علماء ومفكرون إسلاميون مصريون لـ الشرق الاوسط : لا أزمة لدينا في التسامح لكن من حقنا رفض إساءات الغرب لديننا ورسولنا

عاشور والبدري والعوا يرفضون اتهام المسلمين بالتعصب:

TT

نفى علماء دين ومفكرون أن تكون لدى المسلمين أزمة فيما يتعلق بقيمة التسامح في ضوء تكرار الاحتجاجات الإسلامية على التطاول على الإسلام والنبي محمد (ص) سواء بالقول في محاضرات وندوات أو بالأعمال الفنية والأدبية والفكرية مثلما حدث أخيرا في أزمة الرسوم المسيئة للنبي (ص) في الصحافة الدنماركية وغيرها وكذلك تصريحات بابا الفاتيكان المسيئة للإسلام، مشيرين إلى أن منظومة قيم التسامح والعفو في الإسلام أصيلة ولن تتأثر بأي حدث لارتباطها بالوحي الإلهي وانطلاقاً من غاية الرسالة الإسلامية في نشر الفضائل وتنمية القيم الدينية والإنسانية في نفوس المسلمين. وأضافوا أن الإسلام يقدس حرية الفكر والتعبير في مختلف المجالات استنادا لقوله تعالى في القرآن الكريم «أولم يتفكروا». و«أفلم يدَّبروا»، مؤكدين أن هناك فرقا بين حرية الفكر والتعبير في الإسلام وحرية التجريح والتشكيك في الثوابت الدينية. ويعلق الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر السابق عضو مجمع البحوث الإسلامية على مدى تأثير التطاول على الإسلام، على قيم التسامح، قائلا: «إن الإسلام جاء بقيم مُثلَى لإصلاح البشرية ونشر الفضائل؛ وعلى رأس هذه القيم قيمة التسامح والعفو والصبر على الأذى، موضحا أن التسامح معناه قبول الآخر المختلف معنا في الدين والتعايش معه بسلام وعدم الإساءة إليه أو الانتقاض من حقه وذلك لأن الإسلام أمرنا بذلك حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم «ومن آذى ذميا كنت خصمه أو حجيجه يوم القيامة». ويتابع الشيخ عاشور قائلاً «إن التسامح الإسلامي مع غير المسلمين جعل أهل مصر قديما يرحبون بالفتح الإسلامي لأنهم رأوا فيه طريقا للخلاص من قهر الرومان». ويرى الشيخ عاشور أن من أبرز صور التسامح الإسلامي أن ديننا أمرنا ألا نتناول عقائد الآخرين بالتجريح أو الازدراء لأن الإسلام يؤمن بالتعددية الدينية والسياسية والفكرية وكذلك أمرنا بألا نكره أحدا على الدخول في الإسلام، قال الله تعالى «لا إكراه في الدين».

وأضاف الشيخ عاشور أن التسامح ليس معناه أن تنال من حياتي وقلبي، أي ديني بحجة حرية التعبير أو الرأي، هذا يعد إجراما وخروجا على المثل والقيم الإنسانية والشرائع السماوية.

ويتابع الشيخ قائلاً: التاريخ يشهد وكذلك بعض كتاب أوروبا المنصفين بأن المسلمين كانوا يمثلون قمة التسامح قديما وحديثا لأن دينهم يأمرهم بهذا لقول الله «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم..».

وأضاف الشيخ: أن حرية التعبير والفكر مكفولة في الإسلام لكن حرية التجريح والتشكيك في الثوابت الدينية مرفوضة فهل عندما يخرج علينا من يسفه الإسلام أو ينال منه، كما حدث أخيرا من بابا الفاتيكان أو الرسوم المسيئة لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، في الصحافة الدنماركية وغيرها من الصحف الأوروبية أو ما نسمعه كل يوم من افتراءات وأكاذيب لتشويه صورة الإسلام، سواء في المناهج الدراسية في الغرب أو المنابر الإعلامية، هل يطالبني أحد بأن أتسامح مع من ينال من عقيدتي، هذا لم يقبله أي عقل سليم والمسلمون ليس لديهم عداء أو عنصرية ضد اتباع أي عقيدة. والتاريخ يشهد بذلك، عملا بقول الله تعالى «وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، وهذا يدل على أن المسلمين دائما في تواصل وتكامل وتعايش مع الآخر ولكن الآخر هو الذي يسيء إليهم.

وتساءل الشيخ: هل يقبل أحد في الدنيا أن يساء إلى عقيدته مهما كانت ويسكت؟ كلا فالمسلمون لم يعادوا أحدا، ولم يتعصبوا ضد أتباع أي ديانة أخرى إنما الآخر هو الذي يبدأ بالعداء والتعصب والعنصرية ويدعو إلى صراع الأديان والحضارات.

من جانبه قال الشيخ يوسف البدري، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في القاهرة: إنني مندهش من الاتهامات الموجهة للإسلام والمسلمون بأنهم ضد حرية الفكر والتعبير والإبداع أو أنهم أناس غير متسامحين تجاه ما يصدر من تصريحات أو كلام فيه مساس بثوابتهم الدينية. وعموما فإن التسامح الذي يطلبه الآخر من المسلمين عندما يتعمد الإساءة إلى عقيدتهم ورموزهم الدينية إنما هو منتهى الذل الذي لا يرضى به إنسان على ظهر الأرض.

وأضاف أن المسلمين ليست لديهم أزمة تسامح إنما عندهم نزف تسامح فلا داعي لذكر أمثلة ونماذج على ذلك. وتابع الشيخ البدري قائلاً: هناك فرق شاسع بين حرية الفكر والتعبير وبين حرية الكفر والتطاول على المقدسات والثوابت الدينية؛ فالإسلام أول دين سماوي كفل للإنسان حرية التعبير والإبداع واعتبر هذا حقا لا يجوز المساس به وحرية الفكر والإبداع التي دعا إليها القرآن والسنة النبوية في نصوص عديدة قدمت للبشرية ثمارا طيبة أبدعها علماء المسلمين من نهضة حضارية وعلمية كانت البذرة الأولى التى أخذ عنها الغرب حضارته ونهضته وتقدمه بعدما صارت الكنيسة في أوربا تحارب العلم وتفرض قيودا شديدة على حرية الفكر والإبداع، وهذا ما يشهد به التاريخ. وأضاف أن ما شاهدناه في الفترة الماضية من مظاهرات شعبية واحتجاجات من كافة الشعوب الإسلامية ضد الهجوم السافر على الإسلام تحت شعار حرية التعبير والرأي دليل على عظم الإساءة البالغة التي وجهت للمسلمين في أعز ما يملكون، فهذه الاحتجاجات حق مكفول للبشر إذا تعرضوا للإيذاء والازدراء والتجريح وذلك لا يقلل أبدا من قيم الإسلام التي تنادي بالتسامح والعفو.

من جانبه، يقول المفكر الإسلامي الدكتور محمد سليم العوا، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ليس عند المسلمين أزمة تسامح أو تعايش مع الآخر أو قبوله لأن ديننا يفرض علينا ذلك. أما إذا كنا بصدد الحديث عن أزمة في التسامح فإنني أرى أن هذه الأزمة لدى الآخر الذي يعتنق فكرة الإقصاء، والذي يرفض منطق العقل والحوار والتسامح في العلاقات الإنسانية. وأضاف أن حرية التعبير والفكر في الإسلام ليست مجرد شعارات إنما القرآن الكريم والواقع يشهد بذلك، مؤكدا أن حالة الغضب والاحتجاجات العارمة التى شهدها العالم الإسلامي نتيجة استفزاز المشاعر الدينية سواء كان ذلك نتيجة الرسوم المسيئة للرسول فى الصحافة الدنماركية أو تصريحات بابا الفاتيكان تعد رد فعل طبيعيا فمثلا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين اتخذ قرارا بوقف جميع الاتصالات مع الفاتيكان او مع مندوبيه في العالم إلا بعد أن يعتذر بابا الفاتيكان للمسلمين اعتذارا صريحا عما بدر منه من أخطاء شنيعة فى حق الاسلام.

وأوضح الدكتور العوا أنه يرفض أسف بل واعتذار البابا؛ لأن كلاهما غير كاف لتهدئة الأمور، مشيرا إلى أن هناك أدباً للحوار يجب أن يلتزم به أهل الأديان، فالمشكلة ليست في الاعتذار من عدمه، ولكن تكمن في سيطرة الفكر المتعصب على بابا الفاتيكان، خاصة انه يشغل مكانة مهمة بين المسيحيين الكاثوليك، إذ يسمونه الحبر الأعظم.

وقال العوا «إننا داخل الوطن الواحد نسعى إلى تحقيق العيش الواحد بين المواطنين مهما اختلفت أديانهم أو مذاهبهم أو مشاربهم العقائدية داخل هذه الأديان والمذاهب. والعيش الواحد هو حياة المواطنين المتساوين في أصل المواطنة. فالإسلام يعلّم أبناءه أن الخلق كلهم من أصل واحد «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم». ويقول في آية أخرى من القرآن الكريم «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة. وخلق منها زوجها وبث منها رجالا كثيراً ونساءً واتقوا الله الذي تسَّاءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً».