مصر: جدل فقهي وقانوني حول «نقاب» المرأة يصل بأطرافه إلى ساحات القضاء

إهدار دم فقيهة مصرية قالت إنها تشمئز من النقاب، وأنه ليس بواجب في الإسلام > رئيس جامعة يمنع المنقبات من دخول سكن الطالبات

TT

تشهد الساحة الدينية في مصر حاليا، جدلا فقهيا وفكريا حول نقاب المرأة وما إذا كان واجبا، أقره الإسلام استنادا إلى نص قرآني وحديث نبوي صحيح، أو أن الإسلام لم يفرضه أصلا، وأن كل ما يجري في هذا الإطار مجرد اجتهادات ربما تصيب أو تخطئ أو أن النقاب اختيار شخصي للمرأة ليس لها أو لغيرها أن يفرضه على عامة المسلمين، فيما وصلت المعركة الفقهية حول النقاب إلى ساحات المحاكم بعد أن قدم الداعية الإسلامي الشيخ يوسف البدري عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة، بلاغا للنائب العام ضد الدكتورة سعاد صالح، أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية للبنات بالقاهرة، طالبا مقاضاتها بدعوى أنها تزدري النقاب، مستشهدا بقولها في حوار تلفزيوني أنها «تشمئز من النقاب»، فضلا عن إهدار دمها من قبل أحد خطباء المساجد بمحافظة الجيزة، غرب القاهرة، مما اضطر وزارة الأوقاف لوقفه عن الخطابة، وساهم قرار رئيس جامعة حلوان بمنع المنقبات من دخول المدينة الجامعية «سكن الطالبات» من دون كشف وجوههن، فى إثارة مزيد من الجدل الفقهي والقانوني حول النقاب.

«الشرق الأوسط» استطلعت القضية بين اطرافها، فكان هذا التحقيق:بداية يقول الشيخ يوسف البدري، الداعية المصري، إن النقاب واجب وثابت بالقرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة استنادا لقول الله تعالى «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن»، وقد قال العلماء في هذه الآية وغيرها من الآيات التي نزلت من فوق سبع سموات تحدد شكل الزي الشرعي للمرأة المسلمة، وهو أن يكون ثوب المرأة يغطي من الرأس إلى القدم، وان يكون واسعا وألا يشف وألا يكون زينة في نفسه، وألا يتشبه بزي الرجال وألا يكون ثياب شهرة.

وأضاف البدري: النقاب يسمى حجابا ونقابا، وكشف الوجه يسمى حجابا سفورا، والمرأة مأمورة شرعا بارتداء النقاب، وأشار إلى أن المرأة المسلمة بدأت في ارتداء النقاب بعد نزول قول الله تعالى «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن»، وقد وردت في ذلك آثار أخرى منها قول النبي صلى الله عليه وسلم «لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين»، ومعنى ذلك أن غير المحرمة، يجب أن ترتدي النقاب بما فى ذلك ستر اليدين بالقفاز. كذلك جاء فيما روته السيدة عائشة في حديث لها وآخر للسيدة أم سلمة رضى الله تعالى عنهن «أن الأنصاريات والمهاجرات كن ينتقبن ولا يبدين إلا عينا يرين بها الطريق»، بالإضافة لقول الله تعالى «فاسألوهن من وراء حجاب»، وقوله تعالى «يدنين عليهن من جلابيبهن». ويفسر الشيخ البدري معنى الإدناء في الآية السابقة بأنه أمر بتغطية الرأس حتى القدم.

* النقاب ليس واجبا

* أما الدكتورة سعاد صالح، فتقدم عددا من الأدلة التي تؤكد من وجهة نظرها أن النقاب ليس فرضا ولا واجبا، وتبين مواصفات الزي الشرعي الذي يجب على المرأة المسلمة الالتزام به حيث تقول: أشيع على ألسنة الناس تسمية اللباس الشرعي للمرأة حجابا وإطلاق لفظ محجبة على المرأة الملتزمة بهذا الزي، وهذا إطلاق عرفي لأن الإطلاق الشرعي للحجاب، كما ورد في سبعة مواضع في القرآن الكريم يعني شيئا يحجز بين طرفين فلا يرى أحدهما الآخر أي تنعدم معه الرؤية تماما ولا يمكن أن يعني لباسا يلبسه الإنسان، لأن اللباس أيا كان قدره ونوعه ولو ستر جميع بدن المرأة حتى وجهها، فلم يمنع هذه المرأة أن ترى الناس من حولها ولن يمنع الناس أن يروا شخص المرأة، وإن تسربلت بالسواد من قمة رأسها إلى اخمص قدمها. وتضيف: الحجاب الوارد في قول الله تعالى «فاسألوهن من وراء حجاب» هو الستر الذي يكون في البيت.. يرخى ليفصل بين مجلس الرجال ومجلس النساء أي أن المعنى الأصلح للحجاب أو للاحتجاب، كما ورد في سورة الأحزاب هو منع نساء النبي صلى الله عليه وسلم من لقاء الرجال الأجانب والابتعاد بشخوصهن تماما عن أبصار الرجال، وهو بديل عن النقاب الذي كان معروفا عند بعض العرب قبل الإسلام، فكان طرازاً من طرز لباس المرأة وزينتها ولما جاء الإسلام لم يأمر به ولم ينه عنه، وتركه لأعراف الناس.

وبالنسبة للخمار تقول الدكتورة سعاد: أوجب القرآن لبسه مع رسم أدب جديد في طريقة اللبس، قال الله تعالى «وقل للمؤمنات يغضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن».

وتوضح الدكتور سعاد: «معنى «يضرب بالخمار»، كما جاء في فتح الباري أن تضع المرأة الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر».

وتضيف: قال الفراء: في الجاهلية كانت المرأة تسدل خمارها من ورائها، وتكشف ما قدامها فأمرن بالاستتار، ثم جاءت السنة لتوجب لبس الخمار عند لقاء الرجال في الصلاة. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله «وليضربن بخمرهن على جيوبهن» شققن مروطهن فاختمرن بها.

وتوضح: هكذا نرى كيف فرضت شريعة الإسلام لبس كل من الخمار والجلباب، بينما ذكر النقاب لم يرد على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم غير مرة واحدة، في مناسبة حظره على المرأة المحرمة، حين قال صلى الله عليه وسلم «لا تنتقب المحرمة»، فالأدلة على إباحة كشف وجه المرأة، وأنه ليس بعورة قوية حيث اتفق الفقهاء على أنه يحرم نظر الرجل إلى المرأة مطلقاً إذا كان بشهوة أي سواء أكانت أجنبية أم لا، كما اتفقوا على أنه يحرم النظر إذا خشي الرجل الفتنة بالنظر إلى الأجنبية، واتفقوا أيضاً على أنه لا يجوز للرجل أن ينظر إلى ما عدا الوجه والكفين والقدمين من المرأة الأجنبية، كما يقول ابن بطال وهو من كبار علماء الحديث: ستر المرأة وجهها ليس فرضا لإجماعهم على أن للمرأة أن تبدي وجهها في الصلاة ولو رآه الغرباء وكذلك ورد في تفسير قول الله تعالى «قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم»، وهو ما يعنى أن النساء كان لهن الإذن بالمشي في الطرقات كاشفات الوجوه، ولذا كان أمر الرجال بالغض من أبصارهم، وإلا لكان الأمر بالغض خالياً من الفائدة، ولو أن الشارع الحكيم أوجب ستر وجه المرأة ما كانت هناك حاجة لأمر الرجال بغض البصر، ولاكتفى الشارع بأمر النساء بغض أبصارهن لأن الرجال وحدهم هم الذين يكشفون وجوهم وأكثر من وجوههم أحياناً، ولكن الأمر بغض البصر أنزل الله تعالى للرجال والنساء على السواء، وهذه المساواة في الغض من البصر تعني أن هناك لدى كل من الرجال والمرأة شيئا يراه الجنس الآخر، ويمكن أن يفتنه وأقل قدر مشترك بينهما هو الوجه والكفان.

وتضيف الدكتورة سعاد: كرائم الصحابيات كن يكشفن وجوههن بعد فرض الحجاب على أمهات المؤمنين أمثال أسماء بنت أبي بكر، وأسماء بنت عميس، وزينب زوجة ابن مسعود، وأم الدرداء وغيرهن، كما أورده البخاري ومسلم في صحيحيهما عن جابر بن عبد الله قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم العيد.. ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال: تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم.. فقامت امرأة من وسط النساء سعفاء الخدين، فقالت لما يا رسول الله؟ قال لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير. هنا امرأة تصلي العيد خلف النبي صلى الله عليه وسلم وتسمع العظة وتحرص على مزيد من طلب العلم فتسأله صلى الله عليه وسلم، عما خفي عليها والصحابي راوي الحديث يرى وجهها ويصفها بأنها سفعاء الخدين.

* أزهريون يدلون بدلوهم

* ويعلق الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق، عضو مجمع البحوث الإسلامية قائلا: النقاب ليس بفرض ولا سنة، وإنما هو فضيلة لمن أرادت أن تلبسه لدواعي هي أعلم بها، كأن تكون المرأة جميلة وتخشى على نفسها من فتنة الرجال، وأما من يقول بأن النقاب فرض فإنه تزيد (أي تشدد)، وهذا ليس من الإسلام، لأن الإسلام دين اليسر والسماحة.

وأضاف أن شريعة الإسلام وضعت شروطا لمواصفات زي المرأة المسلمة، الذي يتمثل في الحجاب الشرعي، وأن يكون لباسها فضفاضا لا يصف ولا يشف.

ويضيف أن هناك شروطا وضحها لنا الحديث النبوي للزي الشرعي الواجب على المرأة، في قول النبي صلى الله عليه وسلم «يا أسماء إذا بلغت المرأة المحيض، لا يظهر منها سوى هذا وهذا، وأشار الى الوجه والكفين».

ويقول الدكتور أحمد عبد الرحيم السايح الأستاذ بجامعة الأزهر، إن المواصفات الشرعية لزي المرأة المسلمة أن يكون ساترا لجميع الجسم، ما عدا الوجه والكفين، وألا يكون شفافا بأن يكون كثيفا، وألا يكون ضيقا يظهر المفاتن، فالإسلام لم يجعل للمرأة زيا معينا، بل ترك ذلك للأعراف والتقاليد وتطورات الملابس، والمهم أن تظهر ملابس المرأة المسلمة شخصيتها بأن تكون معروفة لدى الناظرين.

ويتابع الدكتور السايح قائلا: الإسلام لم يفرض النقاب على المرأة، وبالتالي فإن النقاب ليس من الإسلام في شيء، بل هو عادة جاهلية قديمة والله تعالى يقول «قل للمؤمنين يغضوا من إبصارهم»، ومعنى هذا أن لو كانت المرأة منتقبة، لا يطلب عمل آية من آيات القرآن، فمن أي شيء يغض الرجل بصره.