محمد عبد المنعم البري لـ الشرق الاوسط : الإرهاب هو قتال كقتال «السكارى» لا هدف له

الرئيس الأسبق لجبهة علماء الأزهر: الحاكم المسلم يحقق للأمة ما لا يحققه جيش من الدعاة

TT

شدد الدكتور محمد عبد المنعم البري، الرئيس الأسبق لجبهة علماء الأزهر، في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» في القاهرة على أن الإسلام له منهجه المتميز في التغيير والاصلاح، فهو يرفض العنف والثورات واللجوء الى القوة ويؤمن بأن التربية هي السبيل الى اصلاح الاوضاع في العالم الإسلامي، فهي منهج للانتقال من وضع لآخر بالتدريج وبدون خسائر، لافتا الى أن بعض التيارات في البلاد العربية والاسلامية الرافضة للاجندة الغربية بدأت تطرح بدائل أخرى للإصلاح تنبع من داخل تلك البلاد وتتفق مع قيمها وتقاليدها.

وانتقد الدكتور البري بعض علماء الدين، مشيرا الى انهم غرروا بالشباب ففقد الثقة بهم وبنفسه. وتطرق الحوار الى قضية تحديث الخطاب الإسلامي وعدد من القضايا الأخرى.. وهنا نص الحوار: > على مدار القرن الماضي طرحت مشروعات ووجهات نظر عديدة لاصلاح الاوضاع في العالم الاسلامي، فالبعض يرى ان التربية هي الحل، في حين يؤمن آخرون ان الثورات والانقلابات واللجوء الى القوة والعنف اكثر فاعلية في تغيير الاوضاع، ما تقييمك لتلك التوجهات؟ وما هو المنهج الامثل للتغيير من وجهة نظرك؟

ـ إصلاح الأوضاع في العالم الإسلامي يبدأ من الفرد، وهذا أكده الإمام مالك بن انس في قوله «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صَلُحَ به أولها»، وقد صلح أولها بالتربية على العقيدة الصحيحة، فقد كان المسلمون الاوائل قلة صابرة صامدة مخلصة تسودها روح الحب والاخاء فنصرها الله على الكثرة الكافرة، وهذا امر مثير للدهشة والغرابة. وقد اشار الى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبي للغرباء»، قالوا: يا رسول الله وما الغرباء؟ قال: «الذين يصلحون عند فساد الناس». ومعنى غرباء يختلف عند قصار النظر عن معناه عند اهل الخبرة وعند المتعمق في دراسة التاريخ الاسلامي؛ فقصار النظر يقولون غريبا بمعنى هزيلا ضعيفا، وهذا بعيد عن الواقع لان معنى كلمة غريب اي مثير للدهشة والعجب لانتصار الاسلام وهيمنته رغم قلة عدد أتباعه في زمن قياسي وجيز لا تبنى فيه امم او دول وقد تحققت بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عهد عمر بن الخطاب، فقد قال: «اذا هلك كسرى فلا كسرى بعده واذا هلك قيصر فلا قيصر بعده».

> هل تقصد انه لا توجد قلة مؤمنة مخلصة تستطيع نصر دين الله والارتقاء بأوضاع الشعوب الإسلامية رغم كثرة عدد المسلمين في هذا العصر وكثرة مساجدهم واموالهم وثرواتهم؟ ـ وجود هذه القلة بشر به النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «لا تزال طائفة من امتي يقاتلون على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة»، فالقلة المؤمنة موجودة في هذا العصر لكن الاضواء لا تسلط عليها في حين تسلط على فئات المجتمع الأخرى. وقد كان عبد الله بن المبارك يقول: «لو كان لي دعوة مستجابة لخبأتها للحاكم أو للأمير لان بصلاحه تصلح الامة واذا اراد الله بهذه الامة خيرا قيض لها من يأخذ بيدها نحو الخير والسعادة». وقد كان عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: «ان الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» اي ان الله يحقق العزة والنصر لدينه على يد الحاكم المسلم المتمسك بدينه ما لا يقدر جيش من الدعاة ان يحققه في مدى بعيد.

* العنف ومنهج الإسلام في التغيير > هل معنى ذلك ان المنهج الاسلامي في التغيير يرفض العنف والثورات والانقلابات؟

ـ المنهج الإسلامي تربوي النشأة ويرفض العنف تماما لان العنف وليد الجهل والعجلة ولا يولد الا الحسرة والندامة. فاذا جئت ببيضة طاووس وأردت أن يخرج منها الفرخ فما عليك الا ان تهيئ لها المناخ فقط، فاذا حان الوقت خرج باذن الله اما لو تعجلت وكسرت البيضة فسوف يموت الفرخ. أيضا نصرة الإسلام تحتاج الى أن يهيئ العباد أنفسهم، وان يستدروا عطف الله ونصره، وذلك بطرق أبوابه بركعات في جوف الليل وبالعود الحميد الى ساحة رضوانه ورحمته. والتغيير يكون باذن الله ولا تستطيع قوة في الارض ان تفعل شيئا الا بقدر الله «انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون».

* شيء من الثقافة > ماذا تقول اذن للذين لجأوا الى القوة والعنف وقدموا تبريرات كثيرة لهذا المسلك كقولهم ان التربية ليست مجدية، وان القوة هي السبيل الوحيد لقيام الدولة الاسلامية، وان المجتمع يعيش في جاهلية مثل تلك التي كان يعيشها العرب قبل الاسلام؟

ـ هؤلاء الشباب كانوا في حاجة الى شيء من الثقافة والفكر، وقد وقعوا في تلك الكارثة نتيجة الجهل وقصر النظر وعدم وجود العالم المصلح الذي يطمئن اليه الشباب ويلتفون حوله. وقد اعتمد هؤلاء على أحاديث ضعيفة وجرفهم تيار الغيرة الاسلامية واستعجلوا النصر فشوهوا صورة الاسلام وجنوا عليه واشمتوا فينا الأعداء. وللقضاء على هذه الظاهرة لابد من وجود العالم الثقة الذي يخرج عن كيد وبطش السلطة الحاكمة حتى يثق به الشباب لان العالم المنزوي تحت لواء السلطة يفقد ثقة الشباب ولابد للسلطة المسلمة ان تتخلى عن حروبها مع العلماء المخلصين حتى يكونوا الحاجز والمانع للشباب المتحمس من اية تصرفات طائشة.

* إصلاح من الخارج أم الداخل؟ > هناك دعوات تأتي من الخارج للتغيير واصلاح اوضاع العالم الاسلامي فما زالت الدعوات الاميركية لتجديد الخطاب الديني وتغيير المناهج الاسلامية تتردد بين الحين والاخر كيف نواجه هذه الدعوات؟ ـ للأسف استجابت للدعوات الاميركية بعض الدول الاسلامية وهذه الدول يصدق عليها قول الله تعالى: «فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى ان تصيبنا دائرة فعسى الله ان يأتي بالفتح او أمر من عنده فيصبحوا على ما اصروا في انفسهم نادمين»، فكثير من المسلمين الآن يلهثون خلف الاميركان ونسأل الله ان يخيب ظن هؤلاء ويأتي بنجدة من عنده للضعفاء والمستضعفين من عباده لخير أمة أخرجت للناس وما ذلك على الله بعزيز.

* تحديث الخطاب الديني > كثر الحديث عن تجديد الخطاب الديني وتحديثه، فما هي أهداف هذه الدعوة وما معنى تحديث الخطاب الديني؟ ـ الغربيون يريدون خلع البقية الباقية من الإسلام وترويض المسلمين والقبول بالخمر والزنا وإعطاء الضوء الأخضر لكل من يرغب في ارتكاب الكبائر وإهمال جوهر الدين. ونحن نقول اذا كان تحديث الخطاب الديني معناه الترقي وأن يستعين الدعاة بالمنافذ الإعلامية الحديثة فمرحبا به، أما اذا كان على سبيل التفريط في الأمانة فنحن مفرطون أصلا وهذا يعد خيانة للأمانة. > عندما يعارض العلماء التغيير الوافد من الخارج يُتهَمُونَ بالجمود وعدم مواكبة التطور، فما هو تعليقك؟ ـ الإسلام فيه الثوابت والمتغيرات؛ الثوابت وردت فيها نصوص صريحة في القرآن الكريم والسنة النبوية. أما المتغيرات فهي تتغير وتتبدل مع تغير العصر وتحتاج الى اجتهاد العلماء لوضع القوانين والنظم الاسلامية التي تحكمها وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الله أحل أشياء وحرم علينا أشياء وسكت عن اشياء رحمة بنا؛ فمن الثوابت المحرمات الزنا وقتل النفس وشرب الخمر. ومن الثوابت التي اقرها الاسلام ايضا ان نصيب المرأة في الميراث نصف نصيب الرجل وشهادة المرأة تعادل نصف شهادة الرجل فهل يستجيب العلماء حتى لا يتهموا بالجمود اذا طالبهم المستنيرون من هنا او هناك بتحليل الزنا وشرب الخمر وهتك الاعراض او تغيير شرع الله او مساواة المرأة بالرجل في الميراث والشهادة واذا كان هذا في نظر الغربيين ومن تابعهم في بلادنا جمودا فمرحبا به، ونحن نعلن اننا في الصف الاول من صفوف الجامدين. واذا كان الدفاع عن ثوابت القرآن وثوابت الرسالة الخاتمة جمودا فنحن لا ننكر هذه التهمة ان كانت تهمة ونحن لن نفرط ابدا في اخلاقنا او في آداب ديننا ولن نتزحزح عن ايماننا بمبادئنا وثوابتنا. للأسف الواقع الديني الذي نعيشه اصبحت فيه الجرأة على الله ورسوله وعلى ثوابت الاسلام مثيرة للاشمئزاز كما لم يعد في جعبة الغربيين ومن تابعهم من بني جلدتنا غير الهجوم على الاسلام.

* وصمة عار > بالنسبة للدعاة المسلمين الذين يذهبون الى الدول الغربية الآن، وانت واحد منهم، هل بمقدورهم في ظل هذا المناخ المتوتر تحسين صورة الاسلام والمسلمين هناك؟ ـ العلماء يبذلون ما يستطيعون من جهد في هذا الصدد ويحاولون تصحيح الاخطاء ونشر الحقائق وبيانها لكل من يحتكون به، فعلى سبيل المثال حضرت لقاء وكان بدعوة من رئيس المحاكم ورئيس القضاة واعضاء الكونجرس في ولاية كاليفورنيا وغيرهم من الاعلام والمفكرين، وكنا نجلس إلى طاولة متقاربين، وهؤلاء شاركونا في موائد افطار رمضانية وكل داعية يجلس إلى منضدة كبيرة. واذكر انه كان بجانبي قضاة ورؤساء محاكم في الولاية، وشرحت لهم حقيقة الاسلام، فقالوا ان هذه المعلومات لاول مرة نسمعها، وتمر على خواطرنا عن الاسلام والمسلمين، وذكرت لهم اننا عندما نقارن بين موقف الاميركان من أسرى قلعة «غانجي» في افغانستان الذين قدموا سلاحهم للاميركان على أمل أن يطبقوا عليهم معاهدات جنيف بشأن التعامل مع الاسرى وعلى اساس ان الاسير انسان خلع ثوب الحرب والعداء وسلم نفسه. ومع ذلك قام الاميركان بضربهم بسيل من الرصاص في رؤوسهم وقتلوهم شر قتلة، ايضا ما فعله الاميركان مع اسرى العراق في سجن «ابو غريب» أو الاسرى في سجن غوانتانامو لا يصدر عن دولة تزعم انها رائدة الحرية في العالم. وعندما نقارن بين هذا المنظر لدولة الحرية وتمثال الحرية وبين آية شريفة واحدة في سورة الانسان في القرآن الكريم، يقول فيها الله سبحانه وتعالى: «ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا» اي ما كان يشتهيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يقدم للأسرى، وذلك دون انتظار شكر او جزاء من الاسرى او من غيرهم لان هذا فريضة يفرضها القرآن وأدب فرضه ملك الملوك على خير أمة أخرجت للناس، فهل هناك مجال للمقارنة بين الواقع المرير والصورة المخزية التي تمثل وصمة عار في جبين الحضارة والحرية والكرامة الادمية، وقد قمنا بمقارنات كثيرة ورأيت هؤلاء الاميركان يمضغون الحسرة بسبب ما وصلت اليه حضارتهم وما ورطتهم فيه بلادهم وحكوماتهم.

* جرح فلسطين > في ظل هذا الحوار مع الغرب او التوتر، يذكر البعض بقضية الشعب الفلسطيني الذي يواجه ذل الحصار والتجويع، فكيف ترى المشهد الاسلامي ازاء هذه المأساة؟ ـ المسلمون الآن ليس لهم صدر حنون يلوذون به، وليس لهم ملجأ إلا عدالة السماء وقدرة الله الجبار القاهر، ولو صدقنا الله النية لتغير وجه التاريخ وإذا كان الصهاينة يمتلكون الأسلحة المتطورة، فنحن نمتلك الروح المعنوية العالية ونمتلك اليقين والثقة بعدالة السماء ونجدة الله للمستضعفين والثأر للأطفال والأرامل واليتامى، والله الذي قصم ظهور عاد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود، قادر على ردع الصهاينة وان يجعل منهم عبرة للأميركان وحماقتهم ولليهود وصلفهم وغرورهم وطغيانهم والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ونحن ننتظر نجدة السماء، فليس لنا ملاذ أو ملجأ إلا الله سبحانه وتعالى، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. جهاد أم إرهاب.. وقتال السكارى > في ظل الحديث الكثير عن الارهاب، وكثرة الامثلة عليه، يدور جدل حول توصيف الفعل الفلسطيني لدى بعض جماعات المقاومة، وشتى صيغ العمل العسكري، لكن هناك من يرى أنهم منتحرون وارهابيون، فما هو تعليقكم على ذلك، وما هي امثلة العمل الارهابي؟ ـ المقاومون الفلسطينيون باعوا كل شيء ووهبوا أنفسهم لله وندعو الله أن يجعلنا معهم يوم القيامة وان يرزقنا الشهادة في سبيله في تلك الساحة الطاهرة المباركة. أما الذين يتهمون هؤلاء الاستشهاديين بأنهم ارهابيون فنقول لهم هل قتل وإبادة الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين والمسلمين في البوسنة والشيشان وكشمير إرهاب إسلامي أم إرهاب أعداء الإسلام. الإسلام فيه سماحة لا نظير لها في أي دين آخر. يكفي ان هناك سورة في القرآن تسمى سورة الإنسان ـ مطلق إنسان ـ مهما كان دينه ومهما كانت عقيدته ولو جاء هذا الإنسان أسيرا في ديار الإسلام يُعامل معاملة الأسد في القفص له وجباته الثلاث ويشرب ويأخذ كل حقوقه ولا يمنع عنه الماء أو يحرم من الزاد ولا يهان. وفي ذلك يقول الله تعالى: «ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا». وهذا الأسير رغم انه عدو كافر، فالقرآن يمتدح من يتصدق عليه ويطعمه ويسقيه، أما الإرهاب فهو قتال السكارى ليس له هدف ولا غاية. أما رد الظلم والتصدي للظالمين فلا يتنصل منه إلا خنزير لأنه لا يغار على دمه وعرضه، والإرهاب لا ينطبق على كفاح الشعب الفلسطيني ومقاومته ضد الصهاينة لأن هذا الكفاح يهدف الى تحرير الأرض وطرد الاحتلال واستعادة المقدسات الإسلامية. > برأيك، عقدة النصر المفقود تتحكم في كثير من نقاشات المسلمين، كيف يتحقق هذا النصر؟ ـ نصر الله يأتي في لمح البصر، فعلى سبيل المثال يقول تعالى: «فآتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار» والله قادر على تدمير المفاعلات النووية في مواقعها وأن يرسل الرياح والعواصف المدمرة على أميريكا وكل القوى الظالمة التي تتجرأ عليه سبحانه وتعالى بشرط أن نُعِدَّ أنفسنا لنصبح أهلا لنصر الله.