خلافات حول «الزواج بنية الطلاق» بين علماء السعودية.. والجميع ينتقد المسافرين من أجل «الزواج» فقط

السدلان: «الزواج بنية الطلاق» جائز ولا يجوز الزواج من أجنبية من أجل الحصول على جنسيتها * المطلق: الفتيات المسلمات في الغرب بحاجة لهذا الزواج..

TT

تباينت الآراء الفقهية والاجتهادات من قبل عدد من علماء الدين السعوديين، في ما يتعلق بالنظر في مسألة «الزواج بنية الطلاق»، الذي عادة ما يلجأ له بعض الشباب في ظروف محددة، مثل السفر والاغتراب، وما شبه ذلك، فيضمر في نيته طلاق من يرغب في زواجها بعد انتهاء دراسته أو عمله.

بعض الفقهاء رأى عدم صحة هذا النوع من الزواج، لما يتسبب به من مشاكل كثيرة، وردة فعل عكسية لدى شعوب البلاد الغربية المختلفة، إلى جانب قيامه على الغش والخداع. وهو ما قال به الشيخ عبد المحسن العبيكان، المستشار القضائي في وزارة العدل السعودية، في مقاله الأسبوعي بصفحة آفاق إسلامية في «الشرق الأوسط»، الذي كان بعنوان «احذروا من الزواج بنية الطلاق».

ومن الفقهاء السعوديين من رأى إباحته، صونا للشباب من الانحراف ومساعدة المسلمات في الغرب على تحصيل الزواج بطريقة شرعية، قائلين إن هذا الزواج قد رخصه من القدماء أبو حنيفة والشافعي، حيث اجازا أن ينوي الزوج الأجل ولا يظهره للمرأة، لكن كرهه مالك وأحمد بن حنبل، فقد ذكر في ذلك الإمام انس بن مالك، أن من نكح نكاحا مطلقا ونيته ألا يمكث معها إلا مدة نواها، فنكاحه صحيح، وليس نكاح متعة، إلا انه استدرك ذلك باعتبار هذا النكاح ليس من «أخلاق الناس».

وبالعودة الى المعاصرين رأى الشيخ الراحل محمد بن عثيمين، رحمه الله، عدم جواز هذا الزواج لما فيه من إفساد علاقة الناس ببعضهم البعض، وخداع لولي أمر المرأة، حيث أن: «نية الرجل بقلبه أن يتزوج المرأة لمدة شهر ما دام في البلد فقط، فيه خلاف، فمنهم من قال «انه في حكم نكاح المتعة» لأنه نوى، وهذا الرجل قد دخل على نكاح مؤقت «المتعة»، فكما أنه نوى التحليل وإن لم يشترطه صار حكمه حكم المشترط، فكذلك إذا نوى المتعة وان لم يشترطها، فحكمه كمن نكح نكاح متعة»، وعده قولا قويا.

وأفتى الشيخ صالح السدلان، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، أن النكاح «بنية الطلاق» هو نكاح صحيح عند أهل العلم بشرط مراعاته للضوابط الشرعية، مشددا على انه ليس الأفضل، ومن الوفاء والصدق أن يتجنب الإنسان مثل هذا الزواج، والحريص على براءة ذمته عليه الابتعاد عن مثل هذا، حيث أنه لو علمت المرأة بنية الطلاق لما وافقت على الزواج أصلا.

وأوضح السدلان معاصرة أتباع الصحابة وأتباع التابعين لهذا النوع من النكاح، مبينا أنه قد ذهبت أكثر الأقوال الى إباحته ولم يعرف بداية خلاف من احد أهل العلم لذلك. لكن الاختلاف ظهر بعد ذلك من بين الأقدمين واعتبره البعض منهم نكاحا محرما ومكروها.

وعرّف الشيخ صالح السدلان «الزواج بنية الطلاق» بأنه: نكاح الرجل لامرأة على نية طلاقها، من دون تحديد فترة زمنية. وإن تلفظ بما نواه خرج الزواج من صورة الزواج بنية الطلاق، إذ لا بد من أمرين في ذلك: أن تكون نية الزوج سرية، لا تتعدى الضمير، ولا يعلمها غير الله، وإن تلفظ بها لأحد ما من البشر، سواء للزوجة أو لولي أمرها أو للوسيط بينهما، لم تعد نية وإنما عادت لفظا.

وأضاف ضرورة أن يكون الزواج مطلقا لم يحدد بفترة زمنية، إلى جانب الأخذ في الاعتبار الجوانب الشرعية الأخرى، إن كانت مطلقة أو أرملة، من حيث الالتزام بالعدة.

وفيما يتعلق بالآثار السلبية المترتبة على هذا الزواج، رأى السدلان انه ليس من الصدق والوفاء أن ينوي الإنسان نية الطلاق، لما فيه من تغرير بالمرأة، وما يترتب عليه من حقوق مالية وشرعية في حال الحمل والولادة وآثاره السلبية المنعكسة على الطفل.

ودعا إلى القضاء على مثل هذه الآثار، بتوعية الأفراد من خلال العلماء، خصوصا مع تفشي الاسراف في ترفيه النفس والتنقل المتكرر من بلد لآخر.

وأوضح السدلان أن شيوع لجوء الشباب السعوديين او الخليجيين في الآونة الأخيرة الى الزواج من دول أخرى، بأسماء مستعارة وعناوين مزيفة لأسابيع قليلة، ثم سرعان ما يطلقها ويختفي بعدها، ولا يعلم عن مصير من نكحها شيئا، وقد تكون ابتليت بحمل، مشيرا إلى اعتبار بعض أهل العلم حرمة هذا الزواج وإلحاق آخرين له بمرتبة الزنا.

وبين أن من قال من العلماء بجواز «الزواج بنية الطلاق» لا يقصدون به من يسافر أياما معدودة للزواج ومن ثم يطلق، مضيفا أنه بسبب هذه الاعتبارات، فإنه يعرف عذر العلماء الذين قالوا إن الزواج بنية الطلاق محرم، بسبب مثل هذه الممارسات.

لكنه نبه الى انه شخصيا لا يحرم ما قال معظم أهل العلم بجوازه، إلا انه يمنع مثل هذه الحالات «الشاذة»، التي تترتب عليها مفاسد كبيرة.

وقال السدلان: «أعد من يتزوج امرأة فقط بنية الحصول على جنسية الدولة التي يقيم بها، بمثابة الخيانة المحرمة»، ولكنه لا يندرج تحت إطار «الزواج بنية الطلاق»، في ما يتعلق بالاقتران لأخذ جنسية الدولة، مشددا على أولياء الأمور الاحتياط من ذلك، والا يمكنوا الشباب من ذلك.

من جهته أوضح الشيخ عبد الله المطلق، عضو هيئة كبار العلماء، أن من يسافر ليتزوج ويعود بعد عدة أيام فهو قد فعل محرما ودنس عقدا شريفا، وأنه لا يجوز للمسلم أن يقدم على ذلك.

واضاف المطلق: «أما من ألجأته الظروف للبقاء طويلا بعيدا عن موطنه وخاف على نفسه من الوقوع في المعصية، فيجوز له الزواج، ولكن عليه ألا يضمر الطلاق، ويجتهد أن يكون زواجه زواج إصلاح تنشأ من خلاله علاقة شرعية تنفع نفسه ومن نكحها»، داعيا الشباب الى عدم تبييت نية الطلاق، مشيرا إلى أن القيام بذلك خير من الوقوع في الفاحشة.

لكن في حالة بيت الشاب الطلاق، فالزواج يعد جائزا، كما ذكر المطلق، إلا أن عليه اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتقليل الآثار السلبية والعمل على مضاعفة ايجابيات الزواج.

وأوضح أن مثل هذا الأمر سيقلل حتما من معاناة الفتيات المسلمات اللواتي انتظرن الزواج طويلا من رجل مسلم، وان كان لسنوات معدودة، مضيفا انه يصعب على الفتيات المسلمات إيجاد الزوج للزواج إلى الأبد.

وأوضح أنه ليس في زواج الشباب أي توقيت محدد، حيث كثيرا ما يقرر الشباب المكوث غير المدة المتفق عليها أو الإقامة للأبد في البلاد الغربية، وليس في ذلك أية نيات حتمية. وحول مصارحة المرأة وولي أمرها، ذكر انه لا يشترط على الرجل إخبارها بذلك، حيث انه قد يلتزم الأفراد بأمور ويضيقوا على أنفسهم، فان أحبها الرجل استمر معها وإن كرهها طلقها.

وتابع أنه قد قال في ذلك الشيخ محمد رشيد رضا، رحمه الله، إن تشديد علماء السلف والخلف في منع «المتعة» يقتضي منع النكاح بنية الطلاق، وان كان الفقهاء يقولون إن عقد النكاح يكون صحيحا إذا نوى الزوج التوقيت ولم يشترطه في صيغة العقد، ولكن كما ذكر فان كتمانه إياه يعد غشا وخداعا، وهو أجدر بالبطلان من العقد الذي اشترط فيه التوقيت الذي يكون بالتراضي بين الزوج والمرأة ووليها.

ولا يكون فيه من المفسدة إلا العبث بهذه الرابطة العظيمة «وإيثار التنقل في مراتع الشهوات بين الذواقين والذواقات، وما يترتب على ذلك من المنكرات».

وهكذا، تتنوع آراء الفقهاء وعلماء الدين في هذا النوع من الزواج، الذي كثر بفعل متغيرات السفر والاتصال والعمل والتعلم، لكن يجمع بين هذه الاقوال، رغم تحريم بعضها لهذا الزواج واباحة بعضها له، هو التحذير من استغلال هذا الزواج لسمجرد المتعة.