الشيخ صالح السدلان لـ الشرق الاوسط: لا يجوز الدعاء على المسلمين وأيضا لا يجوز نقد السلوكيات المنسوبة للدين بقالب كوميدي

بعد الاحتجاجات والجدل على حلقة «إرهاب أكاديمي» في مسلسل «طاش»

TT

أشعلت إحدى حلقات السلسلة الكوميدية السعودية الشهيرة «طاش» والتي كانت بعنوان «إرهاب أكاديمي»، الخلاف بين أطياف المجتمع السعودي على مختلف تياراته منذ مضى اليوم الأول على بثها ما بين مؤيد لطرح الحلقة، وينسب المؤيدون للتيار«العلماني»، ورافض وناقم على الحلقة ينسب للتيار «الأصولي»، لتتعالى بذلك مكبرات عدد من المساجد أثناء دعاء القنوت الرمضاني في صلوات التراويح باللعن والدعاء بالفناء والانتقام الإلهي بـ«تجميد الدماء في عروق» نجمي «طاش» والقائمين عليه، صاحبت ذلك مطالب من البعض بإصدار فتوى رسمية بضرورة مقاطعة جميع الشركات الداعمة للمسلسل، ليتعدى الأمر، كما أشيع، إلى تهديد «النجمين» بالقتل وقطع اللسان إلى جانب تبرع أحد «المتشددين» بتفجير نفسه بينهما، نيلا للثواب، كما جاء عبر مواقع الشبكة العنكبوتية.

نقد سلوكيات نسبت إلى الدين وبقالب كوميدي ساخر كما برره معدو الحلقة والممثلون، فسره معارضون بأنه استهزاء بـ«الثوابت» الدينية والمقدسات الإسلامية كـ«الجهاد» و«الهجرة» وأيضا ببعض المظاهر الإسلامية مثل استخدام «السواك»، كل ذلك أثار قضية تتلخص في التالي: هل يجوز نقد ممارسات جماعات منسوبة للدين في إطار ساخر وكوميدي كما يحصل من خلال الدراما العربية؟

حول ذلك قال الشيخ صالح السدلان، عضو هيئة كبار العلماء في السعودية، وعضو هيئة التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، في حديث مع «الشرق الأوسط»، إنه من الضروري الحذر من طرح قضايا لها صلة بالسلوكيات الدينية من قبل بعض المنتسبين للدين، والذين قد تصدر منهم تجاوزات لنظام أو عادات، في إطار مضحك، لما في ذلك من مساس للدين بصورة مباشرة.

وبين السدلان أن من يخاف على دينه وعقيدته يتعين عليه أن يكون بعيدا كل البعد عن طرح وتناول مثل هذه القضايا بهذه الطريقة، خصوصا أن ما يرصد ليس سوى سلوكيات لأفراد محدودين.

واضاف السدلان: أنصح بالابتعاد عن إضحاك الآخرين من خلال هذا الأسلوب، وأحذر من عواقبه التي قد تقترب إلى حافة الاستهزاء بالدين والذي يوصل صاحبه إلى الكفر. إلا أن عضو هيئة كبار العلماء لم يجز دعاء بعض الأئمة على «الممثلين» من خلال قنوتهم في صلاة التراويح سواء أدخل «الممثلون» في المحظور أم لم يدخلوا فيه، واعتبر ذلك تصرفا مجافيا للصواب، مفيدا بأن على السلطات الرسمية إيقاف كل من هدد بقتل أحد من الممثلين أو غيرهم، حيث أن التحريض على القتل، كما قال، محرم شرعا، كما أنه ممنوع نظاما. من جانبه قال الشيخ عبد الله بن بيه، عضو المجمع الفقهي في مكة المكرمة، إنه من حيث المبدأ، فإن نقد الدين الصحيح أو الاستهزاء والسخرية منه، من الأمور المحرمة قطعا، وعلى فاعلها إثم عظيم، وأما في ما يتعلق بنقد لممارسات غير دينية، أي ليست من الدين الصحيح، أو إدخال ما ليس في الدين بالدين فالظاهر أنه أمر جائز.

وأضاف الشيخ بن بيه أن انتقاد هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي هي ليست معصومة عن الخطأ كما ذكر، لا يجوز أن يكون إلا بأسلوب رصين، وعقب التحري من المصداقية في بعض القضايا للابتعاد عن خطيئة القذف والتشهير. وأوضح أن الانتقاد لا يكون إلا لتقويم الأفعال وليس لإشاعة الفوضى في المجتمعات، معتبرا أن اللجوء للنمط الكوميدي الساخر لنقد تصرفات منسوبة للدين أمر لم تعتده المجتمعات الإسلامية، مما قد يترتب عليها مفسدة تخرج النقد عن سياقه ليصبح نوعا من التجريح.

وشبه بن بيه النقد في هذه الحالات كالسير على الأشواك، وقد يشتم منه «خضوع لبرنامج دولي يحاول النيل من الإسلام وبعض مؤسساته»، وهذه الرائحة هي ما قد «يثير الإشكاليات ويؤججها». وفي السياق ذاته بين زين العابدين الركابي، المفكر الإسلامي، أن الحياة ليست عبوسا شاملا حيث تصبح بذلك حياة غير محتملة وغير مطلوبة، ومن أجل ذلك فالإنسان ميال بطبعه دوما إلى الترويح والترفيه والبحث عن النكتة والتظرف، مفيدا بأن لكل عصر أساليبه الترويحية، و«الكوميديا» أسلوب هذا العصر. وأوضح الركابي أن للكوميديا مجالات شتى من بينها النقد لأداء سلوك أي إنسان، غير مستثن الأداء الديني من ذلك باعتباره اجتهادا بشريا غير معصوم، محددا نقد الأداء الديني بشروط ثلاثة:

أولها اجتناب الظلم، وثانيها الابتعاد عن التحقير، وثالثها المحافظة على (إنسانية) الشخصَ المنتَقَد. وأوضح أن «المتنطع» نفسه إنسان ينبغي أن تراعى حقوقه وتحفظ، مضيفا أن في التراث الإسلامي نفسه نقد صارم للتنطع والمتنطعين، بيد انه لا يتجاوز تلك المعايير.

وأشار الركابي الى انه ولكي تظفر الكوميديا باحترام فكري واجتماعي أوسع ينبغي تضمين «النقد» لمحة جميلة للسلوك الديني المعتدل كي لا يفهم نقدها بأنه جزء من خطة الهجوم على الإسلام والمسلمين، بالإضافة إلى عدم إدراج النقد في خانة السفاهة والتي يسقطها المجتمع من الحساب بما في ذلك من تفريق ما بين السلوك المتزمت والسلوك المعتدل من قبل المشاهدين. وتابع الركابي شارحا أنه كما أتيح للناقد الكوميدي نقد «التنطع» فيجب عليه هو نفسه تقبل نقد أعماله، فهي أيضا غير معصومة بطبيعة الحال، وسواء أصدر هذا النقد في الصحافة أو الإنترنت أو المسجد أو أي منبر آخر فينبغي تقيده بالشروط الثلاثة من اجتناب للظلم والتحقير والمحافظة على الإنسانية.

وفي رد على مسألة التحفظ الاجتماعي السائد لتناول الدراما للظواهر والسلوكيات المرتبطة بالدين، ذكر محمد المحمود، الكاتب السعودي في القضايا الإسلامية، أن المعضلة تتجزأ إلى ثلاثة فروع:

أولها نقد لظواهر لا تختص بالدين الإسلامي وحده كـ«اللحية» وغيرها، ووصفها كرمز ديني لا يعني الاشتباك مع الدين باعتبارها من المشترك الإنساني.

وثانيا، بوجود قضايا هي في ذاتها دينية إسلامية كـ«الجهاد» فيكون النقد الموجه إلى طريقة الممارسة والتوظيف، وهو ما لا يعني نقد الشعيرة الإسلامية بحد ذاتها، مفيدا بأن «المتشددين» يحاولون دوما ربط أي ممارسات بالشعيرة الأساسية لإثارة المشاعر الدينية. وأخيرا، تحول الدين إلى نقطة تجاذب ما بين التيار «الأصولي» الذي يسعى إلى جعل الدين قضية، والتيار «الليبرالي» الذي يرغب بنزع الصفة الدينية عن بعض الظواهر مما يقود في النهاية إلى اشتباك كلا الفريقين.

وفي ما يتعلق بدور المساجد، التي ساهم عدد من خطبائها في تأجيج الصراع الأخير، أوضح محمد المحمود سيطرة تيار معين طوال وقت طويل على المسجد على العموم من خلال توظيف الرمزية القدسية، جاعلا لمقولاته قدسية دينية، في الوقت الذي غابت فيه عنه سيطرة الإصلاحية أو التقدمية الدينية، مقتصرا (المسجد) على الخطاب الديني التقليدي المحافظ.

ويعتقد المحمود أن هناك خطابا دينيا تحريضيا يسعى دوما إلى استغلال شهر رمضان الكريم والأوقات الفاضلة دينيا، من خلال استخدام مواقع الإنترنت وبعض الفضائيات، ولا يواجه إلا من خلال خطاب ديني رسمي (المؤسسة الدينية الرسمية) يحاول بحسبه «التعقلن» وذلك لصفته الرسمية، إلا انه لا يبادر بوضع حد للخطاب التحريضي، مشيرا إلى وجود نقاط التقاء في بعض المفاهيم ما بين الخطابين.