الوجيز في الأدب الإسلامي المعاصر وتاريخه

TT

عن مؤسسة الرسالة في عمان صدرت ثلاثة اجزاء من «الوجيز في الادب الاسلامي المعاصر وتاريخه» للباحث عابد توفيق الهاشمي وهي ضمن سلسلة ستصدر تباعا وبدأت بأجزاء ثلاثة عن اليمن والعراق ومصر. تتضمن الأجزاء الصادرة عرضا للشعراء والادباء في هذه البلدان خلال القرن العشرين مع نصوص شعرية ونثرية لكل منهم. ولم يحدد الباحث في مقدمة كتابه ماذا قصد بالادب الاسلامي المعاصر كمصطلح وهل يعني التزام الاديب التزاما كاملا في سائر نصوصه ام مجرد ابداعه نصا يتفق مع المبادىء الاسلامية، اذ اورد في ثنايا كتبه شعراء مثل احمد شوقي واحمد الصافي النجفي وغيرهما ممن لم يكونوا مقتصرين تماما على الأدب الإسلامي وانما لهم اعمال ابداعية مهمة في هذا المجال. واورد الباحث ملاحظة في المقدمة تشير الى وجود صراع خلال القرن الماضي بين فكرتين هما فكرة توحيد الامة اسلاميا وفكرة توحيدها على اسس قومية وان بعض هؤلاء الادباء وقعوا في التناقض بين الفكرتين، مع تمسك غالبية من وردت اسماؤهم في الاجزاء الثلاثة بضرورة توحيد الامة اسلاميا، لتتمكن من استعادة امجادها التي لم تحققها الا بعد بزوغ دعوة الاسلام في جزيرة العرب.

الأدب الإسلامي في اليمن وأوضح الباحث في التمهيد للادب الاسلامي المعاصر في اليمن ان لليمن تاريخاً عريقاً في الحضارة الاسلامية وشعبه هو الذي اسلم جميعه من غير حرب واسهم بحظ وافر في القضاء على المرتدين وفي الفتوحات الاسلامية، موردا اسماء ابطال مسلمين من اليمن مثل عبد الرحمن الغافي وقتيبة بن مسلم الباهلي. وظل اليمن عصياً على الغزو الاجنبي في العصر العثماني وفي القرن الثاني عشر ثار اليمن بقيادة رجل من السودان عام 1164هـ، ثم يأتي على ذكر حركة اسماعيل بن حسن من اهل مكة الذي اعلن الجهاد ضد الانجليز في عدن عام 1262هـ واستمرت الثورات في اليمن حتى قال الشاعر:

واتعب الناس في الدنيا وانكدهم من يركب الليث أو من يحمن اليمنا وعن الادباء في اليمن يبدأ الباحث بالامام الضعاني «ابن الامير» الذي كانت دعوته الى الكتاب والسنة ونبذ التقليد والجمود فخاصمه الكثيرون من الجهال والمقلدين. ومع ان ابن الامير كان من العلويين فقد نبذه الامام ابن يحيى وكان يردد دائما بأن محمد بن اسماعيل الامير ليس من اهل البيت ربما لصلته الوثيقة بالشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد حيث كان نمط دعوتهما واحدا لكن دعوته ضعفت كثيرا بعد وفاته في الثالثة والثمانين من العمر، بالرغم من تمسك محمد بن علي الشوكاني بدعوته من بعده. ويعدد الباحث مؤلفات ابن الامير التي تجاوزت العشرات كما يورد نصوصا من شعره جاء فيها: في بدعة المذاهب:

واقبح من كل ابتداع سمعته وأنكاه للقلب الموفق للرشد مذاهب من رام الخلاف لبعضها يعض بأنياب الاساود والاسد فيرميه اهل الرفض بالنصب فرية ويرميه اهل النصب بالرفض والجحد وليس له ذنب سوى انه غدا يتابع قول الله في الحل والعقد ويتبع اقوال النبي محمد وهل غيره بالله في الشرع من يهدي.. إلخ.

الأدب الإسلامي المعاصر في مصر يبدأ الحديث عن الادب الاسلامي في مصر بأمير الشعراء احمد شوقي وينتهي بالشيخ يوسف القرضاوي. وهو يعتبر احمد شوقي تعويضا عادلا عن عشرة قرون خلت من تاريخ العرب بعد المتنبي ويورد نص مختارات من قصائده اهمها قصيدته المشهورة «مولد المصطفى» ومطلعها:

ولد الهدى فالكائنات ضياء وفم الزمان تبسم وثناء وقصيدة ذكرى المولد:

سلوا قلبي غداة سلا وتابا لعل على الجمال له عتابا وقصيدته الخالدة نهج البردة:

ريم على القاع بين البان والعلم احل سفك دمي في الاشهر الحرم ثم يستعرض الكتاب اسماء ادباء وشعراء مع نماذج لهم ابرزهم جمال الدين الافغاني ومحمد عبده وحافظ ابراهيم واحمد محرم والرافعي وسيد قطب ومحمود غنيم وامينة قطب وعبد الحكيم عابدين ويفرد فصلا خاصا ليوسف القرضاوي وشعره.

وبعد ان يتحدث عن حياة القرضاوي وما لاقاه من اهوال منذ ان كان في المدرسة الثانوية حيث سجن وعذب اكثر من مرة نتيجة لتمسكه بالدعوة الاسلامية يتحدث عن شعره الذي نظمه منذ المرحلة الابتدائية وعندما كان مسؤولا عن كتائب الازهر ضد الانجليز عام 1951 نظم قصيدة مطلعها:

دع المداد وسطر بالدم القاني واسكت الفم واخطب بالفم الثاني يا ازهر الخير قدها اليوم عاصفة فإنما انت من نور ونيران ويرى الباحث ان موقف القرضاوي من الشعر شبيه بموقف الامام الشافعي فهما لا يريدان الشعر ولكن الفطرة النقية الملهمة تغلبهما فيشعران. يقول الشافعي:

ولولا الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم اشعر من لبيد ويقول القرضاوي عن الشعر:

اريد له هجرا فيغلبني حبي وانوي ولكن لا يطاوعني قلبي وكيف اطيق الصبر عنه وانما ارى الشعر للوجدان كالماء للعشب فكم شد من عزم وبصّر من عمى وايقظ من نوم وذللّ من صعب ومع ان القرضاوي ترك الشعر وتفرغ لانشطة الدعوة الاسلامية الا انه كما يقول الباحث يحبه ويعتبره ركيزة اساسية من ركائز الدعوة الى الحق اذ يقول:

وقفتك يا شعري على الحق وحده فإن لم انل الاه قلت لهم حسبي وان قال عز: ثروتي قلت: دعوتي وان قال لي حزبي اقول له ربي فعش كوكبا يا شعر يهدي الى العلا وينقضّ رجما للشياطين كالشهب ويرى ان الباحث انه لو تفرغ القرضاوي للشعر لكان شاعرا ملء الاسماع والابصار غير ان الدعوة الاسلامية ملكت عليه ملكاته واوقاته يتخللها ما يشدو به الشباب المسلم بأناشيده الاسلامية الملتهبة تضحية وفداء.

وحين يتحدث عن الامام محمد عبده يوضح انه كان خطيبا كاتبا مفسرا داعية لغويا انقذ العربية من عجمتها ولهجتها المحرفة عن اصالتها في مصر وجدد مفهوم الاسلام برده الى اصله «الكتاب والسنة» ولم يقل شعرا الا نادرا ومما يروى عنه هذه الابيات قبل وفاته:

ولست ابالي ان يقال محمد ابلّ او اكتظت عليه المآثم ولكن دينا قد اردت صلاحه احاذر ان تقضي عليه العمائم الأدب الإسلامي المعاصر في العراق برز من الشعراء المجيدين في العراق: بهجت الاثري والزهاوي والرصافي والكاظمي والشبي والصافي وهم يمثلون الشعر الكلاسيكي اما الاثري فهو من اسرة دينية عريقة وهو لغوي ضليع وعالم فقيه تشهد له المجامع اللغوية في بغداد والشام والقاهرة وشعره اسلامي خالص صادق.

وبالنسبة لمعروف الرصافي فقد نشأ نشأة دينية وله منزلة مرموقة بين شعراء العالم العربي ومن ابياته في نقد الاستعمار والدعوة الى التقدم:

ياقوم لا تتكلموا ان الكلام محرم ناموا ولا تستيقظوا ما فاز الا النوم وتأخروا عن كل ما يقضي بأن تتقدموا ودعوا التفهم جانبا فالخير ان لا تفهموا وعن الزهاوي يقول الباحث انه من عائلة كردية دينية درس على العلامة محمد فيضي مفتي الحنفية في العراق غير ان شعره يندر فيه ذكر الاسلام وفي عقيدته بعض الزيغ وشعره فيه ركّة مع كونه مكثرا.

اما بالنسبة للجواهري الذي يعده من اقطاب الشعراء العرب في هذا القرن فهو يرى انه من الشعراء الذين ذمهم القرآن بانحرافه الى الالحاد وانسجامه مع اللهو والعبث لا سيما بعد ان جاوز الاربعين.