ردود الفعل على الرسومات الكاريكاتيرية.. بين الصواب والخطأ

TT

صرخت صحيفة في عنوانها الرئيسي «الغضب الإسلامي»، وقالت أخرى «الغضب الاسلامي يجتاح أوروبا». وحذر أحد المعلقين قائلا إن «صدام الحضارات آت».

وكما قد تخمنون، فإن كل ذلك يشير إلى الضجة التي أثارها نشر الرسوم الكاريكاتيرية عن النبي، محمد صلى الله عليه وسلم، في صحيفة دنماركية قبل أربعة أشهر. ومنذ ذلك الحين جرت مظاهرات عدة معظمها في الغرب وجرت مهاجمة عدد من السفارات والقنصليات الدنماركية والاسكندنافية الأخرى. ولكن الى أي حد يمثل أولئك المتظاهرون الإسلام؟ وقد تحركت «ماكينة الغضب» عندما دعت منظمة الاخوان المسلمين، وهي منظمة سياسية وليست دينية، المتعاطفين معها في الشرق الأوسط وأوروبا الى إعلان الغضب الإسلامي من هذه الرسومات، وانضم ايضا بعض خصوم الاخوان المسلمين، وبينهم حزب التحرير الاسلامي وحركة الغرباء إلى ذلك. ويمكن تلخيص موقف بعض المنظمات والجماعات الاسلامية الذي حدده أحد زعمائها الشباب، وهو طارق رمضان، والذي يثير الاستغراب انه يعمل مستشارا لدى وزير الداخلية البريطاني، يمكن تلخيصه على النحو التالي:

* انه ضد التعاليم الإسلامية ان يجري تجسيد صور لا النبي محمد وحده، وإنما جميع الأنبياء.

* العالم الإسلامي ليس معتادا على السخرية من الدين.

غير أن كلا الزعمين غير صحيح.

فليست هناك تعاليم قرآنية ضد الصور، وعندما انتشر الاسلام في شرق المتوسط اتصل بالنسخة الآرية من المسيحية التي كان أتباعها من الغلاة الذين تحولوا الى نبذ الايقونات. ولم يجر حسم هذه القضية بهذا الاتجاه أو ذاك والزعم بأن الحظر على الصور هو «مبدأ مطلق في الاسلام» هو تعبير سياسي.

كما ان التاريخ يدحض الزعم بأن الحظر على تصوير محمد، صلى الله عليه وسلم، والأنبياء الآخرين «مبدأ مطلق» في الاسلام. فقد رسمت صور كثيرة لمحمد من جانب فنانين مسلمين، غالبا ما جرى تكليفهم من جانب بعض حكام المسلمين، عبر القرون.

وليس من متسع هنا لتقديم قائمة شاملة ولكن اليكم الأكثر شهرة:

* الصورة المنمنمة من قبل السلطان محمد نور بخارى (توفي عام 1520) ويظهر فيها النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، وهو يركب البراق، في طريقه الى القدس للمعراج.

* الرسم الذي يصور جبريل وهو يرشد النبي محمد صلى الله عليه وسلم الى المدينة، التي اصبحت عاصمة النبي بعد مغادرته مكة (من المحتمل أن يكون الرسم في القرن السادس عشر).

* الرسم المنمنم التيموري الذي يظهر محمد صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، رضي الله عنه، وهما يختبئان في كهف بعد الهروب من مكة، بينما أعداؤهما المكيون يراقبون ولكنهم لا يرونهما.

* صورة محمد صلى الله عليه وسلم ووجهه مغطى بقناع على منبر في المدينة (القرن السادس عشر).

* رسم كمال الدين بهزاد المنمنم الذي يظهر محمد صلى الله عليه وسلم، وهو يتأمل وردة خلقتها قطرة عرق سقطت من وجهه (القرن التاسع عشر).

* الرسم الذي يظهر محمدا صلى الله عليه وسلم وسبعة من أتباعه الأول (القرن الثامن عشر).

* صورة كمال الملك لمحمد صلى الله عليه وسلم، التي يظهر فيها النبي وهو يحمل القرآن في يد، بينما يشير بإصبع اليد الأخرى الى وحدانية الله (القرن التاسع عشر).

ويمكن مشاهدة بعض هذه الأعمال في متاحف داخل العالم الاسلامي، بما فيها متحف «توب قابي» في اسطنبول، ومتحف الفن الاسلامي في القاهرة، حيث توجد لوحة رسمها اثير الدين سمرقندي للرسول صلى الله عليه وسلم في غار حراء يصحبه ابو بكر الصديق، وفي الخارج تقف مجموعة من المشركين، ولا تراه، وفي مدينة بخارى وسمرقند ومتحف هارون ولاة في ضواحي مدينة اصفهان الإيرانية كذلك. ويمكن لزوار بعض المتاحف الأخرى، وبعضها في أوروبا، مشاهدة ممنمات ورسومات على الكتب يظهر محمد صلى الله عليه وسلم، يرتدي في بعض منها البرقع المكي أو النقاب المدني. وكان العديد من النحاتين الايرانيين والعرب قد نحتوا تماثيل نصفية للرسول صلى الله عليه وسلم. ويمكن مشاهدة واحد من هذه التماثيل في مقر المحكمة العليا الاميركية في العاصمة الاميركية، حيث يظهر الرسول صلى الله عليه وسلم، ضمن ثلاثة يطلق عليهم اصحاب الشرائع، أي الذين قدموا تشريعات للبشرية.

والحقيقة هي ان الاسلام يملك دائما ذلك الاحساس بالمرح، ولم يدع مطلقا الى «قطع الرؤوس» كرد على المهرجين والساخرين. لقد عفا الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن شاعر مكي شهير سخر منه في عدة قصائد لأكثر من عقد من الزمن. والأدب العربي والفارسي، باعتبارهما الادبين العظيمين للاسلام، بهما العديد من النماذج والامثلة على «الضحك على الدين».

ومرة أخرى، فإن تقديم قائمة كاملة ليس من الممكن. ولكن هؤلاء الذين لديهم معرفة بالادب الاسلامي، يعرفون رواية عبيد زكاني «القط والفأر»، التي لا يوجد بها ما ينافس رابيلاس عندما يتعلق الامر بالسخرية من الدين. ثم هناك قصيدة سعدي بالنيابة عن ابليس يسخر فيها من «المؤمنين المتشددين». ومن الخطأ بالنسبة للغرب ان يتعرض للخداع من قبل الجماعات السياسية المتخفية كممثلة للاسلام كدين. إن الاخلاقيات الاسلامية تعتمد على «القيود والتناسب» التي تعني ان الرد على كاريكاتير مهين هو كاريكاتير آخر، وليس حرق السفارات او اختطاف اشخاص باعتبارهم اعداء. ان الاسلام يرفض أخذ الكل بجريرة البعض. وكما يجب على المسلمين عدم ادانة كل الغربيين للذوق السيئ لرسام الكاريكاتير، الذي اراده ان يكون مهينا، فإن هؤلاء الذين هالهم مشاهد الغوغاء، وهم يحرقون السفارات باسم الاسلام يجب الا يدينوا كل المسلمين لما يعتبر انفجارا للطاقة الفاشية.