علماء وباحثون يستقرأون عطاء ابن تيمية العلمي ومنهجه الإصلاحي

TT

على مدى يومين عقدت في جامعة مؤتة بمحافظة الكرك ندوة فكرية تناولت العطاء العلمي والمنهج الاصلاحي للمفكر الاسلامي ابن تيمية (661 ـ 728هـ) وهي الندوة الاولى التي تعقد بالاردن وقد شارك فيها عدد كبير من الباحثين والعلماء والمتخصصين بشؤون الفكر الاسلامي ومن دول اسلامية عدة.

وأكد الدكتور انور الزعبي من الاردن في ورقته «مبحث المعرفة والمنهج في فكر ابن تيمية» ان ابن تيمية درس المنطق دراسة مستفيضة لا بهدف تخطئته او نقضه جملة وتفصيلا كما هو شائع وانما بهدف بيان عوار بعض الاحكام التي تطلق عليه وعوار بعض مدخلاته ومخرجاته وآلياته. ووجد زكي الميلاد من المملكة العربية السعودية ان ظهور ابن تيمية وتطور حركته الفكرية والاحتجاجية ساهم بدرجة كبيرة في الحد من تطور وتأثير حركة الغزالي الفكرية وحجب عنها نسبيا ديناميتها في الامتداد والتقادم الزمني والفكري وذلك نتيجة التمايز والتعارض بين منظومات الافكار بينهما وتركيز ابن تيمية على نقد ومواجهة الافكار والاتجاهات الاساسية التي انتهى اليها الغزالي الى جانب عوامل تاريخية وسياسية اظهرت الفروقات والتباينات بين حركتيهما.

ويعتقد عبد المجيد النجار في ورقته «منهج ابن تيمية في تقدير الافعال بين العقل والنقل» ان ابن تيمية مثلما عرض لوجهة التيار العقلي في تقدير افعال الانسان منسوبة الى اصحابها ثم نقدها عرض ايضا لوجهة نظر النقليين ونقدها مستبقيا من الوجهتين بعض ما رآه حقا منهما ومفندا ما رآه ضعيفا من الآراء بادلة نقلية وعقلية، عامدا في كل ذلك الى المقارنة بين الوجهتين مقارنة تظهر ما مالت به كل منهما الى الشطط من الافكار لينتهي من ذلك كله الى شرح رأيه في القضية كما رآه رأيا وسطا يتلافى التطرف الذي اظهرته المقارنة بين الوجهتين ويتلافى بالتالي ما يفضي اليه ذلك التطرف من المساوئ في التصور والسلوك.

ومن ناحيته وجد الدكتور محمد عواد في ورقته «الاصالة المنطقية عند ابن تيمية» ان ابن تيمية رفض النزعة الواقعية في المنطق الارسطي كونها جعلت المفهومات التي يخترعها العقل الانساني كيانات واقعية توضع وراء الوجود الطبيعي بما هي علل له ولم ينجح ارسطو في التخلص منها اذ بقي الكلي محايثا وترتب على هذا الامر صيرورة المنطقي وجوديا والزعم بان العلم تصورا وتصديقا يفيد التماهي بين المعرفي والوجودي تسليما بان للعقل القدرة المطلقة على بلوغ هذه المطابقة التي يزول معها كل تفاضل بينهما فيرتد الوجودي الى المنطقي.

وفي معرض حديثه عن منهج البحث عند شيخ الاسلام، قال الدكتور محمد بن احمد الصالح ان ابن تيمية اعتمد في منهجه اساسا على كتاب الله وما صح عنده من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم على آراء الصحابة على انه لم يهمل العقل اعتمادا منه على النقل وانما اعمل العقل ايضا ولكن في حدود وشروط ولعل عبارته موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول توجز اتجاهه الفكري الذي يقوم على العمل وعلى التوفيق وايجاد وحدة تقوم على تآلف العقل والنقل.

في موضوع الابعاد الفلسفية لفكر ابن تيمية يذهب ابو يعرب المرزوقي من تونس الى ان شيخ الاسلام يعتبر الفلاسفة قد وقعوا في خطأ مضاعف فهم لم يفهموا معنى التحليل لظنهم انه يبقى تحليلا محضا عندما ينطبق على موضوع تجريبي معين ظنا منهم ان المقدرات الذهنية مطابقة بالطبع للموجودات الحقيقية لقولهم الضمني بالتطابق بين قوانين المنطق الذي هو لغة صناعية وقوانين الموضوع التي لا نعلمها مسبقا والتي من وظيفة العلم تجريب نظريات عدة للتعبير عنها تعبيرا هو الى التأويل اقرب منه الى التحليل.

وكتب الدكتور محمد الغرايبة عن «الفكر السياسي عند ابن تيمية» وبين في دراسته رأي شيخ الاسلام في حكم نصب خليفة المسلمين وان الخليفة هو خليفة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وليس عن الله وتظهر الشروط التي اشترطها ابن تيمية في الخليفة والواجبات التي تجب عليه وعلى الرعية وتكشف عن رأيه في عدم جواز الخروج على الحاكم الجائر وعن تقسيمه الخلافة الى خلافة نبوة وخلافة ملك كما تكشف عن انتقاده للتفريق بين السياسة والشرع وكذلك عن موقفه من خلافة الفاطميين وحكام عصره.

ويدرس الدكتور محمد العمايدة الفقه الاقتصادي عند شيخ الاسلام من حيث طبيعة المشكلة الاقتصادية كما عالجها ابن تيمية وضوابط الاستهلاك وواقع حال الملكية وطبيعة العمل والعلاقات فيه ثم ضوابط التبادل التجاري والعقود والتسعيرة والسوق والحسبة والمصارف.

وفي دراسته نماذج من جهود ابن تيمية في التصحيح يعتقد الدكتور راشد الشهوان ان جهود ابن تيمية وانجازاته العلمية واصلاحاته العملية تشهد على تميزه واطلاعه الواسع وملكته الراسخة في العلم ونظرته الناقدة لعلوم عصره وان مطلعاتنا لمؤلفاته في الفقه واصوله تكشف لنا عن آراء رائدة تفتح ابوابا جديدة الى فهم اسرار الشريعة وادراك مقاصدها.

وعن «نظرية المعرفة عند شيخ الاسلام» ذهب عباس امير معازر الى ان الاس المعرفي الذي تنبني عليه نظرية المعرفة عند ابن تيمية هو ايمانه بتلازم الاطراف الثلاثة اي الله تعالى والكون والانسان.

ويذهب الدكتور محمد الزغلول في ورقته عن «جوانب من الاصلاح الفكري والعقدي عند ابن تيمية» الى ان الشيخ اكد تهافت ادلة المنجمين في نسبة علمهم الى الانبياء ويسوق امثلة من التاريخ الاسلامي في ما نسب الى بعض الائمة وكذب عليهم.

في هذا السياق الجدالي تحدث محمد وسام خضر عن «الخصومة العلمية.. ابن تيمية انموذجا». ورأى ان شيخ الاسلام سلك مسلكا فريدا ظهر بوضوح في كتبه وردوده وهو تأكيد على مسألة العذر بالجهل والتأول وغيرهما مما يعذر به فلا يكاد يناقش مسألة اختلف فيها العلماء واثير حولها النزاع وكثر التفكير او التفسيق او التبديع بسببها الا ويركز على قضية العذر وينبه على ان هناك فرقا بين كفر النوع وكفر الشخص والكلي والجزئي والتجريد والتشخيص والمعنى والذات.

ولم يغفل العلماء المجتمعون في رحاب هذه الندوة دراسة رحال ابن تيمية الى المسجد الاقصى وهذا ما بحثه ابراهيم مهنا اذ استعرض ما كتبه ابن تيمية في زيارة بيت المقدس وطبيعة العبادات فيه والاشارة الى فتاوى الشيخ في المجاورة ونذر السفر والاقامة وتقديس البلدان والمرابطة بالثغور كذلك الاشارة الى افتراءات بعض اليهود على ابن تيمية.

يذكر ان هذه الندوة اضافت جديدا الى ما تم بحثه والكتابة فيه حول حياة وفكر ابن تيمية وما الدراسات التي ساهمت فيها إلا تأكيد من المعهد العالمي للفكر الاسلامي وجامعة مؤتة في محافظة الكرك بالاردن على اهتمامهما كمؤسستين علميتين باعلام الفكر الاسلامي والكشف عن الاصالة لديهم.