علماء أزهريون: مصطلحا «دار الحرب» و«دار السلام» فقدا صلاحيتهما في ظل التنظيم الدولي المعاصر

TT

اتفق علماء أزهريون على أن مصطلحا «دار الحرب ودار السلام» أفرزه الفقه الإسلامي قديماً في ظل ظروف ومناسبات كانت تستدعي هذا التقسيم ولم يعد له تطبيق في واقعنا المعاصر وذلك لأنه لم تعد هناك دار حرب في التجمع الدولي الآن وأن كل التجمعات البشرية في العالم حالياً تعيش في دار واحدة سميت دار السلام.

وأكد العلماء على ضرورة تجديد الاجتهاد في الفقه الإسلامي لمواكبة روح العصر ومواجهة المستجدات خاصة في بعض الأحكام الفقهية التي كانت تطبق قديما ولم يعد هناك مسوغ لوجودها الآن لانتفاء توفر الأدلة على ملاءمتها لهذا العصر.

بداية يرى الدكتور جعفر عبد السلام الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية وأستاذ القانون الدولي بجامعة الأزهر أن فقهاء المسلمين قديما قد قسموا ديار العالم إلى دار اسلام ودار حرب موضحاً أن دار الإسلام هي كل بقعة تكون فيها أحكام الإسلام ظاهرة وأن دار الحرب هي الديار التي تحارب الإسلام وتعمل على وقف نموه بكافة السبل ولا يأمن فيها المسلم على نفسه ولا تطبق فيها شرائع الإسلام.

واستطرد الدكتور عبد السلام: أن الفقهاء المسلمين قد أجمعوا أنه لا أمان بين الدولة الإسلامية وهذه الدار (أي دار الحرب) إلا إذا تم عمل عهود تحقق السلام بين دار الإسلام ودار الحرب تتحول بعدها دار الحرب إلى دار سلام ولا يسوغ محاربتها إطلاقاً إلا إذا انقضت هذا العهد مشيراً إلى أن بعض الفقهاء من تزيد في إضفاء صفة الحرب على كل الديار التي لا يأمن فيها المسلم على نفسه ولا يستطع أن يقيم شعائره وأحكام دينه على أرضها ولم تكن بينها وبين دار الإسلام عداوة لذا هناك من أطلق على كافة الديار غير دار الإسلام ودار العهد دار الحرب، وأجاز بالتالي مبادرتها بالاعتداء واستخدام السيف.

وتابع الدكتور عبد السلام قائلاً: أن هذا الرأي في الفقه القديم يعبر عن ضعفه لأنه لم تعد هناك دار حرب في ظل التجمع الدولي الآن، فنحن جميعاً نعيش في دار واحدة سميت دار السلام، كما يشير لذلك حكم القانون الدولي والتنظيم الدولي المعاصر، فالحرب لم تعد مشروعة إلا للدفاع الشرعي أو الكفاح لتحرير الأراضي المحتلة، بل تحظر المادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة كافة صور استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية.

وأضاف الدكتور عبد السلام: ان السلام أصبح هدفا في العلاقات الدولية في العصر الحالي، كما إنه اتفاقية دولية نص عليها ميثاق الأمم المتحدة ، وانضمت إليها كافة الدول بما في ذلك الـ57 دولة إسلامية أعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي حيث توقع أي دولة تريد أن تنضم إلى الميثاق على أنها دولة محبة للسلام وراغبة فيه ولا يحق لها أن تعتدي على غيرها. أما الدكتور أحمد عبد الرحيم السايح الأستاذ بجامعة الأزهر بالقاهرة فيقول: لعلنا ندرك أن تقسيمات الفقهاء لديار المسلمين بأنها ديار السلام وديار غير المسلمين ديار كفر أو ديار حرب، هذا مصطلح كان يستعمل قديماً في وقت اشتدت فيه هجمات الصليبيين على بلاد المسلمين، لافتا إلى أن أوروبا شنت ثماني حملات صليبية للقضاء على المسلمين في بلاد الإسلام، كما أن الاستعمار الغربي قد استولى على بلاد المسلمين، هذان المصطلحان، دار الإسلام ودار الكفر، لم يعد لهما وجود في ظل العلاقات الدولية وارتباط الشعوب ببعضها البعض وتبادل المنافع وانتقال المسلمين إلى بلاد الغرب ودخول كثير من الغربيين في الإسلام حتى أصبحت بلاد الغرب زاخرة بملايين المسلمين، فالدين الإسلامي في فرنسا وبريطانيا وهولندا وألمانيا هو الدين الرسمي الثاني، وأصبح المسلمون في فرنسا قرابة خمسة ملايين وفي بريطانيا وألمانيا ما يقرب من ذلك. ومعنى هذا أن هذه المجتمعات الغربية أصبحت مجتمعات قريبة من الإسلام لأن المسلمين فيها يمثلون نسبة كبيرة، وأصبحت المدن الغربية تعج بمئات المآذن والمساجد، ومن هنا يبدو للباحث أن إطلاق مصطلح دار الكفر على البلاد الغربية فيه إجحاف وظلم لا ينبغي أن يقال على هذه المجتمعات بل ربما كان المسلمون في البلاد الأوروبية والغربية أكثر فهما للإسلام ووعياً لمفاهيمه، ولهذا ينبغي على المجامع الفقهية في العالم الإسلامي أن تصحح هذه المفاهيم فمجتمعات الإنسانية كلها لا يخلو مجتمع منها من وجود مسلمين.

ويرى الدكتور السايح أن المسلمين في المجتمعات الغربية ينبغي أن يكون ولاءهم للإسلام ولهذه البلاد التي هم منها، خاصة أن الله سبحانه وتعالى أمر الناس إذا ضاقت بهم الأرض أن يهاجروا إلى أرض الله الواسعة فبلاد الغرب من أرض الله سبحانه وتعالى، كما ينبغي على المسلمين في المجتمعات الإنسانية كلها أن يكونوا رسل سلام وأمن واستقرار لأنهم يملكون فلسفة حياتية، تمكنهم من تنمية قدراتهم وانتماءاتهم للمجتمعات التي يعيشون فيها، ومن هنا ندرك أن الأمة الإسلامية تستطيع في هذا العصر أن تساهم باقتدار في تقدم عجلة الإنتاج وتوفير الرخاء والرفاهية للشعوب.

وشدد الدكتور السايح على أن المسلمين في هذه المجتمعات الأوروبية سواء كانوا من أبناء هذه البلاد من الذين اعتنقوا الإسلام أو من الذين هاجروا إليها من حقهم حسب القوانين الدولية وما منحهم الله سبحانه من تقدير واحترام للمجتمع الذين يعيشون فيه من حقهم أن يقيموا شعائرهم ويؤدوا مبادئ دينهم في غير خجل أو تأخير لأن الإسلام الحنيف وفر للأقليات الدينية التي تعيش في مجتمعات المسلمين كل حرية واحترام وتقدير والمسائل الآن في ظل تبادل المنافع والتواصل بين الشعوب أصبحت تدعو الناس إلى التأمل وأخذ الدروس المستفادة وربما كان هذا العصر الذي نعيش فيه يملك إقامة المشاريع النهضوية التي تداعب المجتمعات الإنسانية بالآمال في تحقيق التعاون والتبادل.

ويتفق معهما الدكتور أسامة السيد عبد السميع أستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة ويرى أن تقسيم العالم الآن إلى دار سلام ودار حرب لم يعد ملائما لان هذه المصطلحات الفقهية كانت تعبر عن مرحلة زمنية معينة وكانت هذه المصطلحات لها دلالتها قديما ولكن هذا التقسيم اصبح غير ذي جدوى الآن لافتا إلى انه يتحتم على العالم الغربي أن يفي بما تضمنته العهود والمواثيق الدولية من مبادئ حقوق الإنسان واحترام المسلمين وعدم إيذائهم لا بالقول أو الفعل وإلا أصبحت الدولة التي تؤذي المسلمين دولة معتدية وليس دار حرب ويجب الرد عليها بدون تجاوز وفى إطار ما يقره الإسلام وتعبر عنه مبادئ القانون الدولي الذي يصون الحريات.