الجهل والتفريط في الحقوق والخلاف على النفقات والتدخل الخارجي من أسباب المشكلات الزوجية

TT

أوضح الشرع المطهر ما للزوج من الحقوق على زوجته وما عليه من الواجبات لها، كذلك ابان ما للزوجة وما عليها «ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف» كل ذلك قطعاً لدابر المشكلات التي قد تعصف في البيوت وتكدر صفو الحياة الزوجية وتقضي على استقرار الأسرة وتماسكها.

ونحن ومن خلال هذه اللقاءات مع عدد من المشايخ والمفكرين نلقي الضوء على جانب من أسباب المشكلات الزوجية وكيف يمكن علاجها:

الدكتور صالح بن عبد الله اللحيدان الأستاذ في المعهد العالي للقضاء قسم الفقه المقارن يقول: هناك أسباب كثيرة مؤدية للخلافات الزوجية وهي أسباب متشعبة ومتباينة الأسباب والمنشأ.

ولعلي أجمل في ما يلي بعض هذه الأسباب وشيئا من علاجها حسب ما يعن على الخاطر، وسأقسم هذه المشكلات إلى عدة أجناس كل منها ينظم تحته عدة أنواع:

الجنس الأول: مشكلات مالية، ويدخل تحته الأنواع التالية:

ـ الخلاف على الراتب الذي تتقاضاه الزوجة. وهو أحد مفرزات عمل المرأة غير المنضبط، حيث تجد عند كل من الطرفين مشاحنة في ذلك، فالرجل يرى أن من حقه الأخذ من الراتب بناء على أن عملها يستدعي تنازله عن بعض حقوقه، وهي لا ترى ذلك انطلاقاً من أنه مالها وأنه لا سلطة للزوج على مال زوجته. وربما أحياناً دفع دخلها الزوج إلى التفريط في واجباته في الإنفاق على البيت اتكاءً على ما تتقاضاه من الراتب فيحصل بذلك مشكلات على المدى البعيد.

وعلاج هذا في نظري: أن لا تعمل المرأة خارج البيت إلا بحدود الحاجة، أعني حاجة المجتمع وحاجتها المالية. وإذا عملت يكون بين الزوجين اتفاق سابق على ما يتعلق بالراتب والإنفاق. ثم التوعية من وسائل الإعلام لضبط هذا الأمر، وجعله مبنياً على التسامح والتنازل.

ـ الخلاف على النفقات حيث يخل بعض الأزواج بمسؤوليته تجاه هذا الأمر فلا ينفق بالكلية أو ينفق بشح وبخل متناسياً أن هذا أحد حقوق الزوجة والأولاد. وأنه أحد سببي القوامة: «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم».

وعلاجه: بالتوعية الشاملة من وسائل الإعلام وخطباء الجمع وغيرهم بفرضية هذا الأمر وكونه حقاً لا منّة للرجل فيه، ثم بالتشديد في هذا الجانب من قبل جهات القضاء والتنفيذ ومعاقبة من يفرط فيه دون عذر. مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته ومن ذلك تسهيل إجراءات المطالبة بالنفقة وسرعة البت فيها وهو ما تفيده الأنظمة القضائية بفضل الله. ـ الخلاف بسبب المصروفات، وذلك بكون الزوجة مبذرة في تدبير مصاريف البيت. وهذا ناشئ عن خلل في التربية في هذا الجانب.

وعلاجه: هو علاج سابقه من حيث التوعية والتوجيه ثم تدخل الأطراف المؤثرة من والدي الزوجة أو غيرهم ممن يكون لنصحه أثر فاعل فيها.

ـ تفاوت الطبقة المادية بين الزوجين، حيث يتزوج الفقير امرأة تربت في مجتمع مترف مما تظهر آثاره بعد ذلك كعدم قدرته على مجاراة ما اعتادت عليه.

وعلاجه: بالاختيار المناسب قبل الزواج إذ يصلح لكل جنس جنسه وتوجيه الشاب المقبل على الزواج إلى أهمية ذلك حيث تنقصه غالباً الخبرة وتعترية آفة العجلة. أما علاجه بعد الزواج بأن توضع حلول وسط يرضى بها الطرفان ويتنازل كل منهما عن بعض حقه في ذلك جلباً لمصلحة أكبر وهي الوفاق بينهما. وربما كان مرجع ذلك إلى عدم القناعة من الزوجة وحينئذ فعلاجها ما أرشد إليه النبي، في قوله: انظرا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم.

الجنس الثاني: مشكلات عائدة إلى الثقافات الوافدة: ويدخل تحت هذا الجنس آثار التلقي للأفكار والمثل والعادات والقدوات من مجتمعات لا تتوافق مع مجتمعنا المسلم الملتزم بموجب الأحكام الشرعية والآداب المرعية سواء كان مصدرها مما تبثه وسائل الإعلام المختلفة من قنوات فضائية وصحافة خارجية وداخلية وتلفاز وإذاعات، أو كان مصدرها الاختلاط بالكفار من خدم وسائقين وغيرهم، أو كان عن طريق السفر إليهم ومخالطتهم في ديارهم.

ولهذه العوامل تأثير كبير في انحراف أفكار الأزواج من الجنسين حيث تهتز لديهم الثوابت الشرعية في العلاقات الزوجية وعلاقة الأب والأم بالأولاد من حيث حق القوامة وحق الطاعة وحدودها وحدود التربية وحدود الحرية الشخصية وحكم تعديد الزوجات وحق الطلاق وموجباته.. الخ.

وعلاج هذا أكبر من أن تحيط به كلمة موجزة، لكنه بالنظر في مصادر التلقي والتوجيه وتكثيف الجانب الشرعي فيها، ثم بتنمية روح الاعتزاز في أفراد المجتمع بدينهم وقيمهم وتقاليد مجتمعهم التي لا تعارض الدين والعقل والقضاء على الانهزامية النفسية التي تجعلهم يتلقون هذه الثقافات الوافدة التي أخذ المبهور المسلم بكل ما فيها من منطلق الدونية والتبعية.

ـ الجنس الثالث: مشكلات تعود إلى التدخل الخارجي في أسرار البيت ومشكلاته: حيث ينبري أهل الزوج أو الزوجة لتنصيب أنفسهم أوصياء على هذا البيت متدخلين في كل صغيرة وكبيرة فيه، حتى يؤول البيت أحياناً إلى حلبة صراع لآراء الطرفين (أهل الزوج وأهل الزوجة) والضحية في النهاية الزوجان حيث تتفاقم مشاكلهما وتتسع بقدر اتساع التدخل الخارجي. ولا يعني هذا منع التدخل نهائياً بل هو ضروري أحياناً للاستفادة من خبرات الكبار ولكن يجب أن يكون هذا بشكل مدروس وبحدود ضيقة.

وهنا أنبه إلى أهمية تنبيه كل من الزوج والزوجة إلى حفظ أسرار البيت وعدم إفشائها إلا باتفاقهما جميعاً لمصلحة يريانها والتشديد في ذلك.

ـ الجنس الرابع: مشكلات تتعلق بغلبة الروتينية على حياة الزوجين وعلاقة كل منهما بالآخر وعدم التجديد في ذلك وبث روح التطور في العلاقة، وهذا يؤدي إلى الملل من الطرفين فتتبعه النفرة ثم المشاكل بل هذا يؤدي إلى تكبير كل مشكلة ولو كانت صغيرة في الأصل.

ـ الجنس الخامس: مشكلات عائدة إلى التفريط في الحقوق، وهي على أنواع:

ـ تفريط الزوج وتقصيره في الإنفاق أو في القسم بين الزوجات أو في العناية بالزوجة حيث يهمل الزوج زوجته أحياناً بالسهر الدائم خارج المنزل أو غير ذلك متناسياً حث النبي، على الوصاية خيراً بالنساء.

ـ تفريط الزوجة في خدمة البيت والقيام بأعماله، وربما في حسن التبعل لزوجها وعدم رعاية حقه في ذلك متناسية منزلة ذلك ورفعة درجاتها به.

ـ تفريط أحد الزوجين أو كل منهما في حق أقارب الآخر من الوالدين أو غيرهما. وعلاج هذا كله في رأيي إنما هو تثقيف الزوجين بالحقوق الواجبة شرعاً وإعلامهما بالنصوص الواردة في ذلك كقوله: «استوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم» الحديث بمعناه ـ وحديث أن الزوج هو جنة الزوجة ونارها وأن قيامها بحقه وإكرامه سبب لدخولها الجنة ونحو هذا مما ينمي المودة بينهما، وكذلك النصوص في صلة الرحم وأثره في مباركة العمر والأثر، ونحو ذلك.

ـ الجنس السادس: عائد إلى الخلل بالقيام بمقتضيات القوامة والمسؤولية: حيث يشيع في بعض البيوت تنازع الصلاحيات بين الزوج والزوجة في معاملة الأولاد أو تسيير العلاقة مع الآخرين. فلا يوجد حد فاصل بين الصلاحيات للطرفين. وهذا يؤدي إلى أحد أمرين: إما تسلط من الزوج على الزوجة وإهمال لها بحيث لا يكون لها في البيت أي قرار أو رأي، أو تدخل من الزوجة في صلاحيات الزوج وكلا الأمرين ذميم. وربما أحياناً يحدث تبادل الأدوار حيث يستنوق الجمل وتترجل المرأة فتتولى القوامة على البيت وتهمش دور الرجل، ربما بسبب توليها الإنفاق وربما لضعف الزوج فقط، وهذا في النهاية سيؤدي إلى مشاكل يصعب حلها، حيث إن الوضع الطبيعي أن يكون قيم البيت هو الرجل، وأنه يقوم بمقتضيات هذه القوامة من الإنفاق والسعي في طلب الرزق، وممارسة هذه القوامة استشعاراً بأنها قوامة تكليف لا تشريف وأنه يتبعها تبعة المسؤولية عن هذه الرعية، والرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته، ومن هذه الرعية الزوجة، فإذا انقلبت الأدوار وصار المرعي راعياً والراعي رعية فلا شك في تصدع هذا البيت.

ولا يمكن علاج هذا إلا بالتركيز عليه في التربية من الصغر للذكور والإناث بحيث يغرس في نفس كل منهما أن له مسؤولية معينة ومهمة مستقلة عن مهمة الجنس الآخر.

ويكون الحال أسوأ حين يتخلى كل الطرفين عن المسؤولية وينشغل عنها بأمور أخرى.

ومن الأسباب المخلة في هذا الجانب اعتقاد بعض الرجال أن هذه القوامة التي منحوا إياها تفضيل مطلق لهم على المرأة، وأنها حق من حقوقهم، وهذا خطأ شنيع. فإن هذه القوامة ليست تفضيلاً بل هي مراعاة لما وهب الله كل جنس حيث فضل الرجل عادة بمزيد من العقل والقوة البدنية والنفسية التي تجعله صالحاً للقيادة والمواجهة وميزت المرأة بمزيد من اللين وثراء العاطفة الذي يجعلها صالحة لمهام الحضانة ورعاية الطفولة، وكلا الجانبين صفة قوة لا يستطيعها الطرف الآخر عادة.

كما أن هذه القوامة من جانب آخر ليست إمارة ولا تشريفاً ولا حقاً من حقوق الرجل يمارسه أو يتركه باختياره، بل هي واجب من واجباته وتكليف يلزمه مراعاته ثم سيكون مسؤولاً عنه أمام الله عز وجل.

فإذا أشيع هذا في الناس علموه حق العلم وزال ما يشاهد أحياناً من الجنف والتعسف في استعمال الصلاحيات.

وفي الختام، أوصي بعدة أمور:

ـ ابداء النصح لكل من الزوج والزوجة قبل الزواج وتوعيتهما من قبل ذويهما بحجم المسؤولية القادمة وبما فيها من مغانم ومغارم على السواء وعدم التركيز على المغانم فقط.

ـ تذكير الزوجين دائماً بما أمر الله تعالى به من المعاشرة بالمعروف والمودة والرحمة بين الزوجين.

ـ عدم التدخل بين الزوجين من أي طرف خارجي إلا بحدود ويرضاها جميعاً.

وبالنسبة للزوجين:

ـ أن يحرصا دائماً على المصارحة في كل ما يريده وما لا يريده كل طرف من الطرف الآخر وأن تكون المناقشة الودودة الصريحة هي طريقهما في حل المشكلات التي تعترضهما.

ـ أن يحفظ كل منهما سر صاحبه وأن يقرن كل مثلبة يراها في صاحبه بحسناته «فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيرا كثيراً» ثم أن يتذكر كل منهما حق الآخر عليه وما بينهما من العشرة التي تولد الحق «ولا تنسوا الفضل بينكم».

ـ أن يتذكرا أن الشيطان أحرص ما يكون على التفريق بينهما كما جاء في أكثر من حديث، وأنه لا يمكن أبداً أن يجد الزوج زوجة كاملة وكذا العكس.

ثم تحدث الشيخ أحمد العماري، الموجه التربوي للعلوم الشرعية في إدارة التعليم بالرياض وإمام وخطيب جامع حي المنار بالرياض، فقال: هناك أسباب كثيرة لحدوث المشاكل بين الزوجين ولعل من أبرز هذه الأسباب ما يلي:

أولاً ـ ضعف الإيمان، فإن ضعف الإيمان يولد خلفه الكثير من المساوئ في الحياة الزوجية وفي غيرها.

ثانياً ـ جهل الزوجين أو أحدهما بالحقوق الواجبة له على الآخر فقد يقسو أحد الزوجين على الآخر من أجل أمر يتصور وجوبه على الآخر وهو نافلة في حقه.

ثالثاً ـ تقصير أحد الزوجين بحق الآخر إما جهلاً بذلك الحق أو تعاليا، ولاشك أن المرء ربما يتغاضى مرة أو مرتين ولكن قد تحدث رواسب تنشأ عنها المشاكل الزوجية.

رابعاً ـ الأنانية الموجودة لدى بعض الأزواج بكل أسف، فإنه لا يفكر إلا في نفسه فتراه يسهر دائماً مع أصدقائه في الاستراحات وغيرها ويترك زوجته بصفة دائمة حبيسة جدران المنزل وعندما تناقشه يثور غضبه ويحملها الملامة ويرى أن ذلك من حقه وأنه حر فيما يصنع عندئذ يحصل العراك وتبدأ المشاكل.

خامساً ـ كون الزوجين أو احدهما لا يفكر في إجهاد الآخر بعد العمل فيطالب بمطالب قد لا يستطيعها في تلك الحال وفي ذلك الوقت، ولو أمهل الآخر حتى ينال حظه من الراحة لتحقق له ما يريد وسلم من المشاكل والضغائن.

سادساً ـ عدم مراعاة بعض الزوجات لظروف أزواجهن وتحميلهم ما لا يطيقون وإيقاعهم في الديون من أجل أشياء كمالية قد يستغنى عنها، فيعيش الزوج في ضيق وحرج ويرى دائماً أنها السبب في ذلك فربما يكرهها ويحاول الإساءة إليها.

ثم تحدث الدكتور إبراهيم بن مبارك الجوير أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، مبيناً أسباب المشكلات الزوجية من منظور اجتماعي فقال: هناك عدة عوامل لها أثرها في وقوع المشكلات الزوجية ولعل من اهمها:

أولاً ـ الصمت بين الزوجين، ولذلك تأثير سلبي على الحياة الزوجية. فيجعل المشكلات تتراكم مهما كانت صغيرة أو يتوهم أن لها وجود وهي ليست موجودة، فلو حصلت مصارحة وحديث ودي بين الزوجين لزالت بعض تلك التصورات والمشكلات.

ثانياً ـ انشغال الأب عن أسرته بلقاءات شللية وجلسات أصدقاء فيغيب عن البيت لفترات طويلة وهذا الغياب يؤثر على الحياة الزوجية كثيراً فالمرأة التي تنتظر زوجها على أحر من الجمر ما ذنبها أن تنتظر كل هذا الانتظار. أين هذا الرجل؟ فكم من المشكلات التي تحصل من الأبناء أو داخل الأسرة نتيجة لهذا الغياب.

ثالثاً ـ السلوك التفاخري والاستهلاكي الذي على اساسه قد تدفع المرأة الرجل بأن يستدين أو يقسط ليظهر بمظهر أكثر من قدرته فتتراكم الديون وتكثر المشكلات الزوجية.

رابعاً ـ القنوات الفضائية التي تعرض أشياء كثيرة فتؤثر هذه الأشياء على قناعات وقيم وثقافة المجتمعات فيحصل هناك نوع من الخيال المدمر للحياة الأسرية خاصة إن هذه القنوات تبث لعناصر مختلفة من حيث المستوى العمري والثقافي ومستوى الوعي والإدراك ومستوى الالتزام.

خامساً ـ التنشئة الاجتماعية التي يربى عليها الفتى أو الفتاة، فبعض الأسر لا يعود الولد فيها على تحمل المسؤولية، يسرح ويمرح فينتقل من حياة العزوبة وكذا الفتاة تخرج من كنف الأسرة ولم تعود إعداد كأس من الشاي فلم تعد تتحمل على الحياة الزوجية فطلباتها مجابة والخدمة تؤدى عنها بالنيابة وهي مشغولة بهمومها: الدراسة والتسوق ونحوهما ولا تدري عن هموم الحياة ومشكلاتها، وبعد الزواج تفاجأ بما في الحياة الزوجية من مسؤولية فقد لا تتأقلم من تلك الحياة.

سادساً ـ الاعتماد الكلي على العمالة الوافدة في المنازل وهذا يؤدي إلى فشل الحياة الزوجية التي لم تهيئ الفتاة أو الفتى إلى هذه النقلة من الحياة الزوجية، فالشاب والشابة عاشا أجواء معينة فإذا انتقل احدهما إلى الحياة الزوجية لم يستطع مواكبة تلك الحياة إذ لم يعود على تحمل المسؤولية فتحصل المشكلات.