، بحثاً عن العمل في المصانع بعد الحرب، ثم جاءت أعداد كبيرة للدراسة في الجامعات، وأخيرا هجرات اللجوء السياسي والاقتصادي.

والمجتمع السويسري، محافظ بطبيعته، وسويسرا بلد صغير، يحيط به جيران أقوياء، الشيء الذي شكل العقلية السويسرية، ومنه الخوف من الآخر، حيث انها قاست قديما من هؤلاء الجيران. كما أننا ايضا شعب مسالم محب للحرية، لم تكن له مستعمرات، وعليه كان اختلاطه بالشعوب غير الأوروبية محدوداً جداً، واختلاطه بالديانات الأخرى، خاصة الإسلام، محصوراً في الجامعات فقط. ولهذا كان لوجود هذه الجالية الإسلامية الكبيرة عامل نفسي وردود فعل مختلفة ونقلة نوعية للعقلية السويسرية وعلاقتها بالآخر، غير الأوروبي، وعلاقتها بدين الإسلام. ولقد جاء هؤلاء من بلادهم بديانتهم وعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم المخالفة لأهل البلاد، كما جاء آخرون بسياساتهم وصراعاتهم العرقية والسياسية، وهذا كان له في أول الأمر أثر سلبي في بعض الأوساط. ثم قامت المنظمات الإسلامية بجهود مشكورة في تحسين صورة الإسلام والمسلمين، انظر مثلا إلى إبراهيم صلاح، رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية، فهو رجل مثقف واعد، له ثلاثة أبناء يخدمون في الجيش السويسري، وله نشاط سياسي إسلامي كبير نفخر به، مع أمثال هؤلاء ليست لنا مشكلة، المشكلة هي مع هؤلاء الذين يسيئون استخدام الحريات العامة والقيام بنشاطات معادية ضد الأنظمة في بلادهم، أو استخدام سويسرا كحقل للصراعات الأخرى مثل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. في هذه البلاد، يعيش الجميع، من مسيحيين ويهود ومسلمين وغيرهم، في أمن وسلام، ونحن نرحب بالجميع شرط احترام قوانين البلاد والعقد الاجتماعي فيها.

فموقف سويسرا من الإسلام يتوقف على موقف المسلمين أنفسهم من سويسرا. نحن نعتقد ونؤمن بالتعايش بين الحضارات والديانات، وسويسرا بلد متعدد الحضارات، والأعراق «ألمان وفرنسيون وإيطاليون»، وكل الذي نريده ـ هو ألا يتحول هذا البلد الصغير المسالم، إلى ساحة صراع ـ كما قلت لك، المسلمون موضع الاحترام والتقدير، والإسلام دين يثري التنوع الحضاري في سويسرا.

* بماذا تنصح الجالية المسلمة في سويسرا؟

ـ أولا وقبل كل شيء، يجب على المسلمين في سويسرا، أن يتعلموا لغة البلاد، فاللغة هي أهم عامل ووسيلة لنقل المعلومات والأفكار والتخاطب والتفاهم والحوار، عليهم أن يختلطوا بالأهالي وألا ينعزلوا في مجتمعاتهم، وعليهم أن يتعرفوا إلى جيرانهم، وأن يعرفوا جيرانهم بأنفسهم وحضارتهم، وعليهم أن يكونوا عنواناً مشرفاً لدينهم وحضارتهم، هذه نقطة مهمة، ثم ان عليهم أن يستخدموا خطاباً إسلامياً عاقلاً معتدلاً بعيداً عن التطرف، خطاباً يدعو إلى الاعتراف بالآخر والقبول بالتنوع واحترام الأغلبية، داعياً للتعايش. ليس هناك أخطر على الإسلام، من الخطاب غير العقلاني، الخطاب الذي يدعو إلى الإثارة والخوف، إلى تحريك الشعور السلبي نحو الأقليات. لحسن الحظ الأغلبية الآن بدأت تتحرك في الاتجاه الإيجابي، وما نراه من نشاط الجالية المسلمة يسرنا ويسعدنا، ثم انه على المسلمين أن يهتموا بالتربية والتعليم متاح بالمجان للجميع، عليهم أداء الخدمة العسكرية، والإحساس بشعور المسؤولية نحو وطنهم الجديد، وبهذا يساهموا في تطور هذا البلد وفي سرعة اندماجهم في المجتمع والقبول بهم عنصراً جديداً لا غنى عنه لسويسرا.

* ما هو مستقبل الإسلام في سويسرا؟

ـ الإسلام دين سماوي يدعو للتسامح «لا إكراه في الدين»، ويؤمن بالآخر ويعترف باليهودية والمسيحية، ويحض على الفضيلة ويدعو لمكارم الأخلاق، ويؤمن بدور الأسرة والمجتمع، ويقدم حلولاً كثيرة للمشكلات المعاصرة التي تواجه الإنسانية. والإسلام من أكثر الديانات انتشاراً في العالم وأوروبا. انظر إلى مئات المساجد والمراكز الإسلامية المنتشرة في سويسرا وفي ألمانيا. وفي هولندا وبلجيكا والنمسا وفرنسا وبريطانيا، ملايين المسلمين. وبوجود جو الحرية والأمان والعدالة والاتصالات المتوفرة في أوروبا، تتاح للمسلمين فرصة كبيرة جدا لنشر دينهم والتعريف به وهم يسيرون في هذا الاتجاه.