نقيب قراء ومحفظي القرآن في مصر: علمت رياض السنباطي القرآن وعلمني الفن والموسيقى

الشيخ أبو العينين شعيشع لـ الشرق الاوسط : قراء القرآن القدامى ظاهرة فريدة لن تتكرر .. والجدد كالببغاء يقلدون من دون فهم

TT

يكشف الشيخ أبو العينين شعيشع نقيب قراء القرآن في مصر، صفحات مجهولة وشيقة في مسيرة شيوخ قراء القرآن القدامى المصريين، وكيف جمعوا بين حلاوة الصوت والأداء، وبين التفقه في أمور الدين والأدب، وإيقاعات الموسيقى ومقاماتها، فكانت قراءاتهم تخرج من الأعماق وتصل إلى قلوب المستمعين بعذوبة وحب. ويرى الشيخ شعيشع عضو لجنة اختبار القراء بالإذاعة والتلفزيون، في حواره مع «الشرق الأوسط» في القاهرة، أن القراء القدامى لن يعوضوا ولن يجود الزمان بمثلهم، لأنهم كانوا مدارس في الأداء لن تتكرر مرة أخرى. ويؤكد أن ضعف مستوى القراء في الوقت الحاضر يرجع إلى طغيان الماديات وتنافس القراء على الأموال وجهلهم بطرق الأداء والمقامات الموسيقية. وتطرق الحوار إلى تجربته في هذا المضمار.. وهنا نص الحوار:

> لماذا ضعف مستوى قراء القرآن في الوقت الحاضر؟ ولماذا لا تظهر أصوات جيدة مثل تلك التي كانت موجودة بين أبناء جيلك؟ ـ الزمن الذي نعيش فيه ليس مثل الزمن الذي ظهر فيه هؤلاء القراء العظام، فنحن نعاني الضعف والتدني ليس في قراءة القرآن الكريم فقط وإنما في مجالات كثيرة، في الأدب والشعر والفن والموسيقى وغير ذلك، وحتى نستطيع إعداد قارئ جيد لا بد أن يكون عاشقا للقرآن ومحبا له ويتفانى من أجله، لا أن يتخذ من القرآن مجرد وسيلة للكسب. كان جيلنا وجيل الرواد السابق علينا يضحي، رغم أنهم كانوا يحصلون على قروش، فكانوا يسافرون لإحياء الليالي من دون مقابل وكان حبنا للقرآن يفوق كل شيء، أيضا كان القراء في الماضي يقرأون القرآن بإحساس ويتأثرون بمعانيه، أما الآن فالقارئ يقرأ كتاب الله مثل الببغاء، لا يفهم ما يقرأ.. وهذا ـ للأسف ـ ينطبق على أغلب القراء الموجودين حاليا. > نعم الزمن اختلف وهناك عوامل عديدة أثرت على المهن والأنشطة المختلفة، لكن ما الذي اختلف بالنسبة لقارئ القرآن، خاصة أن كتاب الله هو نفسه لم يختلف؟ ـ الأصوات نفسها اختلفت في الماضي كانت الأصوات قوية.. فالقراءة فيها طبقات للأداء، مثل أداء القراب والوسط والجوابات، وطبقة الجوابات لا يستطيع أن يصل إليها إلا القليل، الآن القراء الجدد لا يعرفون شيئا من ذلك كله، أذكر أنني كنت أقرأ في «فرح» ابن أحد كبار التجار في مصر في حي باب الشعرية بالقاهرة، وكان معي الشيخ عبد العظيم زاهر، وأخذنا نقرأ طوال الليل وطلعت علينا الشمس ونحن نقرأ والناس يستمعون، فحب القرآن والإحساس بمعانيه والتأثر بكلماته وآياته كان عظيما، فالقارئ يتأثر بالقرآن ومعانيه وتلاوته، وبالتالي يؤثر في الناس، هذا لم يعد له وجود الآن إلا في حالات نادرة، لأن الماديات ـ للأسف ـ طغت على كل شيء، فالمال والحصول عليه أصبح هو الهدف، في حين أن هدفنا في الماضي كان حفظ القرآن وتلاوته لأنفسنا أولا، والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: «ليس منا من لم يتغن بالقرآن»، ففي زماننا كان حب القرآن يفوق كل شيء. > كيف نستطيع الآن إعداد وتأهيل قراء على نفس مستوى جيلكم؟ ـ لا بد أن تعرف أن الأصوات القديمة ودرجة قوتها لن نجدها الآن، فمثلا الشيخ محمد رفعت ـ رحمه الله ـ كانت مساحة صوته قليلة، لكنه كان يصل لأداء طبقة الجواب، ولا أحد يستطيع أن يفعل ذلك الآن، وأعتقد أن الأصوات ضعفت في هذا العصر بسبب التغذية، فمعظم المواد الغذائية تضاف إليها مواد كيميائية وأصبحت اللحوم والدواجن والخضروات والفواكه فيها مواد كيماوية وسموم، وهذا كله يؤثر في الأصوات، فالوضع في الماضي كان مختلفا عما هو عليه الآن سواء بالنسبة للقراء والأدباء والشعراء والموسيقيين أو بالنسبة لكل الفنون، كل الفنون الآن ضعفت بسبب طغيان الماديات على أصحاب هذه الفنون، وحتى نربي ونعد صوتا لا بد أن يبدأ حفظ القرآن من الصغر، فالذي يحفظ القرآن صغيرا يكون أقدر على الإجادة والإتقان في الأداء، يضاف إلى ذلك أن كثيرين الآن دخلوا حقل قراءة القرآن ولهم أعمال أخرى تشغلهم، أما نحن فكنا متفرغين لقراءة القرآن ليلا ونهارا وأنا لست متشائما فهناك بعض القراء نضع أملنا فيهم ليكونوا قراءً مجيدين، إن شاء الله. > من هم هؤلاء القراء الذين تضع فيهم الأمل وتعتقد أنهم من الممكن أن يستعيدوا المجد القديم ويصبحوا امتدادا لجيل العباقرة من القراء القدامى؟ ـ كما أسلفت القديم لا يمكن تعويضه، ولا أحد يستطيع أن يصل إلى مستواه، لأن القراء القدامى كانوا يمثلون مدارس في الأداء القرآني لا وجود لها الآن ولا يعرفها أغلب القراء الحاليين، فعلى سبيل المثال عندما تستمع إلى الشيخ محمد رفعت أو الشيخ عبد العظيم زاهر أو الشيخ طه الفشني أو الشيخ يوسف كامل البهتيمي، كل قارئ من هؤلاء له لون مميز عن الآخرين يجعلك تعرفه بمجرد سماع صوته حتى لو كان على مسافة بضعة كيلومترات، أما الآن فالأصوات متشابهة ولا تستطيع تمييز صوت عن آخر، وعندما أقوم بامتحان القراء الجدد في الإذاعة والتلفزيون لا أستطيع أن أميز بين قارئ وآخر، فهم ينقلون عن بعضهم البعض حتى القفلات يأخذها قارئ عن آخر ويكررونها وهي ممجوجة ومملة. وهؤلاء يقلدون من دون فهم ومن دون وعي ويقرأون قراءة عشوائية، أما في الماضي فكنا نستمع إلى عباقرة وفطاحل، الشيخ محمد رفعت والشيخ مصطفى إسماعيل وغيرهما من أبناء هذا الجيل العظيم، وللأسف لم تنجب الأمة أصواتا مشابهة لهؤلاء القراء العظام أو قريبة منهم. فلا نجد قارئا الآن مثل الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، هناك من يحاول تقليد صوته، وحتى هذا التقليد باهت وهو مجرد تقليد من دون فهم ومن دون إدراك للون الشيخ عبد الباسط ومن دون علم بطبقات الأداء.. وهذا هو قدرنا فالمجتمع اختلف والبيئة اختلفت والناس اختلفت والأصوات أيضا اختلفت. في الماضي كانت الأصوات قوية وكان هناك حب شديد للقرآن وتفرغ له، أما الآن فنجد القارئ في الصباح تلميذا وفي المساء نجارا. > لماذا لا تقوم لجنة اختبار القراء بالإذاعة ـ وأنت أحد أعضائها ـ باختبار القراء المجيدين واستبعاد كل من لا يستطيع الإجادة والإتقان؟ أليست الأصوات الضعيفة الموجودة على الساحة الآن مسؤوليتها تقع على عاتق اللجنة؟ ـ اللجنة تقوم باختيار المتقدمين لامتحان القراء وللأسف طوال الفترة الماضية لم يتقدم أحد مستواه جيد، تخيل أنه منذ عامين لم ينجح في الاختبارات التي تعقدها اللجنة سوى قارئين اثنين فقط من بين العشرات، أما بقية المتقدمين فلم تتوافر فيهم الشروط، والغريب أن الكثير من القراء يأتون من القرى والأرياف ويتصورون أن هذه اللجنة لا قيمة لها وأن الاختبارات التي تعقدها شكلية وأنهم يستطيعون النجاح من دون جهد، ولا أدري من الذي يقول لهؤلاء أن أصواتهم تصلح للإذاعة، وانصحهم بأن يذهبوا للموسيقيين المتخصصين في الموسيقى ليتعلموا المقامات الموسيقية، حتى يعرفوا كيف يؤدون القرآن وكيف ينتقلون من قراءة إلى أخرى. > هل يفيد تقليد القارئ في إتقان قراءة القرآن؟ ـ لا بد أن يكون لكل قارئ لونه وطريقته في الأداء، وأذكر أنني وأنا صغير في بداية حياتي كنت أقلد الشيخ محمد رفعت، لدرجة أنني استكملت الكلمات والآيات التي سقطت من تسجيلاته ولم يكتشف ذلك أحد، إلا قلة من الذين يفهمون طريقة الشيخ رفعت وطريقتي ويفهمون الأداء القرآني، ورغم صعوبة تقليد الشيخ محمد رفعت ـ ولا أظن أن أحدا يستطيع تقليده الآن ـ إلا أنني وجدت نفسي سوف أذوب في شخصية الشيخ رفعت، فاخترت لنفسي طريقة تعبيرية خاصة، وكل شيخ يجب أن يكون له أداء معين. والقارئ المميز هو الذي لا يقلد أحدا وأذكر أنني في لجنة اختبار القراء بالإذاعة وجدت أغلب المتقدمين يقلدون بعض الشيوخ، فقلت لا أدري لماذا لا تقلدونني؟ والغريب أنني وجدت في إيران شابا يقلدني وعندما استمعت إليه اعتقدت أنني أقرأ وأنا في سنه ولم أجد فرقا بين صوته وصوتي في تلك السن، وإيران فيها قراء مستواهم جيد، لأن الإيرانيين يستمعون إلى القرآن بطريقة جيدة ولأنهم يفهمون المقامات الموسيقية، وهذه المقامات ظهرت في بلادهم في الأصل. > تشارك في كثير من مسابقات القرآن في مصر وغيرها من دول العالم، فهل هذه المسابقات تساعد على اكتشاف أصوات جديدة لديها الموهبة ويرجى منها الأداء الجيد؟ ـ بالفعل أشارك كمحكم في مسابقات كثيرة، وقد شاركت في مسابقة دبي للقرآن الكريم وسعدت بذلك، وعلى صعيد مصر أنا مطالب بأن أقدم سنويا ثلاثة قراء، يقرأ أحدهم أمام رئيس الجمهورية في احتفال مصر بليلة القدر، التي يكرم فيها الرئيس حفظة القرآن الكريم، ويفضل أن يفتتح تلك الاحتفالات قراء صغار السن لإعدادهم وتأهيلهم، ولا تتخيل مقدار الجهد الذي أبذله لاختيار ثلاثة قراء، فأنا أجد صعوبة شديدة لأنه لا يوجد قراء على المستوى المطلوب، واضطر للسفر إلى القرى والمدن في مختلف أنحاء مصر، وأستمع إلى عشرات الأصوات من الشباب وصغار السن، وينتهي بي الأمر إلى أن اختار أفضل الموجودين حتى إن كانوا ليسوا على المستوى الذي كنت أتطلع إليه، لكن هذا هو حالنا. > هل أثر اختفاء الكتاتيب، التي كان يتعلم فيها الصغار حفظ القرآن في غياب القراء المجيدين؟ ـ الكتاب يتولى تحفيظ القرآن وتجويده وتعليم الصغار كيف يقرأون القرآن، أما الأصوات فهي موهبة من الله لا دخل لنا فيها، والقارئ الجيد هو الذي يستغل صوته في أداء القرآن بالصورة التي ينبغي أداؤه بها، من خشوع ومعرفة بالمقامات الموسيقية وكيف يغير المقامات وينتقل من مقام إلى آخر أثناء القراءة، فهناك مقامات بياتي وحجاز وسيكا ونهاوند وراست ورامل وغيرها، وكل هذه المقامات موجودة في القرآن وأغلب القراء لا يعرفون هذه المقامات، وأذكر أنني كنت أنا والمرحوم رياض السنباطي نتزاور، وكان يسكن بجواري في منطقة حدائق القبة وكنت أعلمه القرآن ويعلمني الفن والموسيقى، وأذكر أنني جئت من بلدتي بيلا بمحافظة كفر الشيخ إلى القاهرة في عام 1939 وكنت أسجل للإذاعة، ثم أعود إلى بلدتي إلى أن قابلني المرحوم جليل بنداري في الإذاعة وقال لي الأستاذ محمد عبد الوهاب يبحث عنك ويريدك، فذهبت إلى منزله في العباسية واستقبلني بترحاب شديد وأخذ يثني عليّ وعلى أدائي، وعبد الوهاب كان عبقريا في الاستماع ومعرفة طبقات الصوت، لدرجة أنه في أواخر أيامه انتقد أحد القراء بشدة، لأن أداءه كان سيئا، رغم أنه قارئ مشهور وطلب من الكاتب الصحافي محمود السعدني أن يلفت نظر هذا القارئ ويقول له أن صوتك جيد، لكن أداءك ليس قرآنيا. فالصوت والأداء القرآني موهبة من الله ونحن تعلمنا ممن سبقنا، ولم نتعلم في معاهد موسيقية ولا فنية ولم نتعلم الأصوات وغيرها، وإنما تعلمنا من خلال سماع القراء القدامى الذين كانوا مدارس لا تتكرر، فكان العهد الذهبي للقرآن أثناء وجود الشيخ محمد رفعت والشيخ عبد الفتاح الشعشاعي والشيخ محمد الصيفي وغيرهم. > لماذا لا تنشئون مدرسة يتعلم فيها قراء القرآن الأداء الجيد؟ ـ ما دام القارئ قد التحق بالإذاعة وأصبح له وجوده وشهرته على الساحة ويتقاضى أجرا عاليا يتعالى على الالتحاق بمدرسة من جديد ليتعلم، هذه هي المشكلة، وأذكر أنه في بعض الحالات تجمع لجنة اختبار القراء المتقدمين للإذاعة على أن صوتا غير جيد وأجد فيه شيئا يمكن الاستفادة منه، فأطلب من أعضاء اللجنة أن يمنحوه فرصة أخرى، وأقوم بإرشاده وتوجيهه وأطلب منه أن يذهب إلى بعض الذين يؤدون التواشيح القديمة ليتعلم منهم، فيذهب ثم يعود واكتشف أنه أصبح قارئا جيدا، لذلك فإن إنشاء مثل هذه المدرسة يحتاج إلى مجهود، وألا يتعالى القراء عن التعلم طوال حياتهم، مهما كانت الشهرة التي حققوها، والحمد لله أن القراء الذين وجهتهم وأرشدتهم في بداية حياتهم يدعون لي ويذكرونني بالخير دائما حتى اليوم، ويعتبرونني أبا روحيا لهم ويقولون لي لقد وقفت إلى جانبنا ووجهتنا الوجهة الصحيحة. > اعتمدت نقابة قراء القرآن 17 فتاة وسيدة قارئات للقرآن، هل هذا يأتى في اطار توجه جديد تتبناه النقابة؟ ـ دخول المرأة إلى مهنة قراءة القرآن وعملها في هذا المجال ليس جديدا، فقد كانت بعض السيدات يقرأن القرآن في الإذاعة في الأربعينات، مثل منيرة عبده وكريمة العدلية وغيرهما، وكانت هناك قارئات ممتازات، والمرأة إذا كانت تقرأ القرآن بطريقة جيدة وتعرف الأحكام ولا تقع في أخطاء فلا مانع من أن تصبح قارئة للقرآن، لان ما يهمنا هو الحفظ والإتقان لا العمر أو النوع، بالإضافة إلى أن قوانين ولائحة النقابة لا تمنع المرأة من الالتحاق بعضويتها، وبناء على هذا التحقت نحو 17 سيدة وفتاة، اغلبهن من غير خريجات الأزهر وبعضهن كفيفات، بالنقابة وحصلن على عضويتها، بعد أن أجريت الاختبارات اللازمة لهن وتم التأكد من حفظهن للقرآن وقدرتهن على إجادة التلاوة وقراءة القرآن مرتلا ومجودا بالأحكام.

> هل ستعمل المرأة قارئة للقرآن في المناسبات والمحافل العامة مثل الرجل؟

ـ لا اعتقد أن المرأة ستقرأ في المحافل العامة وفى سرادقات العزاء، لان القراء الرجال كثيرون، وعلى أي حال نحن لا نمانع من احتراف النساء قراءة القرآن، لانه في أيام العالم الكبير الشيخ مصطفى المراغي شيخ الأزهر، كانت هناك سيدات قارئات للقرآن فلم يعترض عليهن هو أو غيره من العلماء الكبار في ذلك الوقت، وعلى ذلك إذا كان أداء المرأة للقرآن جادا وليس فيه تخنث ولا ميوعة فلا مانع، خاصة ان المرأة تعمل الآن في مختلف المجالات، كما أن الدنيا تغيرت ولا أعتقد أن هناك ما يمنع سيدة فاضلة من قراءة القرآن في المناسبات والمآتم وعلينا ألا نتجمد أو نتوقف عند فترة زمنية معينة، لان كل عصر له ظروفه ومتغيراته ونقابة القراء موقفها واضح، لأنه لا توجد مواد في لائحتها تمنع أي شخص من قراءة القرآن ما دام يجيد القراءة، ويجب أن نذكر أن أم كلثوم كانت تجيد تلاوة القرآن ولها تسجيلات نادرة في قراءة بعض السور، مثل سورة الضحى لا تزال موجودة حتى الآن وكذلك محمد عبد الوهاب.