تشريع بتجريم الفتوى من غير المتخصصين يثير جدلا بين علماء الدين

اقترحه الأزهر على البرلمان المصري

TT

أثار اقتراح تقدمت به مشيخة الأزهر إلى البرلمان المصري في وقت سابق للمطالبة بإصدار تشريع يجرم الفتوى من غير المتخصصين ويعاقب دعاتها، جدلا واسعا بين علماء الأزهر.

وكان الشيخ عمر الديب وكيل الأزهر قد أعلن في تصريحات صحافية له أخيرا أن الفتوى لها مكانها الرسمي وهو دار الإفتاء المصرية أو لجنة الفتوى بالأزهر، وما عدا ذلك لا يؤخذ به شرعا أو قانونا. وقال الشيخ الديب إن الأزهر اقترح على البرلمان المصري إصدار تشريع يجرم الفتوى من غير المتخصصين ويعاقب دعاة الفتوى.

ومن جانبه يرفض الدكتور عبد المعطي بيومي وكيل لجنة الشؤون الدينية بالبرلمان المصري سابقا، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، سن تشريع لتجريم ومعاقبة من يفتون بغير علم ويثيرون البلبلة بين الناس عبر الفضائيات والإنترنت .

وقال بيومي إن هذه القضية لا تعالج بسن القوانين وإنما يجب أن تتم عن طريق التوعية للقائمين على أمر القنوات الفضائية وتعريفهم بأنهم يملكون وسائل سيحاسبون عليها أمام الله عز وجل وأن كل كلمة تذاع تحت مسؤوليتهم، واستضافة أناس غير متخصصين في الإفتاء، سيحاسبهم الله عليها، بالإضافة إلى توعية المشاهدين ونصحهم بحيث يجب ألا يأخذوا الفتوى إلا من المتخصصين الذين درسوا الفقه واللغة العربية والقرآن والسنة والعقيدة وألموا بآليات الفتوى من علوم الدين لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ان هذا العلم دين فلينظر الرجل عمن يأخذ دينه».

ويضيف الدكتور بيومي قائلا: لقد تعرضت أنا شخصيا لهجوم عبر الفضائيات ممن يطلقون على أنفسهم الدعاة الجدد واتهمني أحد الدعاة وهو شاب في سن أولادي بعدم معرفتي بالإفتاء، وهذا الأمر يعكس مدى تجرؤ بعض الشباب غير المؤهلين للفتوى على النار مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم «اجرؤكم على الفتيا اجرؤكم على النار».

ويقول الشيخ يوسف البدري عضو البرلمان المصري سابقا وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة إن الفتوى عمل خطير وكل من لا يحسن الفتوى يعرض نفسه للمخاطر، مشيرا إلى أن الإمام مالك مفتي دار الهجرة عندما كان يأتيه 20 سؤالا كان يجيب عن خمسة منها ثم يؤجل الباقي حتى يتأكد من الإجابة الصواب.

ويتابع الشيخ البدري قائلا: نحن في عصر كثرت فيه الفضائيات واحتاجت إلى المتحدثين في الدين واختارت هذه الفضائيات من له جاذبية وحضور بغض النظر عن مؤهلاته أو ثقافته أو إتقانه للفتوى أو تقواه من الله ليجيب عن أسئلة المشاهدين، وكان في الأصل أن تختار هذه القنوات الفضائية من درس علوم الدين من فقه وتفسير وغيرها أو من اشتهر بالتخصص في الفتوى أو من درس علوم الشرع وحصل على جملة منها صالحة لفتواه بإجازة شيوخه وليس بإجازة نفسه .

ويضيف الشيخ البدري قائلا: إن مشروع القانون الذي يراد من البرلمان إصداره لتجريم ومعاقبة من يفتون عبر الفضائيات من غير المتخصصين في الفتوى، لا بد من دراسته من أكثر من مذهب ومن أكثر من جهة بعرضه على كافة العلماء حتى يصدر غير منقوص يؤدي المراد منه في دقة وإتقان وبالتالي تخضع كل المحطات الفضائية وغير الفضائية لهذا الأمر ولا يجوز أن تبادر من نفسها بل عليها أن تسأل المتخصصين مثل الأزهر أو دار الإفتاء، أو المرجعيات الأخرى، في تحديد من يفتي الناس عبر برامجها.

ويرى الدكتور أسامة السيد عبد السميع أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر أن الفتوى لا بد أن تصدر من أناس متخصصين لهم القدرة على الإفتاء أما غير المتخصصين أو من يطلق عليهم الدعاة الجدد يجوز لهم أن يلقوا المواعظ والخطب والنصح والإرشاد ولا يجوز لهم الإفتاء.

ويضيف د. أسامة قائلا: إن الفتاوى التي تثير البلبلة من غير المتخصصين يجب أن يعاقب أصحابها بعقوبات تعزيرية ومنها الغرامة، كما يجوز لولي الأمر أن يقيض المباح فإذا كان المباح يضر بالناس فله أن يصدر تشريعا يحد من الأضرار وهذا ليس فيه تقييد لشرع الله.

ويقول د. أسامة إنه يجوز إصدار قانون ينظم عملية الإفتاء وغلق الباب أمام غير المؤهلين للفتوى مع مراعاة أن هناك أمورا مختلفا عليها وفيها سعة في الفتوى عملا بالقول المأثور «نتفق فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا في المختلف فيه». وأكد د. أحمد علي سليمان الباحث برابطة الجامعات الإسلامية أهمية مطالبة الأزهر باعتباره المرجعية الدينية الكبرى للمسلمين في مصر بسن تشريع يجرم الفتوى من جانب غير المتخصصين لا سيما في هذا العصر الذي يشهد تطورا مذهلا في وسائل الاتصال، وإن كانت هذه الخطوة قد تأخرت كثيرا من جانب الأزهر إلا أنها تستحق الدعم والتأييد والمساندة لأن تضارب الفتوى بين العلماء والمفتين من الخطورة بمكان لا سيما على شاشات الفضائيات التي تنتهج نهج الإثارة بغية جذب أنظار الجماهير إليها بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى.

وطالب د. سليمان الأزهر بإلزام من يتصدى للفتوى في الفضائيات بالمرور بسلسلة من الاختبارات على أيدي الأساتذة وكبار العلماء المتخصصين بالأزهر وجامعته، ثم بعد ذلك يحصل على إجازة بالفتوى كما يجب على الأزهر تحديد عقوبة تعزيرية تتمثل في الغرامة لمن يفتي بغير علم على أن تكون هذه العقوبة رادعة.