لماذا «يتطيفون»؟!

خليفة الوقيان

TT

عند الحديث عن الطائفية، يجدر بنا التساؤل عن مسوغ تمترس المواطن خلف طائفته، أو ترجح انتمائه إليها على انتمائه الأوسع للوطن.

في مرحلة المد القومي كان انتماء المواطن العربي يتجاوز حدود بلده ليشمل الانتماء إلى الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، لم يكن ثمة شعور بوجود اختلاف بين العربي المسلم والعربي المسيحي، بله الاختلاف بين المسلم السني والمسلم الشيعي، فالجميع أخوة في وكن واحد، يجمعهم المصير المشترك.

ويبدو أن البعض كانوا يتوجسون خيفة من هذه الحال، ولذلك تم اللجوء إلى تسيس الدين، واستخدامه سلاحا لمواجهة الفكر القومي.

ومارست الأحزاب السياسية الدينية دورها في تغييب الهوية القومية، ومن بعد الهوية الوطنية لصالح الأممية الدينية.

وفي مراحل لاحقة، ونتيجة للتدمير الذي أصاب الهوية القومية، ومن بعد الهوية الوطنية بدأت الانتماءات الطائفية والقبلية تحل محلهما.

ومن جهة ثانية يبدو أن الطائفية، وبقية الأمراض الاجتماعية والفكرية تتفشى عادة في مراحل التقهقر والهزيمة والإحباط، وتتبدد حين تسطع شمس النهوض والخروج من نفق ثقافة الخرافة والتواكل والشعور بالمهانة والعجز.

وثمة من يرى أن السبب في لجوء المواطن للانتماء القبلي أو الطائفي راجع إلى غياب قيم العدالة ـ ومن ثم الاتكاء على القبيلة أو الطائفية، والاستقواء بها لدفع الحيف، الذي يمكن أن يتحول إلى وباء يعصف بالمنطقة، فالحل في نظري لا بد أن يبدأ بعزل الدين عن السياسة، ومنع قيام الأحزاب على اساس ديني.

ولا يخفى أن الأحزاب السياسية الدينية في الوطن العربي قائمة على اساس طائفي ضيق، ولم تقم على أساس القيم الدينية السامية، فهي سنية محضة، أو شيعية خالصة.

وقد انتقل التمترس والتقوقع الطائفي إلى الجيل الجديد، الذي تعقد عليه الآمال في تجاوز الواقع السيئ، إذ أصبحت القوائم الطلابية في انتخابات اتحادات الطلبة تشكل على أساس طائفي، فثمة قوائم تقتصر على الطلبة السنة، وأخرى تقتصر على الطلبة الشيعة. وهذه الظواهر الخطيرة والمخجلة تحدث في بلدان ديمقراطية ومنفتحة على العالم مثل الكويت. وتتم تحت سمع وبصر أجهزة الدولة، دون أن تحرك ساكنا.

وإذا كان الشباب يتشربون ثقافة الانتماء، بل التقوقع الطائفي، وهم في مرحلة التفتح والبحث عن الهوية، فمن الطبيعي أن يترسخ لديهم الانتماء والتعصب الطائفي ويتراجع الانتماء الوطني. ولعل من الأمور اللافتة للنظر أن أقطار عربية كانت لها الريادة في إشاعة ثقافة التسامح والتعايش بين الأديان، وليس بين الطوائف فحسب مثل لبنان أصبحت الآن ساحة للنزال الطائفي.

أما العراق الذي كان أحد مراكز التنوير والفكر القومي في العقود الأولى من القرن العشرين فلا يخفى على أحد ما فعلت به الطائفية في مطلع القرن الواحد والعشرين.

وخلاصة القول إنه لا خلاص من الطائفية وكوارثها إلا حين يتم الفصل بين الدين والسياسة، ويمنع تكوين الأحزاب على أساس ديني، فضلا عن رفع وصاية الأحزاب الدينية على المواطنين وتدميرهم التعليم، وتخريبهم العقول، وتوكيد حقيقة أننا مجتمعات مدنية فحسب.

* كاتب وأديب كويتي