المسلم مأمور في القرآن باتباع السنة

ردا على دعاوى إنكار السنة النبوية

TT

نشرت «الشرق الأوسط» مقابلة مع الشيخ نهرو طنطاوي في عددها الصادر 27 أبريل (نيسان) الماضي، ذكر فيها من وجهة نظره أن السنة والإجماع والقياس والاستنباط وغيرها من صنع الفقهاء والمجتهدين، وأن القرآن هو المصدر الوحيد للتشريع الإسلامي. و«الشرق الأوسط» تنشر اليوم ردين على هذا الموضوع من الشيخين زين العابدين الركابي وعبد المحسن العبيكان. الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فقد قرأت الحوار الذي اجرته «الشرق الأوسط» مع د. نهرو طنطاوي والذي نشر في العدد (10012) يوم الخميس الموافق 27/4/2006 وقد استغربت كثيرا من جرأة الدكتور على إنكار السنة المطهرة، وزعمه ان المصدر الوحيد للتشريع الاسلامي هو القرآن فقط، وهذا القول ليس بجديد بل هو من جنس قول الخوارج الذين قالوا «حسبنا كتاب ربنا» وأنكروا سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولعظم خطرهم على الاسلام والمسلمين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم، كما في الأحاديث الصحيحة.

ومن زعم انه يكتفي بالقرآن وينكر السنة فهو منكر للقرآن لأننا مأمورون في القرآن باتباع السنة ولا يصح إيمان من آمن بالقرآن حتى يؤمن بالسنة التي هي مفسرة للقرآن وموضحة له اضافة الى كونها مصدرا مستقلا، كما سيأتي بيانه.

زعم الدكتور ان الاحتجاج بالسنة النبوية مما أدخله الفقهاء ولم ينزل بها من سلطان، وإنما أمر محدث زاد الدين تعقيدا، إذ قال: فقد أدخل على الدين مصادر عديدة للتشريع زيادة على المصدر الوحيد، ومن هذه المصادر ما يسمى بالسنة والاجماع والقياس والاستنباط والاجتهاد ورأي الصحابة وغيرها من المصادر، وكل هذه المصادر ما أنزل الله بها من سلطان وإنما هي من صنع الفقهاء والمجتهدين، وهذه المصادر المختلفة التي تمت اضافتها الى المصدر الوحيد للتشريع إنما زادت الدين تعقيدا وتناقضا. وهذا في الواقع افتراء وتناقض، اما الافتراء فهو زعمه ان العلماء والفقهاء هم الذين جعلوا السنة والاجماع والقياس حجة ومصدرا، ومن له ادنى اطلاع على كتاب الله، القرآن الكريم، يعلم ان الذي جعل هذه الثلاثة حجة ومصدرا ومرجعا عند الاختلاف هو الله سبحانه في كتابه واليك البيان؛

أما بالنسبة الى السنة فقد جاء الأمر في القرآن بالرجوع اليها في اكثر من اربعين موضوعا كما قال تعالى (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا) (النساء: 69).

وقال (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) (النساء: 59) وقال (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) (الأحزاب: 21).

وقال (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب) (الحشر: 7) وقال (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) (آل عمران: 31) فأمر الله لنا بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وجعله سنته حكما لفض النزاعات بل وترتيب الأجر العظيم على طاعته يستلزم حفظ الله لهذه السنة النبوية حتى يتهيأ للعباد الرجوع اليها عند النزاع كما أمر الله، والطاعة لأمر الله الذي أمر بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

علما بأن العلماء فهموا من القرآن ما يدل على حجية الاجماع وكذلك القياس ولم يخترعوه كما زعم الدكتور نهرو طنطاوي ـ هداه الله ـ بصرف النظر عن وقوع الاجماع من عدمه الذي حصل فيه الاختلاف.

ففي القرآن اكثر من آية تدل على حجية الاجماع المنضبط، قال تعالى (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتّبع غير سبيل المؤمنين نولِّه ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) (النساء: 115).

فرتب الله العقوبة على مخالفة سبيل المؤمنين، فدل هذا على حجيته والمراد به الاجماع، ومن ذلك قوله تعالى (فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول) (النساء: 59). فمفهوم المخالفة اننا اذا أجمعنا ولم يحصل تنازع بيننا صار اجماعنا حجة يعتمد عليه كما بين ذلك غير واحد من العلماء المحققين.

ومثل ذلك حجية القياس الصحيح دل عليه القرآن الكريم ولم يخترعه العلماء من قبل انفسهم وبنيات افكارهم، وفي القرآن اكثر من دليل على حجية القياس الصحيح الذي هو إلحاق للنظير بالنظير او إلحاق فرع بأصل لعلة جامعة بينهما.

ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى (فاعتبروا يا أولي الأبصار) (الحشر: 2) ووجه الدلالة: ان من قبلنا لما كذّبوا الله ودينه عاقبهم الله فأمرنا الله بالاعتبار وأخذ العبرة فاذا كذبنا كما كذبوا فسنعاقب كما عوقبوا. وهذا من الحاق النظير بنظيره.

ومن ذلك قوله تعالى (أفنجعل المسلمين كالمجرمين، ما لكم كيف تحكمون) (القلم: 35 و36) ووجه الدلالة: ان المسلمين لما كانوا مخالفين للمجرمين لم يصح قياس هذا على هذا، فدل هذا ان المسلمين يقاسون على المسلمين وأن المجرمين يقاسون على المجرمين لأن هذا من إلحاق النظير بنظيره.

والأدلة في هذا متكاثرة يفهمها اهل التخصص، وهذا ليس غريبا فان في كل علم أدلة وبراهين يفهمها المتخصصون كما هو معلوم. ومما تقدم تتبين حقيقة الافتراء الموجود في حوار نهرو طنطاوي.

أما التناقض فانه يدعو الى حجية القرآن وانه مصدر التشريع، ومع ذلك يناقض نفسه ولا يقبل من القرآن ما جعله القرآن مرجعا وحجة كصحيح السنة والاجماع المنضبط والقياس الصحيح، فهو ما بين ان يلتزم دعواه من ان القرآن مرجع وحجة فيقبل ما جعله القرآن حجة ومرجعا كالسنة الصحيحة فيكون بهذا صادقا منضبطا وهو المظنون به، او ان يصر على انكار حجية السنة الصحيحة والاجماع المنضبط والقياس الصحيح مع دلالة القرآن على انها حجة فيشهد على نفسه بالتناقض وعدم الصدق!!.

ولو بقينا على حجية القرآن وحده دون السنة لما عرفنا كثيرا من الأحكام الشرعية، فمن اين لنا عدد الصلوات الخمس المفروضة وعدد ركعاتها، بل وصفة الصلاة نفسها، وكيف نعرف صفة الحج والعمرة؟ وهكذا.

وهذه الدعوة، اعني الدعوة الى الاستقلال بالقرآن دون السنة، ليست وليدة العصر بل نادى بها بعض الزنادقة قديما فقام عليهم السلف الأوائل وردوا باطلهم حتى انها وئدت في مهدها. قال الإمام ابو بكر محمد الآجري (المتوفى سنة 360هـ) في كتابه الشريعة (1/410): التحذير من طوائف تعارض سنن النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب الله تعالى وشدة الانكار على هذه الطبقة. ينبغي لأهل العلم والعقل اذا سمعوا قائلاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء قد ثبت عند العلماء، فعارض انسان جاهل فقال: لا اقبل الا ما كان في كتاب الله تعالى، قيل له: انت رجل سوء وانت ممن يحذرهم النبي صلى الله عليه وسلم وحذر منك العلماء. وقيل: يا جاهل ان الله أنزل فرائضه جملة وأمر نبيه ان يبين للناس ما نُزّل اليهم قال تعالى عز وجل: (بالْبيناتِ والزُّبُر وأنزلنا إليكَ الذكْرَ لتُبيِّنَ للناس ما نُزلَ اليهم ولعلهُم يتفكرونَ) (النحل: 44) فأقام الله تعالى عليه السلام مقام البيان عنه، وأمر الخلق بطاعته، ونهاهم عن معصيته، وأمرهم بالانتهاء عما نهاهم عنه قال تعالى (وما آتاكُمُ الرّسولُ فخُذوهُ وما نَهاكُمْ عنهُ فانتهُوا) (الحشر: 7) ثم حذرهم ان يخالفوا امر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى (فليحْذر الذينَ يُخالِفونَ عن أمْرِه ان تُصيبَهْم فِتنة او يُصيبهُمْ عذابّ أليم) (النور: 63).

وقال عز وجل (فلا ورَبُكَ لا يؤْمِنونَ حَتى يُحكِّمُوكَ فيما شَجر بينهُم ثمَّ لا يَجِدُوا في أنفسِهِمْ حرَجاً ممّا قضَيْتَ ويُسلّمُوا تسْليماً) (النساء: 65). ثم فرض على الخلق طاعته في نيف وثلاثين موضعاً من كتابه تعالى.

وقيل لهذا المعارض لسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جاهل قال تعالى (وأقيمُوا الصلاة وآتوا الزكاة) (البقرة: 43) أين تجد في كتاب الله تعالى ان الفجر ركعتان، وان الظهر أربع، وان العصر أربع، والمغرب ثلاث، وان العشاء الآخرة اربع؟ اين تجد احكام الصلاة ومواقيتها وما يصلحها وما يبطلها الا في سنن النبي صلى الله عليه وسلم؟

ومثل ذلك الزكاة، اين تجد في كتاب الله تعالى من مائتي درهم خمسة دراهم؟ ومن عشرين دينارا نصف دينار؟ ومن اربعين شاة شاة؟ ومن خمس من الإبل شاة؟ ومن جميع احكام الزكاة اين تجد هذا في كتاب الله تعالى؟

وكذلك جميع فرائض الله التي فرضها في كتابه لا يعلم الحكم فيها الا بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا قول علماء المسلمين، من قال غير هذا خرج عن ملة الاسلام ودخل في ملة الملحدين، نعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما بينت فاعلم ذلك.

ـ ثم ساق باسناده ـ عن عمران بن حصين انه قال لرجل: (انك امرؤ احمق تجد في كتاب الله تعالى الظهر اربعاً فيها بالقراءة؟ ثم عدد عليه الصلاة والزكاة ونحوهما، ثم قال: اتجد هذا في كتاب الله تعالى مفسرا؟ ان كتاب الله احكم ذلك وان السنة تفسر ذلك).

وساق بإسناده عن عبد الله بن مسعود إنه قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله تعالى، فبلغ ذلك إمرأة من بني اسد يقال لها ام يعقوب كانت تقرأ القرآن فأتته، فقالت له: ما حديث بلغني عنك انك لعنت الواشمات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله تعالى؟ فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله تعالى. فقالت: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدت هذا. قال فقال عبد الله: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه ثم قال (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) .

وإن في الحوار الذي اجري مع الدكتور نهرو طنطاوي عدة مزالق شرعية، لكن اقتصرت معقبا على اعظمها مزلقا بالاختصار، وإني لأذكر الدكتور نهرو طنطاوي وغيره بأن الاسلام يحارب من اعدائه فالواجب حفظه نقيا كما جاء عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لا التشكيك في اصوله تشكيكا يفرح اعداء الاسلام ويقويهم على اهله بمثل «قراءة الاسلام من جديد» والذي واقعه هدم لأصول الاسلام التي جاءت في القرآن كما تقدم بيانه.

ـ فليتق الله كل امرئ فيما يكتب ويقول لأن الله سائله عن كل صغيرة وكبيرة كما قال تعالى (ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا احصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً) (الكهف: 49) وصلى الله وسلم على نبينا محمد.