معهد خاص في القاهرة من أجل تعليم الدعاة فن الدعوة الجديد

تحت شعار «الدعوة تعني فن التسويق»:

TT

منذ ما يزيد على الشهر أعلن المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر عن تشكيل لجنة برئاسة الدكتورة زينب رضوان عضو المجلس وعضو مجلس الشورى، لدراسة أحوال معاهد الدعاة التابعة لوزارة الأوقاف والخاضعة لإشراف الأزهر، وذلك بهدف تقييم المستوى الحقيقي لهؤلاء الدعاة ودراسة كيفية تطوير خطابهم الديني.

وعلى الرغم من عدم الانتهاء من تقرير تلك اللجنة، الا ان الحديث عن تطوير الخطاب الديني لدى الدعاة في مصر، وتقييم الاداء الخاص بهم ليس بالامر الجديد، فقد تزايد الحديث عن هذا الامر منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، حين اتهمت الولايات المتحدة علماء الدين في البلدان العربية بأنهم السبب في ما آل اليه حال الشباب العربي من تزمت فكري وديني، أوصلهم إلى حد التطرف، مما حدا بعلماء الدين منذ تلك الازمة الى الحديث، بمناسبة وبدون مناسبة، عن اهمية تجديد الخطاب الديني وانه الحل الوحيد للنهوض بالامة. وعلى الطريق الآخر من هذا المشهد، وبعيدا عن أي دعاية له ظهر في مصر معهد خاص لإعداد الدعاة، ليس للمصريين فقط ولكن لكل الراغبين في الانضمام الي تلك الفئة من كافة انحاء العالم. المعهد الذي يحمل اسم «جسور» يمتلكه مهندس الكترونيات مصري احترف العمل في التسويق منذ تخرجه في كلية الهندسة بجامعة عين شمس عام 1988 وحتى عام 2000، حتى قرر التفرغ للدعوة الى الاسلام اثناء اقامته في الولايات المتحدة، والتي استمرت حتى العام 2004 حين عاد الى مصر ليفتتح معهده الذي تقوم الدراسة فيه على اسس بعيدة تماما عما يعرفه الازهريون والدعاة التابعون لهم.

المعهد الذي يشغل احدى الشقق الفاخرة في حي مدينة نصر بالقاهرة تم تأسيسه بشكل أنيق وبسيط في ذات الوقت، ففي المدخل قاعة كبيرة تتوسطها مائدة تشبه تلك الموجودة في مراكز الاجتماعات، مثبت بأطرافها ميكروفونات صغيرة. وعلى الجدران علقت ملصقات عن الاسلام باللغة الانجليزية التي تسيطر على لغة العاملين في المكان. المهندس فاضل سليمان مؤسس المركز هو الاخر يتحدث الانجليزية بطلاقة ويستعمل العديد من ألفاظها في مجريات حديثه، حتى المعلومات الخاصة عن المركز والموجودة على جهاز الكومبيوتر القابع على مكتبه كتبت بالانجليزية. بدأنا الحديث فأكد أن هدفه الأول من هذا المركز هو اقامة جسور من التفاهم بين المسلمين في الشرق والعالم كله في الغرب، مشددا على انه ليس من أهدافه إقناع أحد بالدخول في الاسلام ولكن في معرفة الاسلام الحق وكما نزل. وأضاف: البعض قد يظن ان لا علاقة بين مجال الدراسة التي تخصصت فيها وما اقوم به الآن من خدمات دعوية، ولكنني استفدت كثيرا من عملي الاساسي في الدعوة. فالأمر الذي لا يفهمه الكثيرون ان الدعوة تعني فن التسويق الذي لا يقتصر على بيع السلع ولكن على بيع الخدمات والافكار ايضا، وهذا ما يفتقر اليه الدعاة الجدد الذين قد يمتلكون العلوم الشرعية ولكنهم لا يعرفون فنونا أخرى هامة كفنون الخطابة وأسلوب الأداء ونغمة الصوت الذي يمكنهم التحدث به، وأساليب الإقناع وقواعد لغة الجسد بما فيها من حركات للأيدي والوجه والعين. وهي امور لا تعد من البدع في الاسلام، فقد استخدمها النبي الكريم منذ أكثر من 1400 سنة ولكننا كمسلمين نسينا تلك الامور. الى جانب كل هذا فقد استفدت في الحقيقة من وجودي بالقرب من دعاة مسلمين ذوي ثقل في الولايات المتحدة، وعلى رأسهم الدكتور جمال بدوي استاذ الاسلاميات في عدد من جامعات كندا، وهو مصري ولكنه فهم العقلية الغربية وعرف كيفية التفاهم معها، وهي ذات الفترة التي شغلت فيها منصب مدير مكتب الندوة العالمية للشباب الاسلامي في اميركا الشمالية والوسطى والتي اغلقت في عام 2004، فاضطررت للعودة الي مصر وقررت انشاء هذا المعهد، بعد نصيحة تلقيتها من مراد هوفمان الذي شغل منصب سفير المانيا في المغرب وأعلن اسلامه هناك. فأنشأنا المعهد على انه مؤسسة لتقديم الخدمات الثقافية بما فيها من طبع الكتب واقامة الندوات والمحاضرات في الداخل والخارج، ولهذا أعتبر ان «جسور» ليس مجرد كيان بقدر ما هو روح تسري في جسد الشباب المسلم الغيور على دينه ليتعلم كيفية الرد على من يسيء للاسلام بمنطق وحجة.

سليمان الذي لا ينفي عن نفسه لقب الداعية للمسلمين وغير المسلمين، لا ينكر ايضا التشابه القائم بين اسلوبه واسلوب الداعية الشاب عمرو خالد الذي اقتحم وسائل الاعلام منذ منتصف التسعينات، مؤكدا تقديره له ولاسلوبه القائم على تجديد الخطاب الديني بما يتناسب مع مقدرات العصر الحالي، ويضيف: لا اعرف لماذا يتهم الدعاة الجدد بالابتداع في اسلوب خطابتهم، إنني أتمنى اليوم الذي تلقى فيه خطبة الجمعة باستخدام الكومبيوتر والباور بويبنت والجرافيك لعرض الافكار على المسلمين واقناعهم بها، وهو امر استخدمه الرسول ولكن بتقنيات عصره، والدليل الحديث الذي امسك فيه بعصا صغيرة وخط على الارض خطا طوليا يتفرع منه عدد من الخطوط الفرعية، وشرح للمسلمين ان هذا الخط المستقيم هو الإسلام الحق أما الفروع المحيطة به فهي خروج عنه. أليس هذا وسيلة للشرح مثل شاشة الكومبيوتر أو الجرافيك؟ ولكن كل عصر له أوان كما يقولون. وقد استخدمت طريقتي تلك في عدد من المحاضرات التي القيتها في عدد من كنائس الولايات المتحدة واوروبا، ولاقت نجاحا كبيرا، لانني خاطبتهم بنفس طريقة تفكيرهم ولم أمل عليهم ما أريد قوله، ولكنني جعلتهم يفكرون فيما أريد نقله إليهم عن الإسلام. واحمد الله ان مؤسسة جسور كان لها الفضل في عدول احدى الحكومات الغربية عن اصدار قانون لمنع ارتداء الحجاب فيها على غرار ما حدث في فرنسا من خلال محاضرات القيتها على عدد من المسؤولين فيها، وبطريقة بسيطة، فقد أظهرت لهم على شاشة الكومبيوتر صورة السيدة العذراء وهي ترتدي الحجاب وسألتهم عمن تكون فقالوا: ماري، فعرضت لهم صورة للأم تريزا الحاصلة على جائزة نوبل وسألتهم مرة اخرى من هذه فأجابوا، بعدها وبسرعة عرضت لهم صورة شقيقتي وهي ترتدي الحجاب وقلت لهم: أما هذه فهي أختي.. واذا كان كل هؤلاء يرتدون الحجاب فالسؤال الطبيعي: اذا لماذا لا ترتدون انتم الحجاب. بعدها شرحت لهم اثر القوانين التي تمنع المسلم من ممارسة ما يعتقده بحرية على علاقته بالغرب فتفهموا ما قلت.

محاضرات سليمان لمسؤولين في الغرب تتم وكما يقول تحت عباءة رسمية من السلطات المصرية، وتحت رعاية الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية الذي يراجع كل اعمال المؤسسة قبل التعامل بها. ومن المواقف التي كان للمؤسسة دور بارز فيها أزمة الدنمارك الاخيرة، والتي نشرت فيها، عبر عدد من الصحف هناك، رسوم مسيئة للرسول محمد، وهو ما يفسره سليمان بقوله :دربت الشباب الذين سافروا مع الداعية عمرو خالد قبل المؤتمر الذي حضروه هناك، وشارك فيه الحبيب علي الجفري والدكتور طارق سويدان. كان عدد الشباب مع عمرو 25 شابا وفتاة من المجيدين للغة الانجليزية والفرنسية، فتم تدريبهم على مدى ثلاثة أيام على ثلاث دورات، الاولى تتعلق بفن الخطابة والالقاء وكيفية التعامل مع العقائد والمفاهيم الدينية بشكل جديد في اسلوب طرحها، ودارت الدورة الثانية حول كيفية الرد على الشبهات التي يهاجم بها الغرب المسلمين والاسلام بطريقة منطقية يتفهمها العقل الغربي، أما الدورة الاخيرة فكانت عبارة عن التدريب على ما تمت دراسته من خلال مواقف عملية وقد اجتاز الشباب الدورة بنجاح.

ويفتخر سليمان بعدد من تم تدريبهم في المؤسسة والبالغ عددهم 2600 فرد من بينهم 130من طلبة واساتذة الازهر و1000 مرشد سياحي مصري ليتعلموا كيفية الرد على تساؤلات السائحين والباقون من جنسيات غير مصرية. أما تكلفة الدورة فتختلف من مكان الى آخر حيث يتراوح ثمنها في مصر بين 150ـ250 جنيها مصريا، بينما في دول الخليج يصل سعرها الكلي الى 5000 دولار، في حين يبلغ ثمنها في اوروبا واميركا بما يعادل 1000 يورو وتقدم في المراكز الاسلامية.

مسألة التمويل من الأمور التي باتت تحير الباحثين في المعاهد والمؤسسات العاملة في المجال الاسلامي، وهو سؤال كان يتهرب سليمان من الاجابة عنه بشكل مباشر الا أنه قال في النهاية انه يعتمد على تبرعات رجال الاعمال وبعض وزارات الاوقاف العربية ومردود الدورات التي تنظمها المؤسسة. وأضاف: يجب الا يشغل التمويل أذهاننا هناك أناس يريدون خدمة الاسلام وتقديم الغالي والرخيص من أجله، فعلى سبيل المثال نعد الان لتوزيع فيلم عن الاسلام من خلال المحاضرات التي دعينا اليها في عدد من دول العالم، هذا الفيلم سيتم صدوره بعدد من اللغات تبلغ 14 لغة، وبالطبع نحن في حاجة الى تمويل لأننا لن نبيعه بل ستقوم المؤسسة بتوزيعه على كل صحافيي العالم مجانا ليعرفوا الاسلام بلغاتهم.