العلماء في السعودية يختلفون حول صلاة المسلم في الكنيسة ويعتبرون جوازها بشروط

TT

جاءت ردود الفعل تجاه الصلاة في الكنيسة من الناحية الشرعية بالنسبة للمسلم أو الصلاة على الميت النصراني وكذا تعزيته متفاوتة من قبل أهل العلم في السعودية حيث حرم البعض منهم الصلاة فيها بتاتاً وآخرون أجازوا ذلك بشروط. وحول ذلك تحدث في البداية الشيخ عبد اللّه البسام عضو هيئة كبار العلماء في السعودية قائلاً: إن الصلاة في الكنيسة لا تجوز وذلك لأنها تحتوي على صلبان وصور يضعها النصارى فيها. وأوضح أن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه عندما صلى بجوار الكنيسة كان من باب التأليف للنصارى الذين دخلوا الإسلام. وأبان أنه لا يجوز الصلاة على النصارى من قبل أصدقائهم المسلمين والدعاء لهم لأنهم ماتوا على الكفر.

ومن جانبه أكد الشيخ إبراهيم بن صالح الخضيري القاضي بالمحكمة الكبرى أن الصلاة في الكنيسة من حيث الأصل جائزة شرعاً شريطة أن لا تكون داخلها صلبان وصور ولكن عند الاستغناء عنها يكره ذلك، لأن عمر رضي اللّه عنه لما دعاه أحد المسلمين الذي كان على دين النصرانية للصلاة في الكنيسة قال له: إنك أمرؤ فيك نصرانية وخرج عنها وصلى في موقع يسمى الآن مسجد عمر، فالصلاة في الكنيسة جائزة لقوله صلى اللّه عليه وسلم: «وجعلت لي كل أرض طيبة مسجداً وطهوراً».

وقال الخضيري: على هذا يجوز الصلاة في الكنيسة عندما لا يجد المسلم مكاناً غيرها أما إذا وجد مسجداً وتركه وصلى في الكنيسة فهذا قد يصل الى التحريم لأن هذه الصلاة يترتب عليها الاستخفاف بالمسجد واحتقاره وإهانته وهذا لا يجوز لأن اللّه يقول سبحانه وتعالى «وأن المساجد للّه» ولقوله تعالى «في بيوت أذن اللّه أن ترفع»، ورفع المساجد وعمارتها وقال تعالى: «إنما يعمر مساجد اللّه من آمن باللّه واليوم الآخر». وعلى هذا فالمساجد خير البقاع وأفضلها وأكملها لكن إذا لم توجد فلا بأس بالصلاة في الكنيسة.

وأما الصلاة على النصراني من قبل مسلم، فيقول الخضيري إنها لا تجوز أبداً لا فردية ولا جماعية سواء مسلمين مع نصارى أو مسلمين لوحدهم لقوله تعالى «ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره» ولان النصراني إذا مات على نصرانيته فهو كافر لا تجوز الصلاة عليه بحال من الأحوال وأما التعزية في الصديق النصراني فلا حرج فيها إذا كانت هذه التعزية يترتب عليها نفع للمسلمين بوجه من الوجوه. وبالنسبة للاقليات المسلمة عليهم أن يوجدوا لهم مساجد ولو اشتروا كنيسة ثم جعلوها مسجداً فلا حرج في ذلك المهم ان يحولوا الكنيسة إلى مسجد كما أنه لا يجوز للمسلمين أن يتعرضوا للكنائس التي وجدت أصلاً بهدم ولا إضرار وبينهم وبين النصارى عهود ومواثيق قال اللّه تعالى: «ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم اللّه كثيراً».

وفي هذا الصدد قال الشيخ خالد بن عبد الرحمن الشايع الداعية الإسلامي: بادئ ذي بدء فان اللّه جلّ وعلا قد اختص نبينا محمد صلى اللّه عليه وسلم بخصائص عديدة وفضله على من سبقه من الأنبياء ومن ذلك أن اللّه سبحانه جعل شريعته شريعة سمحة ومن سماحتها ما جاء في قوله صلى اللّه عليه وسلم: «وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»، وقوله صلى اللّه عليه وسلم «حيثما أدركتك الصلاة فصل». وأوضح أن مسألة الصلاة في الكنيسة اختلف فيها العلماء على ثلاثة أقوال:

1 ـ المنع مطلقاً.

2 ـ الإذن والجواز مطلقاً.

3 ـ التفصيل في ذلك بحيث انها إذا خلت من الصور جازت الصلاة فيها وإلا فلا قال: الإمام البخاري رحمه اللّه في باب الصلاة في معبد البيعة «هي معبد النصارى». وقال عمر رضي اللّه عنه: «إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التي فيها الصور».. وكان ابن عباس رضي اللّه عنهما يصلي في البيعة إلا بيعة فيها تماثيل.. ثم أسند البخاري رحمه اللّه عن عائشة أن أم سلمة ذكرت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كنيسة كانت رأتها بأرض الحبشة يقال لها مارية فذكرت له ما رأته فيها من الصور فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور. أولئك شرار الخلق عند اللّه». قال ابن حجر العسقلاني في شرحه لقوله عليه الصلاة والسلام: بنوا على قبره مسجداً، فيه إشارة إلى نهي المسلم عن أن يصلي في الكنيسة فيتخذها بصلاته مسجداً.

وأكد الشيخ الشايع أن هناك خلافا بين العلماء حول ذلك وقد صحح شيخ الإسلام ابن تيمية القول بالجواز إذا خلت الكنيسة من التصاوير. وفي ضوء ما تقدم إيراده من نصوص وأقوال، فالذي يظهر والعلم عند اللّه، أن الكنيسة إذا خلت من الصور صحت الصلاة فيها، ولكن يلاحظ في ذلك أمور:

1 ـ أن لا يكون ذلك عادة للمسلم، وإنما يكون أمراً عارضاً احتاج إليه، وهذا يقع لبعض المسلمين الذين يكونون في بلاد نصرانية، وتحضرهم الصلاة ولا يجدون مكاناً يتمكنون من أدائها فيه إلا الكنيسة، ولو قيل بالجواز مطلقاً فإن ذلك يصدق عليه اتخاذ الكنيسة مسجداً لكثرة الصلاة فيها، ولهذا لم يسغ الإطلاق في الإباحة، وبعض العلماء يعد الكنيسة بمنزلة المسجد المبني على القبر.

2 ـ أن يلاحظ المصلي الذي اضطر للصلاة في الكنيسة الاعتبارات الأخرى وما قد يكون في صلاته في الكنيسة من الذرائع إلى مفاسد أخرى، كأن يُظن منه الموافقة للنصارى أو الميل إليهم أو مشاركتهم في شيء من طقوسهم، ونحو ذلك، فإذا كان شيء من هذا، فإن المسلم يُنهي عن الصلاة في الكنيسة ولو كانت طاهرة نظيفة خالية من الصور، وذلك سداً لهذه الذرائع التي تؤول إلى مفاسد متنوعة.

3 ـ ينبه في هذا المقام إلى أنه لا يجوز للمسلم أن يدخل الكنائس بقصد مسايرة أو مشاركة الكفار في شيء من طقوسهم الخاصة بعبادتهم وأفراحهم وأتراحهم وتأبينهم لموتاهم أو تعميدهم لمواليدهم وأطفالهم، فإن تلك المشاهد مما يبغضه اللّه ورسوله، فالكنائس بيوت يُكفر فيها باللّه سبحانه، ومن حضرها لم يرجع منها سالماً في دينه، قال اللّه تعالى في وصف عباده المؤمنين: «والذين لا يشهدون الزور». وطقوس الكفار في كنائسهم من أعظم الزور. بل وحتى لو كانت تلك الطقوس في غير الكنيسة فإن شهودها والتوجه إليها لا يجوز.