عندما يهددنا السرطان .. هل يكفي العلاج الروحاني ؟

د. سامية العامودي مرت بالتجربة:

TT

سخونة الأحداث في لبنان، وتطورات الأوضاع السياسية في العراق وفلسطين، لم تكن الموضوعات الوحيدة التي استأثرت ببرامج القنوات العربية خلال الأيام الماضية. كان اللافت، أيضا، أن موضوع أمراض السرطان والعلاج الروحي حظي بحيز لا بأس به في أكثر من فضائية وجريدة في دول الشرق الأوسط.

والسؤال المتكرر في كل هذه البرامج هو هل يمكن للرقاة أن يقتلوا ذلك المجهول الذي عجز العلم الحديث أن يكتشف من أين يأتي، وكيف يصيب الخلية الحية. في هذا التحقيق نناقش حالة الحيرة التي يواجهها المرضى في اختيار طريقة العلاج سواء بالأدوية الكيميائية أو بالرقية الشرعية. والخطورة تكمن في أن معظم السعوديين يعتقدون بأن سبب مرض السرطان هو عين الحسود!.

تروي الطبيبة السعودية سامية العمودي، التي كانت لأسابيع حديث المجالس في السعودية، حاتها في مواجهة المرض، وتجربتها الثرية التي جعلتها تخرج بجواب عن سؤال محير، خاصة إذا كان الجواب هو حياة الإنسان وهو: هل يغلب العلم العلاج الروحاني؟ كيف وجدت نفسها تغرق ـ بحسن نية ـ في بحر من النصائح يقدمها المقربون منها باختلاف مستوياتهم الفكرية باللجوء أولاً إلى الرقية الشرعية، وكيف انصاعت لرغباتهم ببساطة مدفوعة بأمل الشفاء ليس من خلال المستشفيات كما اعتادت خلال حياتها المهنية، ولكن من خلال عالم واسع وغامض هو عالم «الرقية الشرعية».

وتصف العمودي كيف وجدت أن هناك من يقرأ بما لا يفصح عنه، ومن يقول لها بأن مرضها بفعل فلان وفلان، بل ومن ينصحها بترك العلاج الطبي والكيميائي بشكل خاص، وأن تكتفي بماء زمزم، ومن حاول أن يسوق لها علاجات مختلفة تحمل مسميات الطاقة، والطب البديل والمايكروبيوتيك، وغيرها، ومن يرقي بالرقية الشرعية الثابتة.

وقصة الطبيبة السعودية تلتقي كثيراً مع قصص وتجارب عديدة لمرضى بحثوا عن الشفاء في كل مكان بدءاً من عيادات الأطباء وانتهاءً بمكاتب الرقاة والطب البديل، وعلى الرغم من المفارقة التي يمثلها لجوء طبيبة لديها ثقافة طبية عالية إلى العلاج بصور أخرى غير التي اعتادت أن تصفها لمرضاها، إلا أنها تجيب بأن المريض يكون هشاً ويحتاج إلى أن يتعلق بأي سبب يوصله إلى الشفاء، «خاصة أننا مجتمعات متدينة ولديها ثقة وإيمان مطلق بالغيبيات مهما كانت الدرجة العلمية والمستوى الفكري للإنسان».

وهذا الإيمان تماماً هو ما يجعلنا مرشحين ببساطة للانخداع بمن يحاول إيهامنا بأنه قادر على شفاء السرطان، في حين أن العلاج الطبي يتكامل مع القراءة الشرعية وماء زمزم والحبة السوداء والعسل وغيرها من الأمور التي ورد فضلها في السنة المطهرة أو القرآن الكريم، وهو ما اكتشفته العمودي، من تجربتها الخاصة، وقررت أن تنشره في أوساط مجتمعها، «إلا أن الحديث عن الأمر يبقى شائكاً وذا حساسية عالية بسبب طبيعته الدينية».

* «رقاة» لمعالجة السرطان!

* الوصول إلى أحد المعالجين بالرقية الشرعية، الذين تحدثت عنهم الطبيبة السعودية ليس صعباً، فإما أن يتبرع بعض المعارف بإرشادك إلى أحدهم فور شيوع نبأ مرضك، أو أن تسأل لتجد الكثيرين على أهبة الاستعداد للإجابة، وفي حالتنا كان الأمر أيسر من ذلك، إذ استطعنا الحصول على أرقام الهواتف المحمولة وأرقام مكاتب مجموعة كبيرة من «الراقين» عن طريق الاتصال باستعلامات الهاتف السعودي.

المعالج طارق الشمري، الذي كان متشككاً ومتخوفاً من التحدث إلينا، بصفتنا الإعلامية، وصف نفسه بإيجاز بأنه مختص في رقية مرضى السرطان، وبأن خبرته في هذا المجال تفوق الـ 12 عاماً بدأها برؤية يصفها بـ«المباركة» أوحت له بامتلاكه لموهبة الرقية، ويعتقد الشمري الذي يحمل مؤهل شهادة الثانوية العامة اعتقاداً جازماً بأن الجان هو المسؤول عن تكون الأورام السرطانية في جسد الإنسان، ويدلل على ذلك بعدة تجارب قال إنه رآها بأم عينه وساعد أصحابها على الشفاء معتمداً على الرقية بماء زمزم والعسل وزيت الزيتون، إضافة إلى تلاوة آيات معينة من القرآن الكريم.

ويعتبر الشمري الذي لا يحمل بالمناسبة أي ترخيص لمزاولة «الرقية الشرعية» أن عمله نوع من العبادة والتقرب إلى الله عن طريق مساعدة المرضى والممسوسين على الشفاء بدون أن يتكبدوا مصاريف باهظة مقابلة «كما تفعل المستشفيات، وكل ما سيخسره المريض هو ثمن العسل وماء زمزم، إضافة إلى ما تجود به نفسه للراقي، «فأنا لا أطالب بمبلغ محدد وأقبل ما تجود به أنفسهم، وأعتبر عملي هذا تبرعاً لوجه الله لأن كثيرا ممن يلجأون إلي هم من الطبقات الفقيرة التي لا تملك ثمن العلاج». وإذا كان الرقاة الآخرون يختلفون عن الشمري، إلا أنهم يتفقون معه دائماً في إيمانهم بالقدرة المطلقة للعلاج «الروحاني» في شفاء أمراض عضوية، إضافة إلى سردهم لكثير من القصص لمرضى تماثلوا للشفاء على أيديهم وعن طريق الرقية فقط!!، وكأنها سيرة ذاتية لطمأنة وتشجيع من يبحث عن الشفاء، إضافة لمظهر جاد ومكتب مزدحم بالمراجعين والمرضى والباحثين عن الراحة النفسية والعمال والسكرتارية الذين يستعين بهم هؤلاء في تنظيم وتنسيق عملهم، خاصة أن الزحام على أبوابهم يكاد يفوق الزحام على عيادات الأطباء، وبعضهم يشترط الحجز المسبق، والدفع المسبق للاستشارة، في حين يمنح البعض المريض الزيارة الأولى استشارة مجانية ويتقاضى ثمن بقية المراجعات.

* رئيس وحدة الدم والأورام بتخصصي جدة: الروحاني مكمل للطبي

* الدكتور محمد بيومي رئيس وحدة الدم والأورام وزراعة النخاع للأطفال بمستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة، يؤكد من وحي تجربته العملية، تعلق كثير من المرضى وخاصة مرضى السرطان بالعلاج الروحاني واعتقادهم فيه بشكل كبير ولا سيما في المجتمعات الشرقية والمجتمع السعودي بشكل خاص، وعزا ذلك إلى التأثير الكبير للثقافة الدينية.

واعتبر بيومي أن لجوء المرضى إلى العلاج الروحاني المتمثل في الاستغفار وقراءة القرآن وشرب ماء زمزم، ذا أثر كبير في تحسين الحالة النفسية للمريض، وأعطاءه الأمل بأن الله قادر على شفائه وبالتالي إكسابه القوة لمقاومة المرض، وهو مكمل للعلاج الطبي. وقال بيومي «على الرغم من أن بعض الأهالي يبدون مقاومة في البداية لخضوع مريضهم للعلاج الكيماوي مثلاً ويعتقدون أن الطب البديل أو العلاج بالرقية قد يشفيه، إلا أنهم يرضخون للواقع في النهاية، ونادراً ما نرى أشخاصاً ينسحبون من العلاج الاعتيادي للاكتفاء بالعلاج الروحاني».

وكشف بيومي عن أن الكثير من مرضى السرطان وأهاليهم في المجتمع السعودي لديهم اعتقاد شبه جازم بأن سبب السرطان هو العين أو الحسد، «ربما بسبب فشل العلم في معرفة السبب الحقيقي وراء النمو السرطاني للخلايا لحد الآن» كما قال، إلا أنه يؤكد أنه وإن كان يؤمن شخصياً بالحسد لأنه ذكر في القرآن، لكنه في الوقت نفسه لا يستطيع الجزم إذا ما كان سبب هذا المرض هو الحسد والعين أو غيره، وبالتالي فهو يوجه المرضى وأسرهم المسكونين بفكرة الحسد والعين بأن هذا ممكن، ويلفت انتباههم إلى أن هذا المرض منتشر في أماكن كثيرة في العالم وبالمعدلات ذاتها وليس مرتبطاً بالسعودية خاصة والمنطقة العربية، فمن المهم إذاً أن يتابع المريض علاجه في المستشفى، مع الإيمان بالله والتقرب إليه وتقوية الجانب الروحاني لديه.

* لا تعارض بين الإثنين

* عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبد الله المطلق، أكد بدوره أهمية السعي إلى العلاج بنوعيه الروحاني والمادي، وقال «العلاج مطلوب والنبي عليه الصلاة والسلام قال : تداووا عباد الله ولا تداووا بحرام» فالبحث عن العلاج عند الأطباء المختصين مستحب وهو من فعل الأسباب، والله عز وجل هو الذي خلق الأمراض وخلق أسباب الشفاء، ومع ذلك فإن الرقية والاستشفاء بالقرآن والأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم هي من أسباب التداوي والشفاء، وهناك الكثير من الأحاديث التي رواها البخاري في صحيحه تؤكد وتدعم هذا».

ويرى المطلق عدم تعارض العلاج بالرقية مع العلاج الطبي والعلمي الحديث، وفعالية كل منهما في العلاج وينصح بالجمع بينهما بقوله «الإنسان لا يعلم أين يكون الدواء، فالرقية قد تكون السبب الوحيد للشفاء، كما يمكن أن يكون العلاج بالدواء هو السبب الوحيد ويمكن أن يكونا معاً، ولذلك على الإنسان أن يلجأ إليهما معاً».

وعلق المطلق على ظاهرة «الرقاة» الذين يزعمون مقدرتهم على شفاء أمراض مستعصية مثل السرطان والإيدز وغيرهما بالاكتفاء بالرقية الشرعية فقط بقوله «لا يجوز للراقي أن يطلب من المريض ترك تناول العلاج الذي يصفه الأطباء المهرة الذين درسوا في الجامعات واختبروا فعالية أدويتهم في المختبرات، وتكونت لديهم تجارب طويلة وعميقة في معالجة الأمراض».

واتهم المطلق هؤلاء الرقاة بقلة المعرفة الفقهية، والحرص على التكسب المادي من خلال الرقية الشرعية، وقال «هؤلاء الرقاة الذين يستهينون بخبرة الأطباء هم أقل الناس حظاً من الفقه، وفي الغالب هم الذين يبحثون عن المال ولا تهمهم صحة المريض، وإلا فما أحسن أن تجتمع الأسباب الروحية والمادية فتجتمع القراءة مع العلاج الذي يوصف في المستشفيات. والرقاة الحقيقيون الذين جمع الله لهم بين العلم الشرعي والديانة هم من ينصحون المرضى بالجمع بين العلاج الروحي والمادي ويذكرونهم بأن كل هذه أسباب وأن الله هو الشافي».