محمد عمارة لـ الشرق الاوسط : إثارة الاختلاف بين السنة والشيعة يخدم أعداء الإسلام

TT

طالب المفكر الإسلامي الدكتور محمد عمارة عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بضرورة وضع استراتيجية ثابتة ودائمة لمواجهة العداء للإسلام بدلا من ردود الأفعال الوقتية، مؤكدا في الوقت نفسه أن الحوار مع الآخر فريضة دينية وان الإسلام أمر أتباعه باحترام عقائد الآخرين، معتبرا أن التعددية الدينية سنة من سنن الله التي لا تبديل لها.

وأوضح د. عمارة في حديث أجرته معه «الشرق الأوسط» بالقاهرة أن الاعتراف بالآخر الذي لا يعترف بالإسلام ليس من قبيل المجاملة ولكن لحكمة إلهية تجعل علة الخلق هي الاختلاف. كما تطرق الحوار إلى قضية الخلاف الطائفي والمذهبي بين السنة والشيعة وأثره على الوحدة الإسلامية، وكذلك قضية تطوير الخطاب الديني الإسلامي واتهامه بأنه خطاب تحريضي.. وهذا نص الحوار:

> برغم بدء الحوار الديني منذ سنوات بين الأزهر والفاتيكان وغيره من المؤسسات المسيحية الأخرى إلا أن المحصلة لا شيء وهذا ما ظهر أخيرا في تصريحات بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر المسيئة إلى الإسلام.فما تفسيرك لهذا وما الذي يجب على المسلمين عمله إزاء هذه المواقف غير المنصفة ؟ ـ الحوار مع الآخر أمرنا به نحن المسلمين في القرآن الكريم حيث يقول الله تعالى مخاطبا نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم إلا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمين». وبالتالي نحن أمة نؤمن بالحوار والاعتراف بالآخر والتعددية الدينية والثقافية وليس للدين مشكلة، المشكلة عند الآخر الذي يسيء إلى الإسلام والى عقائد المسلمين.

ومشكلتنا نحن المسلمين تكمن في مواجهة الهجوم على الإسلام، والإساءة إلى رسولنا صلى الله عليه وسلم وخاصة تلك التي تتكرر من دوائر سياسية ودينية وإعلامية في أوربا. إننا نتعامل مع هذه التهجمات والإساءات تعاملا غير صحي ـ يتسم في أغلب الأحيان ـ بالتجزيئية والموسمية والانفعالات التي سرعان ما تتبخر، مع بقاء المواقف المعادية على حالها بل ربما هي في تصاعد وازدياد. وحلا لهذه المشكلة فان العقل المسلم ومؤسسات العلم والإعلام الإسلامية عليها أن تعي عددا من الحقائق التي تمثل ثوابت حاكمة ـ أو يجب أن تكون حاكمة ـ لمواقفنا إزاء هذه التهجمات، وأول هذه الحقائق هي إدراك الجذور العميقة للعداء للإسلام عند الآخرين فمنذ ظهور الإسلام بدأ العداء له والتهجم عليه والافتراء على النبي صلى الله عليه وسلم ولقد سجل القرآن الكريم وسجلت السيرة النبوية هذه الحقيقة باعتبارها سنة من سنن التدافع بين الحق والباطل «ود كثير من أهل الكتاب لو يردوكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق». ولقد اعترف كثير من الغربيين بقدم العداء الغربي للإسلام، حتى قال القائد والكاتب الغربي جالوب باشا: إن تاريخ مشكلة الشرق الأوسط ـ اي مشكلة الغرب مع الإسلام ـ إنما يعود إلى القرن السابع للميلاد أي بعد ظهور الإسلام، إذن نحن أمام موقف قديم وثابت وبالتالي فنحن في حاجة إلى إستراتيجية ثابتة ودائمة لمواجهة هذا العداء وهذه التهجمات. والحقيقة الثانية هي أن هذا الغرب الذي تأتي منه اغلب هذه التهجمات ليس كتلة واحدة ولا موقفا واحدا إزاء الإسلام كما يعلمنا القرآن «ليسوا سواء» فالأكاذيب التي تملأ الكتب المدرسية الغربية رصدت في مشروع بحثي أنجز في ألمانيا فبلغت ثمانية مجلدات. وهذه الأكاذيب تنشر في الثقافة الشعبية الغربية وتصور أن المسلمين عبدة للثالوث وتصور رسول الإسلام كما لو كان كاردينالا كاثوليكيا رشح نفسه في انتخابات البابوية فلما رسب احدث انشقاقا هو الأكبر والأخطر في تاريخ النصرانية،وغير ذلك من الأكاذيب، وبرغم هذا فهناك عدد كبير من علماء الغرب ومفكريه قد قادتهم عقولهم إلى احترام الإسلام والثناء على حضارته والإنصاف لتاريخ الأمة الإسلامية ولذلك فعلينا أن نواجه الافتراءات الغربية بمشروع فكرى نقدم فيه للغرب شهادات هؤلاء العلماء المنصفة للإسلام من باب (وشهد شاهد من أهلها) فمن المؤكد أن هذه الشهادات ستكون أجدى وأفعل في كشف الزيف الذي تمثله حملات العداء والتشويه للإسلام والحقيقة الثالثة هي أن أفكار الجمود والتقليد والغضب والعنف التي لا تخلو منها مجتمعاتنا الإسلامية يسلط عليها أعداء الإسلام كل الأضواء بل ويبالغون في تصويرها حتى تطغى على تيار الوسطية والاستنارة والاعتدال في الفكر إسلامي – وهو التيار الأوسع والأعمق –وذلك لتشويه كامل الصورة الإسلامية ولإخافة الشعوب الغربية من الإسلام . وفى مواجهة ذلك علينا أن نقدم للإنسان الغربي مشروعا للتعريف بالإسلام نترجم فيه الفكر الوسطي

* مقتضيات العصر > هناك انتقادات موجهة للخطاب الديني الإسلامي بأنه ليس خطابا معتدلا معظمه يحث على العنف والإرهاب ضد أتباع الأديان الأخرى فما تعليقكم؟

ـ نحن مع تجديد الخطاب الديني ليساير مقتضيات العصر، فالذين يهاجمون الإسلام ويتهمون الخطاب الديني الإسلامي بالتحريض والدعوة إلى الإرهاب كما يقول القائل هم يبصرون القشة في عيون غيرهم ويتعامون في الوقت نفسه عن الأخشاب والأشواك التي تمتلئ بها عيونهم،فعلى الذين ينتقدون الخطاب الديني الإسلامي أن ينظروا أولا إلى خطاباتهم الدينية والثقافية الطافحة بالعنصرية والدموية والاستعلاء والتركز حول الذات وإنكار الاعتراف بالآخرين .

> هناك تحد خطير يواجه المسلمين وهو تحدي التعصب المذهبي والخلافات الطائفية بين السنة والشيعة كيف يمكن مواجهة هذا التحدي؟

ـ المشكلة ليست في تنوع المذاهب الإسلامية ولكن المشكلة تكمن في أن طرفا يكفر الطرف الآخر وهذه هي المشكلة (اللغم) في الثقافة الإسلامية لان تكفير طرف للطرف الآخر أمر يقضي على الوحدة الإسلامية فالسنة والشيعة متفقون في أصول الإسلام وبالتالي فان فكرة المذاهب الفقهية تمثل نوعا من التيسير والسعة بالنسبة للمسلمين. ولكن نقطة الافتراق الأساسية بين السنة والشيعة أن الشيعة جعلوا الإمام علي وإمامته من أصول العقائد وليست من الفقه ولكننا كسنة جعلنا هذه الأمور من المسائل الفقهية الفرعية.

وعموما فان إثارة قضية الخلاف بين السنة والشيعة في الوقت الحالي هي نوع من الخطأ لأن موروثات السنوات الطويلة لا تعالج في أيام وهذا يتطلب ضرورة وجود حوار حكماء مغلق بعيدا عن العامة بين علماء السنة والشيعة لمعالجة قضية الخلاف بينهم على أن تتفق هذه اللجنة على تنقية كتب التراث مما يوجد بها من تبادل الاتهامات بالتكفير. > تطرح بشدة هذه الأيام قضية المواطنة وحقوق أهل الذمة والأقليات في الوطن الإسلامي فما هي حقوق المواطنة في الإسلام؟

ـ يجب علينا أن نبرز مبدأ الإسلام في المواطنة، حيث إنه ضَمن لنا نعمة المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات». فالمواطنة تعرف على أنها «الاعتراف بالآخر وقبوله، والمساواة معه في الحقوق والواجبات»، والمواطنة لم يعرفها العالم قبل مجيء الإسلام، وان ما يفسد قيم المواطنة التي جاء بها الإسلام هو الغواية الخارجية التي تريد أن تحول نعمة التعددية إلى نقمة التفتيت وذلك باللعب بورقة الأقليات. والإسلام في فلسفته، في هذه القضية ينطلق من مبدأ هام «هو التمييز بين حقوق الله وحقوق العباد... العقائد هي من حقوق الله، فلا ينبغي التمييز على أساسها». ويوجد من يريد المواطنة علمانية بمعنى أن ننزع كلمة الشريعة الإسلامية من الدستور، مع أن المواطنة وإن كان عرفها الغرب عن طريق العلمانية، فنحن عرفناها من خلال الإسلام، فليس هناك ارتباط عضوي بين المواطنة والعلمانية، ومن يقل بذلك عليه أن يلجأ للاستفتاء الشعبي، لا أن تفرض العلمانية فرضا على المجتمع بعيدا عن الدين.

هذا من ناحية أما ما يعرف بمصطلح «الأقلية» فهي «كلمة غربية» غير موجودة في الإسلام. لقول الله تعالى: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ»، فالإسلام «لا يحلم أن يحل محل الآخرين، ويلغي الأديان الأخرى» فالإسلام يتميز ويمتاز على كل أنساق الاعتقاد الأخرى عندما يعترف بالآخر الذي لا يعترف بالإسلام.

> إذن اعتراف الإسلام بالتعددية أمر لا يحتاج إلى توضيح ؟ ـ الإسلام نظام متكامل والتعددية فيه بمثابة حجر زاوية فالنسق الفكري الغربي يجعل التعددية حقا من حقوق الإنسان فالتعددية بهذا الشكل يمكن أن تمنح وتمنع ويمكن أن تكون رهنا بتسامح الحاكم أو ديمقراطيته أو عدم ديمقراطيته، لكن الإسلام يرتفع بالتعددية إلى مستوى جعلها سنة من سنن الله التي لا تبديل لها، بل أن الإسلام يعمم هذه السنة ويرى أن الواحدية فقط هي للذات الإلهية واعداها يقوم على التعدد كقانون وكسنة فعلة الخلق هي الاختلاف والتعدد بل ان القرآن يقول «إن سعيكم لشتى».