تحالف الحضارات أحد الخيارات المثلى لمعالجة الانعكاسات السلبية للعولمة

في إعلان تونس من أجل التحالف بين الحضارات

TT

كانت الندوة الدولية حول: «الحضارات والثقافات الانسانية: من الحوار الى التحالف» التي عقدتها المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة (ايسيسكو)، اخيرا بالتعاون مع وزارة الثقافة والمحافظة على التراث التونسية، وتحت رعاية زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية التونسية، في تونس العاصمة، ناجحة للغاية؛ فقد وافق المشاركون فيها، وهم نخبة من المفكرين والعلماء والاكاديميين والباحثين والاعلاميين، على مجموعة من المبادئ والتوصيات والتعهدات، التي تعبر عن نقلة نوعية للحوار والتحالف بين الحضارات والثقافات، والتي تفتح آفاقا جديدة للتعاون الدولي في هذا المجال الحيوي. فاستنادا الى قرار الجمعية العامة للامم المتحدة (نوفمبر 1998) بجعل عام 2001 سنة الأمم المتحدة للحوار بين الحضارات، والى قرار مؤتمر القمة الاسلامي في دورته العاشرة (ماليزيا، اكتوبر 2003) بشأن الاعلان العالمي للحوار بين الحضارات، واسهام العالم الاسلامي في الانشطة الدولة حول الحوار بين الحضارات. واستلهاما لروح الحضارة الاسلامية المبنية على قيم الحوار والتسامح والاخوة الانسانية، وتأكيدا للرؤية الاسلامية الصحيحة لمقاصد التفاعل والتعايش والحوار والتحالف بين مختلف الاديان والحضارات.

وإذ يشعر المشاركون بمسؤوليتم وبالواجب تجاه الانسانية في حاضرها ومستقبلها التي تهددها مخاطر شديدة بسبب الابتعاد عن القيم الحضارية والانسانية الكفيلة بتعميق التفاهم بين الشعوب والامم وتعزيز التعايش بينها، واذ يؤكدون على ضرورة استمرار العمل لتحقيق اهداف السنة الدولية للحوار بين الحضارات، وتكثيف جهود المجتمع الدولي من اجل اشاعة قيم الحوار والسلام والتفاهم، بعيدا عن كل مظاهر الغلو والتطرف والارهاب التي لم تسلم منها اي حضارة او ديانة على مر العصور، والتي تعد حالات شاذة لا يقاس عليها، فإنهم يتفقون على اصدار الاعلان التالي الذين يؤكدون فيه ما يلي:

ـ الحوار بين الحضارات هو تعبير عن ابرز قيم الحضارة الاسلامية وسمات الشخصية الاسلامية المتوازنة، وهو ضرورة حتمية وواجب اخلاقي وانساني، وشرط مؤكد للتعاون الايجابي والمثمر للتعايش السلمي والايمان بالقيم المشتركة الثابتة بين البشر، يتطلب فضلا عن التكافؤ بين الارادات والتوفر على النوايا الحسنة، الاحترام المتبادل والالتزام بالاهداف التي تعزز القيم والمبادئ الانسانية التي هي القاسم المشترك بين جميع الحضارات والثقافات.

ـ رسالة الاسلام عالمية موجهة لجميع الشعوب، وهي تعترف بجميع الديانات السماوية وتحترمها وتعترف بالانبياء والرسل كافة، والحضارة الاسلامية جزء من الحضارة الانسانية، تقوم على الوسطية والاعتدال والتعايش السلمي، والايمان بالقيم المشتركة الثابتة، والتعاون والتفاهم المتبادل بين الحضارات، والتحاور البناء مع الديانات والثقافات.

ـ الاقرار بغنى جميع الحضارات واحترامها، والتعبير عن القلق ازاء استمرار الحملات المعادية والمغرضة ضد الاسلام وحضارته وثقافته وشعوبه، والتي تزداد ضراوة بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي اصبح يطغى عليها طابع التحيز والتحامل والتطاول في بعض الاحيان، على المقدسات الاسلامية والقرآن الكريم وشخص رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام.

ـ ان الصدامات والصراعات تسبب المآسي على مستوى الافراد والشعوب، وتزرع الكراهية والنفور فيما بين البشر، وان البديل الامثل للوقاية منها هو الحوار والتفاهم والتعايش السلمي واحترام حقوق الآخرين ومراعاة خصوصياتهم، مع الاستفادة من التنوع الذي يمثله تعدد الديانات والثقافات والحضارات لبناء مجتمع انساني متفاعل ومتكامل.

ـ الاعتراف بكونية الحق في الحياة الحرة والكريمة وفي التنمية، وبأن مجابهة الفقر والتهميش والظلم والعنف والتطرف والارهاب والتعامل المزدوج والنظريات الاستعلائية، مسؤولية اخلاقية مشتركة للانسانية جمعاء تستوجب اتخاذ تدابير عادلة ووضع استراتيجيات ملائمة من اجل ايجاد محيط يسمح ببناء علاقات انسانية متوازنة. وتشكل مبادرة تونس لانشاء صندوق عالمي للتضامن لمجابهة الفقر والتنمية البشرية، نموذجا ملائما لتعزيز الحوار والتحالف بين الحضارات في اطار التكافل والتضامن بعيدا عن شتى اشكال العنف والتطرف والشعور بالغبن والاقصاء.

ـ تحالف الحضارات مبدأ من مبادئ القانون الدولي واساس من الاسس التي تقوم عليها العلاقات الدولية، وهو يساهم بدرجة كبيرة في التقارب بين الشعوب والامم، وفي ازالة الحواجز المتراكمة من سوء الفهم المتبادل، ويمثل احد الخيارات المثلى لمعالجة الانعكاسات السلبية لظاهرة العولمة وتنشيط التعاون والتضامن بين الشعوب ونبذ كل اشكال المفاضلة والثنائيات التي تؤدي الى صدام الحضارات، وهو اختيار العقلاء وسبيل يسلكه الحكماء ومسؤولية انسانية مشتركة يتحملها بصورة خاصة، صانعو القرار بمختلف درجات المسؤولية، والنخب الفكرية والثقافية والاعلامية في العالم كله، من اجل المشاركة الجماعية في بناء السلام في الحاضر والمستقبل.

ـ تحالف الحضارات المنشود هو الذي يقوم على القيم الانسانية المشتركة ومبادئ الحق والعدل والاحترام المتبادل والملتزم بقواعد القانون الدولي وحقوق الانسان والتسامح والمواطنة والديمقراطية، ويفتح المجال واسعا امام تفاهم الشعوب والجماعات، ويؤدي الى تقارب الحضارات وتلاقحها، وينطلق من نقاط الالتقاء بدل اوجه الاختلاف، في اطار الالتزام بالموضوعية والحياد عند تناول الآخر من النواحي كافة، والابتعاد المطلق عن تغيير الحقائق على نحو يشوه صورة الآخرين او يسيء اليهم.

ـ الارهاب ظاهرة عدوانية عالمية لا جنسية لها ولا ديانة، ولا وطن، عانت منه البشرية عبر تاريخها، ولم ينج من لوثته وويلاته اهل ثقافة من الثقافات، او اتباع ديانة من الديانات، يتعين تحالف الجهود من اجل محاربته بكل صوره واشكاله واساليبه واقتلاع جذوره وتجفيف منابعه ومصادر تمويله، ومتابعة المنفذين له والمخططين لجرائمه، والداعين اليه، وضرورة التمييز بين الارهاب وبين الحق في مقاومة العدوان والاحتلال الأجنبي وفي الدفاع عن النفس.

ـ التمسك بخيار السلام العادل والشامل والدائم في مختلف المناطق التي تعرف توترات في العالم، وبخاصة في منطقة الشرق الاوسط، وتجديد الدعم للقضية الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني المشروع من اجل اقامة دولته المستقلة على ارضه وعاصمتها القدس الشريف.

ـ تضافر جهود الحكومات والمنظمات الدولية والاقليمية والاهلية، وبخاصة منظمتي الايسيسكو واليونسكو، لتعزيز آليات التواصل والتفاعل والتحالف بين الحضارات والصراع، وذلك من خلال شراكات ومبادرات ومشاريع ملموسة على ارض الواقع، وتوسيع دائرة الحوار حتى لا يقتصر على القنوات الرسمية، واشراك المجتمع المدني والجمهور الواسع في هذه الجهود.

ـ الاستفادة على نحو ملائم، من الاتفاقيات الثنائية ومتعددة الاطراف، ومن الشبكات والمبادرات التعليمية والكراسي الجامعية، وتشجيع سن تشريعات وطنية ووضع معايير وآليات دولية للحد من تشويه صورة الآخر في وسائل الاعلام، وبخاصة في المقررات والمناهج الدراسية، وانشاء مراصد لرصد الصور النمطية لمظاهر الاجحاف والمغالطات والمفاهيم الخاطئة عن مختلف الديانات والحضارات والثقافات والقيام بالتدابير اللازمة لتصحيحها.

وقد اشاد المشاركين باختيار تونس مكانا لعقد هذه الندوة، نظرا الى ما يتميز به هذا البلد العربي الافريقي المسلم من غنى حضاري، وما يقوم به من جهود متواصلة لتعزيز قيم الحوار والتحالف بين الحضارات، ودعم للامن والسلم الدوليين، وعبروا عن اعتزازهم بحصول الرئيس التونسي زين العابدين بن علي على درع الايسيسكو الذهبي في مجال تعزيز الحوار بين الحضارات.