أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي لـ الشرق الاوسط: ينبغي الاستفادة من قدرات موسكو العلمية والسياسية لدعم العالم الإسلامي

TT

البروفيسور اكمل الدين احسان اوغلي، امين عام منظمة المؤتمر الاسلامي يحظى في موسكو بمكانة متميزة تتباين بين العام والخاص. واذا كان «الخاص» قد دفع به ليتبوأ واحدا من اهم المواقع المؤثرة على رأس ثاني اكبر منظمة دولية، فإن «العام» يجعله اليوم سبيلا الى فهم افضل لآفاق تعاون بعيد المدى اوسع نطاقا بين روسيا وبلدان العالم الاسلامي، وهو ما كان مقدمة لحديثنا في موسكو، في اعقاب لقائه مع وزير الخارجية الروسية وبطريرك الكنيسة الروسية، وقبيل لقائه مع رئيس الدولة فلاديمير بوتين وفعاليات اخرى، منها ما يرتبط بمنحه درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة العلاقات الدولية.

* كيف ترون أبعاد العلاقات بين موسكو وبلدان العالم الاسلامي؟

ـ هذه ليست زيارتي الاولى لموسكو، لكنها الاولى بوصفي امينا عاما لمنظمة المؤتمر الاسلامي. وهي ايضا الاولى بعد ان حصلت روسيا في العام الماضي على وضعية «مراقب» في المنظمة. في الواقع ان الزيارة الحالية تأتي في ظل تمتعها بوضعية مراقب، ما يعني بالنسبة لها حدثا سياسيا مهما، ومن ثم فان روسيا كبلد كبير متعدد الاعراق والاديان يضم قرابة العشرين مليونا من المسلمين، حسبما اعلن الرئيس بوتين في قمة كوالالمبور، وهناك مصالح قديمة بين روسيا السوفياتية والان الاتحاد الروسي مع كثير من بلدان العالم، وهناك تطور في الاحداث في عهد الرئيس بوتين، في اطار تنويع الاتجاهات والعلاقات مع الشرق والعالم الاسلامي، بعيدا عن السياسة السابقة التي انتهجها الرئيس السابق بوريس يلتسين. هناك عوامل اخرى كثيرة، منها اهتمام العالم الاسلامي بعضوية روسيا امام التطورات الدولية والحاجة الى حليف قوي يساند التطورات التي يمر بها العالم الاسلامي. كل هذه العوامل تجعل علاقات روسيا مع المنظمة علاقة اساسية. وقد جئنا الى موسكو بدعوة من الحكومة الروسية، حيث التقيت لافروف وزير الخارجية. ونستطيع ان نقول ان تشابها كبيرا بين مواقفنا تجاه المسائل التي تخص العالم الاسلامي.

* ثمة من يقول ان القضية الشيشانية وتفاعلاتها السلبية كانت وراء رغبة روسيا في الانضمام الى العالم الاسلامي. الى اي مدى يصح تفسير رغبة روسيا؟ وما هي آخر تطورات الموقف على هذا الصعيد؟

ـ سبق واشرت الى وجود عشرين مليون مسلم في روسيا في الاتحاد الروسي من قوميات مختلفة، ومنهم التتار في تتارستان وفي موسكو وغيرها من المدن، وبشكيرستان، وايضا في منطقة القوقاز ومنها الشيشان. هذه التركيبة العرقية المتنوعة «الموزاييك» التي تنتظم تحت الانتماء الاسلامي الواسع، تشكل احد اهتمامات القيادة الروسية. ونحن ننظر الى تطورات المسألة الشيشانية بوصفها قضية لا بد ان تتم بطريقة سلمية وفي اطار الوحدة الترابية للاتحاد الروسي، تحت ظل سيادة الدولة الروسية، ولا بد من تناولها ايضا باسلوب انساني يراعي حقوق الانسان. ونحن نجد تفهما لذلك من القيادة الروسية والمنظمة تساعد في هذا الامر.

* ومع ذلك ثمة من يعزو في موسكو الكثير من مشاكل التطرف الى الاسلام، وتسقط في شرك مثل هذه التصورات اجهزة اعلامية نحن نعلم انها تخضع لرقابة الدولة، في وقت يقولون فيه الا سلطان لهم على الاعلام! كيف ترون ما يقال حول ان الاسلام في خصام مع العقل والحضارة؟

ـ بالنسبة لنا الحكومة الروسية وعلى اعلى المستويات اكدت لنا موقفها الصريح، بما في ذلك حديثنا مع وزير الخارجية، الذي اشار بنفسه الى هذه النقطة، وانه لا يمكن الربط بين الاسلام والارهاب. وفي واقع الحال الارهاب ظاهرة عالمية قديمة. واذا عدنا الى بدايات الارهاب في القرن العشرين لوجدناه يرتبط بمناطق بعيدة عن العالم الاسلامي، مثل اوروبا وانتقل الى بلادنا مع الجبهات الارهابية اليهودية الصهيونية، وبعد ذلك اخذ الارهاب شكل الحركات الشيوعية والعرقية، مثل ما حدث في المانيا وايطاليا مع ظهور الالوية الحمراء، وها نحن نجد المجموعات الماركسية في سري لانكا، بما يعني ان الارهاب ظاهرة عالمية تحت غطاء ايديولوجي. الحركات الارهابية تتخذ من الاسلام غطاء، ما يستوجب معه ضرورة التوضيح ونأمل في ان يعير الاسلام مساحة اكبر لتوضيح ذلك.

* اذا كان انضمام روسيا الى منظمة المؤتمر الاسلامي يأتي في اطار توافق المصالح، ومنها استفادتنا من موقعها كقوة سياسية مؤثرة في الساحة العالمية، فهل لنا ان نستفيد منها ايضا بوصفها احدى اكبر القوى التي تملك رصيدا هائلا من العلم والعلماء لتطوير التعليم في بلادنا؟

ـ في واقع الامر تعيش منظمة المؤتمر الاسلامي الان مرحلة تحول نوعي كبير. وقد وافقت القمة الاستثنائية التي عقدت في ديسمبر (كانون الاول) الماضي، بالاجماع على وثيقة الخطة العشرية، وتتضمن نظرة جديدة لمعالجة مشاكل العالم الاسلامي وتحديد خطة عمل لمواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين. وهي تركز على التطور الاجتماعي والاقتصادي وتحقيق التفوق في ميدان التكنولوجيا والتعليم. لاننا لا نستطيع حل مشاكل العالم الاسلامي، سياسية او غير سياسية من دون تغيير البنية التحتية، وتطوير الشعوب والامة الاسلامية، بما يتلاءم مع مستوى الدول المتقدمة. لذلك يحظى التعليم الكيفي بعناية كبيرة، ونحن نسعى في هذا الصدد للاستفادة من تجارب الدول الاخرى، لاننا لا نستطيع سد الفجوة مع الدول التقدمة من دون البحث العلمي، وهو ما تحدثنا بشأنه مع وزير الخارجية الروسية وآخرين. فالتجربة الروسية يمكن ان تقدم لنا الكثير في هذا المجال. ونحن اردنا ان يكون التضامن الاسلامي في المرحلة الراهنة تضامنا في الافعال وليس في الاقوال. التضامن الاسلامي يجب ان يكون نهضة تشارك في بنائها الشعوب لتحقيق التقدم، على غرار ما سبق وحققناه في القرون الماضية. ولن نستطيع ذلك الا من خلال بناء الدولة العصرية القوية، اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا، مع استكمال بناء البنية التحتية ومكافحة الفقر والجهل والمرض وبناء الكفاءات الاقتصادية والاهتمام بالعلوم والتكنولوجيا والبحث العلمي. كثير من هذه القضايا كان مثار نقاش في لقاء المفكرين والمثقفين قبل مؤتمر القمة، الذي دعا اليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، ذلك اللقاء الذي حضره جمع كبير من العلماء والمثقفين المصريين، وجلسنا معهم لفترات طويلة واستطلعنا الدراسات المتعمقة لتكون في اساس الخطة العشرية، التي درسها الوزراء وتمت الموافقة عليها بالاجماع من القادة في تلك القمة، التي مثل مصر فيها الرئيس مبارك، والان نحن طلبنا من الدول التقدم بمقترحاتها لتنفيذ هذا الخطط، وننتظر في لقاء وزراء الخارجية المقبل في باكو، الاطلاع على اسهامات الدول في هذا المجال. ونتوقع من مصر مساهمة كبيرة. وقد سبق لي ان شرحت هذا الموضوع مع رئيس الوزراء الدكتور نظيف ووزير الخارجية احمد ابو الغيط وبطبيعة الحال مصر بتاريخها القديم، دولة مؤسسة لمنظمة المؤتمر الاسلامي، ومن موقعها الريادي نتوقع منها اسهاما متميزا في تنفيذ الخطة العشرية.

* لعلنا هنا يمكن ان نتطرق الى تصاعد نفوذ التيار الاخواني.. ولنا في ما حدث في الجزائر وفي فلسطين ومصر نماذج جاءت عبر الخيار الديمقراطي. كيف ترون مستقبل هذا التيار في ظل العولمة واعلاء المعايير التي طالما نادت بها الدوائر الغربية؟

ـ اعتقد ان بروز العامل الاسلامي في الحياة السياسية في بلادنا نتيجة إما عدم وجود تقاليد ومؤسسات ديمقراطية مستقلة، وإما ان بعض الدول التي كانت لديها مثل هذه التقاليد فقدت مصداقيتها. وكما قلت فان العامل الديني هو العامل الرئيسي الذي يجتذب الناس، وخاصة الطبقات المهضومة حقوقها والاقل حظا في المشاركة في القرار السياسي، ستلجأ الى المرجعية الدينية التي ترتبط بها يوميا في صلاة الجمعة والصلوات الخمس. فكلما ضيقنا الخناق على الحريات السياسية والحركة الاجتماعية للشباب، لن يبقى الا القطب الديني الذي سيجذب اليه الناس. اذن لا بد من انفتاح العمل السياسي على اكثر من اتجاه، هذا اولا. ثانيا: يجب ألا نخشى من هذا على الامد الطويل، فالعمل السياسي يختلف عن العمل الاجتماعي والديني، حيث العواطف والجانب المعنوي. فالعمل السياسي يتطلب مجموعة من المعايير والخبرات التي لا يمكن الحديث عنها من وجهة النظر التاريخية. هذه امور معقدة ونحن نعيش في عالم القرن الواحد والعشرين. اذن يبقى السؤال: هل تستطيع القيادات التي ظهرت في اطار المرجعية الدينية التأقلم مع اعتبارات السياسة الداخلية، الحكم وادارة دفة الدولة والتعاون مع العالم الخارجي؟ فاذا نجحت في ذلك فهذا يعني حل المشكلة، اما اذا لم تستطع وبقيت على ما هي عليه فذلك يعني انها لن تستطيع تحقيق الاهداف التي جعلت الكتل الشعبية تصوت لها. ومع ذلك فقد نجح الخيار الديمقراطي، والتجربة الديمقراطية لها ثمن. الدول الغربية التي تقول انها نموذج للديمقراطية لم تصل الى ما وصلت اليه في يوم واحد. دعنا من فرنسا وبريطانيا. فرنسا لم تصل الى ما هي عليه الان الا بعد الثورة الفرنسية واراقة الكثير من الدماء، وبريطانيا لم تحقق ايضا ما وصلت اليه الا بعد تجارب كثيرة، وكذلك اسبانيا وغيرها من الدول التي شهدت الكثير من الطغم الحاكمة. وهذا رأيي الخاص ولا علاقة له بموقعي في المنظمة.

* اعتقد ان جزءا كبيرا من تفسيركم لوصول حماس الى السلطة كان وراء موقف روسيا المتميز من هذه الحركة. ولذا اسألكم عما اذا كنتم قد تطرقتم الى هذه الموضوعات في موسكو، والموقف من الاوضاع الراهنة في الاراضي الفلسطينية المحتلة؟

ـ تناولنا جانبا من هذا الموضوع ونلمس توافقا في الاراء حياله. وثمة اتفاق حول ضرورة الا يعاقب الشعب الفلسطيني على اختياره الديمقراطي الحر. وقد شهد العالم كله ونحن ايضا، اذ شاركنا في الرقابة على الانتخابات التشريعية، التي يشهد لها العالم كله بالنزاهة والديمقراطية. وقلنا ان الشعب الفلسطيني يجب ان يعطى الفرصة، في الوقت الذي يجب فيه على الحكومة ان تطور موقفها السياسي، لان الخطاب السياسي في المعارضة ليس دائما هو الخطاب الذي يمكن تطبيقه في الحكم. وفي لقاءاتنا مع القيادة السياسية لحماس، بعد فوزهم في الانتخابات، اشرنا الى ضرورة التعامل مع الاحداث الدولية ومسؤولية الحكم من واقع هذه الاعتبارات. وقد توصلنا الى التوافق في الاراء خلال اللقاء مع لافروف، ونحن بطبيعة الحال نشكر الموقف الشجاع للاتحاد الروسي، الذي يؤيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وفي اختياره الديمقراطي. ولم نكن هنا لنغفل ما يحتدم من جدل في موسكو وغيرها من العواصم العالمية حول الموقف من البرنامج الايراني النووي، في توقيت يبدو فيه الكرملين اكثر ميلا نحو تأييد حق ايران في تطوير برنامجها السلمي، شريطة الالتزام بمعاهدة حظر الانتشار، بينما تتخذ بعض الدول العربية موقفا متباينا من هذه القضية. كنت قبل وصولي الى موسكو في زيارة لطهران استغرقت يومين، التقيت خلالهما مع كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشورى ولاريجاني المسؤول عن الملف النووي الايراني وعدد من المسؤولين في الخارجية الايرانية. اعتقد ان ايران شأنها شأن اي دولة اخرى تملك حق الحصول على قدرات نووية للاغراض السلمية ضمن المعاهدات الدولية، وفي مقدمتها معاهدة حظر الانتشار. ايران عضو في هذه المعاهدة، بل واختارت ايضا ان توقع بروتوكول اضافي، يعطي الوكالة الدولية حق المباغتة في عمليات التفتيش وخلافه. اذن من هذه الناحية ايران ملتزمة، وهناك بيان سياسي واضح من القيادة الايرانية حول ان طهران لا تريد صناعة اسلحة نووية. وفي نفس الوقت هناك موقف معادي يقول: نحن لا نثق فيكم. انتم ستصنعون السلاح النووي. اذن منطقيا وقانونيا البينة على المدعي. هذا يعني وجود نوايا سيئة. ومع ذلك ايران بينت للعالم واكدت استعدادها لتقديم كل الضمانات لتأكيد هذا المعنى. وتناولت زيارتي ايضا بناء الثقة بين ايران وجيرانها لتفادي اي سوء تفاهم في هذا الخضم من الاحداث الدولية. موقف الاتحاد الروسي في واقع الامر موقف مبدئي متميز ويراعي الحق الايراني في انتاج الطاقة النووية السلمية، وفي نفس الوقت يراعي الظروف الدولية ويحاول ان يجد مخرجا ونحن نؤيد هذا الموقف.