تبادل تهم قاسية في أوساط الدعاة.. وحديث عن صراع «العمامة» و«الكرافتة»

بعد إطلاق مؤتمر «النصرة» في البحرين .. رصاصة الرحمة على المقاطعة الدنماركية

TT

رأى مهتمون في الأوساط الاسلامية، أن بيان مؤتمر نصرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الشهير، قد أطلق رصاصة الرحمة على المقاطعة الشعبية للمنتجات الدنماركية. وأن المؤتمر الذي أنهى فعالياته قبل أسبوع في العاصمة البحرينية المنامة، أساء للمسلمين باعلانهم رفع المقاطعة عن شركة «ارلا» الدنماركية.

يقول الاكاديمي والكاتب الاسلامي الدكتور محمد الهرفي لـ«الشرق الأوسط»: «توصية المؤتمر كانت سيئة لسبب بسيط، هو أن المقاطعة في مضمونها كانت رسالة موجهة للحكومة الدنماركية وليست للشركات. فرفع الحظر عن منتجات هذه الشركة سيؤدي الى اضعاف المقاطعة كون منتجاتها تمثل ما يقرب من 60 في المائة من حجم المنتجات الدنماركية في السوق. فاذا قامت شركات أخرى بتقديم اعتذاراتها فان المقاطعة ستنتهي وتزول، ولا يبقى غير الاساءة للرسول الكريم». ويضيف «الاكيد أن الشيخ يوسف القرضاوي وسلمان العودة اساءا لنفسيهما قبل المسلمين بقرارهم ذلك في المؤتمر. فمواقفهم قبل المؤتمر تناقض مواقفهم بعده. وانتقادات القرضاوي الحادة لعمرو خالد وطارق السويدان لعقدهم مؤتمرهم في العاصمة الدنماركية، غير مفهومة، طالما أنهم سيصلون الى ذات النتيجة في مؤتمرهم بالبحرين. ولكن في رأيي قادة مؤتمر البحرين كانوا باحثين عن زعامة وظهور أكثر من أي شيء آخر، ويجب أن نضع في الاعتبار أنها كانت معركة وصراعا على قيادة الجماهير».

غير أن الشيخ السلفي عادل المعاودة نائب رئيس البرلمان البحريني، ومنظم المؤتمر، كان له رد قاس على الاتهام حول البحث عن الزعامة، فقال «هذا ما اعتبره تخريف وكلام بغير علم. فالمؤتمر كان هدفه نصرة النبي الكريم ودينه. اما ما يقوله الكتاب حتى لو كانوا اسلاميين وتشكيكهم في نزاهة المؤتمرين، فأقول لهم أن كلامهم هراء، ولو اخلصوا في عملهم لما شككوا في اخلاص عمل الآخرين. وأصر على أن في نفوسهم مرضا وهم اولى بالاخلاص في عملهم».

ويضيف المعاودة مفنداً البيان «المقاطعة ليست لمجرد الغضب، او اتباعاً لهوى النفس بل سعياً وراء الحق. فاذا كان هناك من الدنماركيين من اعترف بالخطأ يجب أن نحتويه ونقدر له عمله. وبما أن الشركة أعلنت اعتذارها بشكل واضح جداً فمن واجبنا الشرعي تجاههم أن ننصفهم». وزاد «أما فيما يخص عمرو خالد ورفاقه الذين غادروا الى كوبنهاغن فمأخذنا الوحيد عليهم أنهم شدوا الرحال اليها، بدون استجابة من قبل الحكومة الدنماركية، بل أن الحكومة قامت بالرد عليهم بأسلوب غير أخلاقي. أما عمرو خالد وبقية الاخوة فنحن نقدر دورهم وقد دعوناهم للمشاركة في مؤتمر «النصرة» في البحرين. وما حدث من تهويل للآراء تجاه الموضوع فهو بفعل اعلامي فقط».

يذكر أن توصيات مؤتمر «النصرة» أكدت على دور المقاطعة الاقتصادية «لما لها من دور فعال في النصرة»، علماً أنه سبق لمشايخ آخرين مشاركين في المؤتمر طالبوا برفع الحظر عن شركات أخرى في مواقف سابقة، وجاء المؤتمر برفعه الحظر والمقاطعة عن شركة «أرلا» الأخير في الحلقة، وهي الأوسع انتشاراً. فضلاً من أن رئيس المؤتمر الشيخ يوسف القرضاوي كانت له مواقف متصلبة ممن يدعو لوقف المقاطعة. وقال في إحدى خطب الجمعة قبل شهر ونصف الشهر في مسجد عمر بن الخطاب في العاصمة القطرية الدوحة ما نصه «من واجبات الأمة حيال هذا الأمر أن تقوم بمقاطعة بضائع كل من تجرأ على سب الرسول». اضافة الى موقفه الشهير من عمرو خالد الذي وصفه بتهدئة الأمور «وقطع الطريق على الامة لصالح الدنمارك». ويقول الدكتور طارق السويدان الذي كان برفقة الوفد الذي ذهب للتحاور في الدنمارك «يجب أن نقبل اختلاف الاجتهادات، خصوصاً في القضايا التقديرية التي لا تندرج في سياق الحلال والحرام أو الحق والضلال، وانما هي مرتبطة بتحليل الأمور». ويضيف «الدكتور القرضاوي شيخ جليل بالتأكيد، وهو نظر الى ذهابنا على أنه اضعاف لموقف الامة، بينما نحن كنا هناك اصحاب موقف واضح وشديد ولم ندعو لوقف المقاطعة. وفي المجمل أنا اتفق مع توصيات المؤتمر الذي خرج به المؤتمرون وكنت أتمنى التواجد غير أن حجوزات الطيران لم تساعدني».

وزاد السويدان أن «الحنكة» مطلوبة في التعامل مع الموضوع «وأعتقد أن وضع الشركات الدنماركية التي اعتذرت عن الاساءة في صفنا واجب لزعزعة صفوفهم وخلخلتها وهذا هو المطلوب». ولكن بعيداً عن تفاصيل قضية الرسوم الدنماركية والخلاف حولها، يرى حسام تمام الباحث المصري في الحركات الاسلامية أن «ما حدث بين القرضاوي وعمرو خالد يجب أن يقرأ في سياق مختلف عن الموضوع الدنماركي. وفي ظني أن هذا الخلاف يعكس ما وصلت له الظاهرة الدينية، عند جيل يمثله عمرو خالد أراد أن يخرج عن السياق، وجيل القرضاوي الذي يريد أن يبقى مسيطراً على القرارات. ما يعني أنه صراع بين تيار الدعاة الجدد والتيار الديني المستقر في الذهنية الاسلامية».

ويتوسع تمام في الشرح، قائلاً «عمرو خالد يعتمد بشكل أساسي على الوسيط الاعلامي في الوصول للجمهور. مما يستدعي أن يقرأ كشخص في سياق «النجم» الذي يطلق باستمرار مبادرات. ويجب عليه أن يبقى دائماً قادراً على جلب الاهتمام والانتباه ووضع نفسه في قلب الحدث. مما يعني ان ما حدث يجب أن يقرأ في اطار دخول الظاهرة الدينية الى الاعلام، التي هي في الاساس تصنع نجوما وليس دعاة أو مشايخ، وهي قائمة على الخروج من مبادرة للدخول في أخرى، وهو ما يتقنه عمرو خالد».

ويضرب تمام مثالاً على ذلك «قضية الرسوم الكرتونية تزامنت مع كارثة غرق عبارة السلام والتي راح ضحيتها 1100 مصري، وايضاً مع اجتياح انفلونزا الطيور التي أضرت بحوالي 9000 مصري في قطاع الدواجن، ومع ذلك كان عمرو خالد بصفته نجما يسافر لعقد المؤتمرات عن الرسوم الكرتونية المسيئة، فيما هو بعيد تماماً عن اهتمامات رجل الشارع البسيط».

الكاتب السعودي والباحث في الشأن الاسلامي يوسف الديني، كان له أيضاً رؤية مختلفة لطبيعة الصراع القائم حول القضية الدنماركية، وقال «يمكن أن ننفذ من الاختلاف بين تيار القرضاوي وتيار عمرو خالد فيما يخص أزمة الرسوم الدنماركية إلى عمق المسألة خارج إطار هل نقاطع أم نحاور، وخارج أيضاً ما يقال من «غيرة» أصابت الرعيل الأول من تلألؤ نجم الدعاة الجدد بكل ما يتسمون به من لطافة وعصرية وتأثير على شرائح جديدة من «المستهلكين» للخطاب الإسلاموي كدرع واق من شراسة العولمة في كسرها لكل مألوف». ويضيف «هناك صراع بين العمامة والكرافتة (وليس الطربوش كما كان في جيل النهضة) صراع بين جيلين ينتميان لفكرة مسيطرة وهي أسلمة المجتمعات الجاهلية، لكنهم يختلفون في الأدوات والوسائل واللغة، وبالتالي مع الوقت يتشظى الخطاب الواحد إلى خطابين متباينين، وقد يتناقضان نظراً لمرونة إكساب أي فكرة مهما بدت غريبة طابع الشرعية الديني، فالخطاب الديني في النهاية حمال وجوه، الفارق بين الخطابين في جوهره يتمثل في محاولة الإجابة على سؤال صارخ من الفاتنة الأنيقة «العولمة»، هل المهم هو التمسك بما تأسست عليه مشروعية هذه الجماعات من رؤى وأفكار ونظريات كجاهلية المجتمعات وضرورة تديين جوانب الحياة المختلفة وفق آراء فقهية وعقائدية أحادية؟ أم أن المهم هو فقط كسب الأنصار عبر عموميات لا تنكأ عدواً ويمكن أن تحشد إلى مقولاتها فئات عريضة من المجتمع ممن لديهم تحفظاتهم الكثيرة على الشيوخ». والحال أن الصراع بحسب الديني على أشده والأزمات المتتالية توسع الهوة بين الفريقين والمسألة لن تحل بمجرد لقاءات وتصريحات دبلوماسية من الطرفين لمحاولة الاحتفاظ بالمكانة أو الخوف من الوصمة بالمروق عن «الحق». وبين صراع الطرفين يظل هناك جمهور محتشد ما أن يميل رقبته الى اليمين حتى يعود ليميلها الى اليسار حائراً بين أيهما يتبع أو يصدق.