د. محمد حبش: الفكر الإسلامي يعاني من أزمات عديدة ويحتاج للتجديد والتنوير

البرلماني والداعية الإسلامي: التيار الراديكالي أساء للإسلام والمسلمين

TT

من المعروف عن الدكتور محمد حبش الداعية والنائب السوري أنه من دعاة الحوار مع الغرب ومن المعارضين لمنهج العنف وإثارة الكراهية ضد أصحاب الديانات الأخرى. لكن هذا لم يحل دون قيام السلطات الأميركية العام الماضي بمنعه دخول الولايات المتحدة حيث كان متوجهاً للمشاركة في مؤتمر حول حوار الحضارات تحت رعاية الأمم المتحدة. في هذه المقابلة التي أجرته معه "الشرق الأوسط" في دمشق، يتحدث الدكتور حبش عن قضية الحوار مع الغرب ودور المتطرفين في الإساءة للإسلام. وحقيقة تراجع الدعوة الإسلامية، وتقييمه للخطاب الإسلامي ومدى فاعليته في إقناع الآخر وتطرق الحوار لمواضيع أخرى تخص الحوار الإسلامي ـ الغربي. وهذا نصه:

> هل توافق الرأي القائل بأن تصرفات بعض الإسلاميين هي التي أساءت للإسلام بحيث بات كل مسلم يعامل على أنه إرهابي؟

ـ هناك تنام لحالة الإسلاموفوبيا وللكراهية للمسلمين في الغرب وهي تتصاعد. والحقيقة إن مواقف بعض الراديكاليين المسلمين كانت وراء تأجيج الصراع بين الإسلام والغرب. وهذا لا شك فيه ولسوء الحظ صادف هذا تواجد حكومة متشددة في البيت الأبيض وكانت النتيجة ما نراه الآن. وعلينا أن نعترف أيضاً بأن الغربيين يخلطون بين التيار المحافظ والتيار الراديكالي. ويوجد في الشارع الإسلامي تيارات إسلامية منها 80% من المحافظين و20% من الإصلاحيين والراديكاليون يشكلون نسبة أقل من 1%.

المحافظون لا يعترفون بإيمان الآخر ولا يعترفون إلا بالإسلام فقط ويرون أن الآخرين كفار. في حين أن التيار الإصلاحي يعترف بأنه توجد أكثر من طريقة للإيمان بالله عز وجل ولكن علينا أن نعلم أن الإصلاحيين والمحافظين متفقون على احترام حق الآخر في العيش.. والخلاف بين هذين التيارين هو في المشهد السماوي وليس الأرضي. أما التيار الراديكالي فهو الذي يرفض الآخر جملة وتفصيلاً.

> لكن ألا تعتقد أن وجهة نظر بعض الإسلاميين صحيحة حينما يقولون إن ظلم الغرب وقهره لنا هو ما يسبب ظهور تيارات راديكالية متطرفة؟

ـ الراديكالية الإسلامية نشأت عن عنصرين أحدهما الفهم والتأويل الخاطئ للنصوص الدينية وهذا حاصل بامتياز من قبل الجماعات الراديكالية والسبب الثاني هو وجود الظلم. وهذان العنصران اجتمعا وساهما في تكوين الراديكالية التي تقوم على العنف في العالم الإسلامي. أنا شخصياً أنبذ العنف وأتبنى منهج الحوار والسلم لأنها أنجح في حل المشكلات. وللأسف التيارات الراديكالية أسهمت في تشويه الإسلام وإيجاد قطيعة بين الإسلام والغرب ونحن نحملها هذه المسؤولية. > الكثير من وجهات النظر الإسلامية تؤكد تأزم الحوار مع الغرب وتنامي روح العداء للمسلمين في الغرب.. هل تؤيد هذا الاتجاه؟

ـ أنا ضد التعميم هناك تيارات كارهة للوجود الإسلامي في أميركا، وحسب بعض الإحصاءات الأميركية فإن 23% من الأميركيين يكرهون المسلمين. وتبلغ النسبة في السويد 52% وهي أعلى نسبة في أوروبا من كراهية الوجود الإسلامي. وكما قلت أنا أرفض التعميم ولدينا الكثير من الأصدقاء المخلصين المؤيدين لقضايانا في الغرب.

> في رأيك.. هل بات الخطاب الديني الإسلامي المقدم حالياً غير مقنع للآخرين؟

ـ لا شك أن الخطاب الديني يحتاج إلى تجديد وتنوير. أنا أشعر أن هناك أزمات في الفكر الإسلامي يجب أن تحل ومنها الخطاب الديني المستمر على وتيرة واحدة منذ عدة قرون. فما كان يقنع بالأمس لا يقنع اليوم ولن يتم إقناع الأجيال الحالية بما كان يقتنع به الناس في السابق. الجيل الجديد على مفترق طرق يحتاج لرؤية تحمل كل معاني الإسلام في العدالة والقسط والنور.

> كداعية إسلامي هل تؤيد مقولة تراجع الدعوة الإسلامية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؟

ـ طبعاً هذا كلام صحيح.. الكثير من الكلام الذي كان يقال عن عدد المتحولين من أصحاب الديانات الأخرى للإسلام كان كلاماً غير واقعي وتعرض للتهويل الإعلامي. أنا شخصياً زرت أكثر من 50 مركزاً إسلامياً في أوروبا وأميركا ودعني أكون صادقاً معك أنه يوجد تراجع كبير في مجال الدعوة. والكثيرون ممن زاروا المراكز الإسلامية وتحدثوا عن الشهادتين وعن الإسلام وأنه يعكس إيماناً داخلياً لديهم ولكن ليس كل هؤلاء بالضرورة أن يكونوا قد أسلموا وتركوا دينهم السابق. خذ مثلاً (روجيه غارودي) المفكر الفرنسي المعروف اعتنق الإسلام ولكنه قال بصراحة أنا لا أفهم الإسلام كما تفهمونه ولا أشعر أنني كفرت بكل ما كنت أعتقده في السابق لقد كسبت الكثير من خلال الإسلام ولكنني أعتز بالماضي. وبهذا المعنى يمكن أن نكسب الكثير من الأصدقاء حول العالم وهذا لا يعني على الإطلاق أنهم سيتحولون عن دينهم نحو الإسلام. خذ مثلاً آخر، قدم الى دمشق أربعة من زعماء طائفة [أوموتو] اليابانية ونطقوا بالشهادتين وذهبوا لأداء فريضة الحج. وعندما زرتهم بعد ذلك في اليابان وجدت أنهم لم يفهموا الإسلام بالطريقة الإلغائية التي يفهمها إخواننا الدعاة الذين يذهبون للدعوة. وفي رأيي تحول أمة من دين لآخر مسألة معقدة وهي مرتبطة بتحولات كبرى في العالم وليست سهلة كما يتوقعها البعض. أقول إن الخطاب الإسلامي الذي يعتمد على الإلغائية ونسخ الآخر هذا خطاب ليس له مستقبل. وفي نظري المستقبل للخطاب العقلاني التصالحي مع العالم الذي يقوم على الحوار والتفاهم وما سوى ذلك خطابات فاشلة.

> نحن أمة ضعيفة نسبيا.. فكيف يمكنها الحوار مع أمم قوية ومتقدمة؟

ـ طبعاً سيكون الحوار ضعيفاً، لأننا أمة ضعيفة والحل بأن نقوي أنفسنا، ولا يتم ذلك بإلغاء صوت العقل والتوجه للعنف. العنف سيزيدنا ضعفاً والحقيقة التي يجب أن يفهمها قادة العمل الإسلامي الشبابي هي أن العنف يستنفر الآخرين ضدنا وسيبرر لهم مواجهتنا بالعنف نفسه.. لذلك لا بديل عن الحوار ولدينا قضايا عادلة نملك أن نقيم الحجج عليها وإذا كان الآخر لا يفتح أذنيه للحوار فهذا لا يعني أن نستسلم له. والعالم ليس بغابة كما أنه ليس بجمعية خيرية. وأنا أرى أن تفسير القوة في قوله تعالى «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة» في عصرنا هي قوة العلم وليس قوة السلاح.

> التصريحات شبه اليوميه المسيئة للإسلام ولرموزه والتدخلات الكثيرة في مناهجنا الإسلامية والدعوة لمراقبة خطب المساجد ودروس العلم.. ألا تقلقك كداعية إسلامي؟

ـ بالتأكيد هي مقلقة وأقول إن في الداخل الإسلامي من يكتب بهذه الطريقة بل وأشد استفزازاً.. وهناك مواقع عربية على الانترنت متخصصة في شتم الرسول (صلى الله عليه وسلم) بل وشتم الله عز وجل. وهذه التيارات ليست جديدة بل قديمة وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ازدادت كثيراً. قال أحد الدعاة لي مرة لقد نفدت الكتب الإسلامية من مكتبات الغرب، وكان مسروراً فقلت له إن هذا ليس بنبأ سعيد إن هذه الكتب ليست جاهزة لخطاب الأميركيين. كيف نصدق أن عملية تفجير إرهابية تتسبب في دخول آلاف النصارى في الإسلام؟ حسبما قالته وسائل الإعلام العربية. وللأسف هذا كلام غير صحيح.

> أخيراً كيف تصف واقع المسلمين اليوم وهل أنت متفائل بالمستقبل؟

ـ بالتأكيد أنا متفائل بالمستقبل لأن كل دلالات القرآن الكريم والسنة النبوية تشير إلى ذلك. نحن نؤمن أن الكون يتجه نحو نهاية سعيدة. ونهاية التاريخ في الإسلام ليست وفق الرؤية الأميركية لصدام الحضارات الذي يقولون إنه سيدمر العالم. نحن نؤمن بأن الإسلام الصحيح الإصلاحي والمعتدل سينشر العدالة في العالم. وللآن لا يزال الخطاب الإسلامي الذي يتجاهل الواقع والذي يكرس دعوة الأجيال للعيش في عوالم غير واقعية موجودا وقد ساعد على ذلك إخفاق التجارب العلمانية والقومية العربية التي لم تتمكن من تقديم نماذج ديمقراطية بل قدمت نماذج مستبدة وهذا في الواقع ما أجج العودة للخطاب الإسلامي. ولكن إذا لم يكن الخطاب الإسلامي الإصلاحي جاهزاً فإن المرحلة القادمة ستكون مرحلة قطيعة بين الجيل والدين. وهذا ما لا نريد أن يكون، وهذا ما نراهن من أجل مقاومته عن طريق تعزيز التيار الإصلاحي الذي يقدم الأجوبة وفي هذه الحالة سيشعر المجتمع الإسلامي بأنه عندما يتمسك بإسلامه فإنه لن يخرج من الحياة وأنه قادر بتمسكه بإسلامه من إقامة دولة مدنية مرتبطة بالعالم الحديث.