هل المجتمعات الشرقية تعطل الحدود الشرعية وتبحث عن الشرف بالفؤوس والسكاكين؟

باحثون وفقهاء يطرحون السؤال بعد تزايد جرائم الشرف

TT

«التطهر من الإثم» أو «المعصية» منحة أتاحها الشرع بعدة طرق أحدها تطبيق الحدود والعقوبات التعزيرية بحق المخالف إلا أن الثقافة الشرقية المسيرة لحياة المجتمعات الذكورية في الشرق الأوسط العربي والإسلامي لم تبق للمرأة الآثمة سوى حكم «الموت» وان كانت صغائر يمحوها صيام يوم وقيام ليلة.

وعوضا عن تحكيم الشرع لا زالت تقبع «الشرقية» بين فكي العرف والعادات البالية وبين المجتمع الأبوي الباحث عن شرفه وسط الفؤوس والسكاكين، حيث يستحيل غسل العار سوى بإراقة الدماء، وان كان هذا العار يتطلب تحويل الأب والأخ والعم الأحداث إلى مجرمين بسبب رسالة ما أو حديث مقتضب مع أحد الفتية أو لاغتصابها ما قبل أحد أبناء الأسرة وذنبها هنا هو الغواية المزعومة.

ولم تكتف المجتمعات الذكورية بتصفية النساء الآثمات وإنما أشركت المرأة ذاتها في إيقاع العقوبة على شقيقتها أو والدتها وحتى ابنتها لتتجه بعدها إلى إعداد الولائم والسفر احتفالا بتطهير العار باعتباره «عرسا» يستحق طبخ «المناسف» كما في الأردن على سبيل المثال.

الأردن ومصر وباكستان وأفغانستان والعراق وفلسطين والجاليات المسلمة في الدول الأوروبية وحتى السعودية وعددا من دول الخليج العربي جلها ورغم التفاوت النسبي لا زال عدد من أفرادها يجتر ثقافة «جرائم الشرف» بعد أن أعطت الغطاء الشرعي الإسلامي من معظم الأحزاب السياسية الإسلامية.

* لا تمييز في العقوبات بين الجنسين وحول ذلك قال القاضي أحمد العميرة رئيس محكمة رجال ألمع لـ«الشرق الأوسط» أن الشرع لم يميز ما بين الجنسين في الكفارات أو ما يتعلق في الحدود كحد الزنا والسرقة لكلا الجنسين، مفيدا أن الإشكالية تكمن في التصور الاجتماعي السائد ما بين بعض الأوساط الشرقية أن ما يعلق بالمرأة من ذنوب ومعاصي يصعب «غفرانه» باعتبارها واجهة «للقبيلة» وأكد العميرة أن شرع الله تعالى لا يبدله أحزاب سياسية إسلامية أو قبائل مفيدا أن المرأة غير المحصنة مرتكبة فاحشة الزنا يبقى دمها معصوما ولا يباح لولي الأمر قتلها وإنما حدها الشرعي الجلد والتغريب، منوها أن على المرأة في المقابل أن تضع نصب عينها عدم تقبل مجتمعها لأي خطيئة تصدر منها الأمر الذي يتطلب الحرص الشديد من قبلها على سلوكياتها

* صور ومشكلات «عمد الأب إلى ربط الفتاة وتثبيتها بعباءتها استعدادا لدهسها بسيارته أمام المدرسة» هذا ما ذكرته س،غ معلمة الدروس الدينية لـ«الشرق الأوسط» والتي هرعت مع منسوبات إدارة مدرسة الفتيات المتوسطة في الرياض لإنقاذ حياة إحدى طالباتها بعد أن تعالت صرخاتهن خوفا على حياتها اثر اكتشاف الأب علاقتها بأحد الشباب. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد وإنما امتد إلى مطالبة بعض الفتيات ممن نلن عقابهن سواء أكان بالسجن أو الجلد البقاء في سجن النساء حفاظا على حياتهن بعد أن تهددت حياتهن لتوعد ولي الأمر بقتلهن بعد الإفراج عنهن كما ذكر مسؤول أمني رفض الإعلان عن اسمه، مشددا على ضرورة التعجيل بإنشاء وحدات الإيواء في كافة مناطق السعودية، مبينا أن حل مثل تلك الإشكاليات في المرحلة الراهنة يكون مع مرور الزمن وتدخل بعض القضاة والمشايخ ووقفتهم لتحقيق الإصلاح.

وبين العقيد سعيد عبد الدايم مسؤول الشؤون الإعلامية لسجن الملز في السعودية أنه في حال رفض الأسر لنسائها وفتياتها واللاتي لهن سوابق أخلاقية يبدأ السجن ببذل جهود إصلاح البين من خلال تدخل هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصل مع بعض القضاة وكبار العلماء وفي حال إصرار عدم تقبل الأسر استلام الفتيات أوضح عبد الدايم إحالة شؤون سجن النساء القضية إلى وزارة الشؤون الاجتماعية لتأمين إقامتهن في دور الفتيات لحمايتهن.

واستنادا على الإحصائيات الدولية فإن جرائم الشرف تودي بحياة خمسة آلاف فتاة وسيدة في العام الواحد. ففي باكستان قتلت ستمائة امرأة في عام 2003 بزعم الإخلال بالشرف وذلك بالطبع عقب محاكمات المجالس القبلية المعروفة باسم «جيرغا» غير القانونية.

وفي العراق ازدادت جرائم الشرف لتشمل ممن اغتصبن في السجون الأميركية ـ العراقية كما المجتمع السوري لم يخل من جرائم الانتصار لشرف العائلة كما في اليمن ومصر وأفغانستان.

وفي لبنان والذي يعتبر من أكثر الدول العربية تحررا وتأثرا بالثقافة الغربية إلا أن الإحصائيات والتي كشف عنها في مؤتمر بيروت لبحث جرائم الشرف، والتي أكدت أن امرأة واحدة تقتل كل شهر من قبل أقاربها تحت ذريعة تدنيس شرف العائلة.

وسجل الأردن في 2006 قتل 18 امرأة تتراوح أعمارهن من 18 إلى 45 عاما، ولم تتوقف جرائم الشرف على الدول الحرة بل امتدت إلى فلسطين حيث كشفت أرقام وزارة شؤون المرأة الفلسطينية أن عشرين امرأة قتلن كما سجلت 15 قضية شروع في القتل منذ أيار 2004 وحتى آذار 2005م.

* عادات وعداوات ويجد البعض أن حماية هذا الطقس ليس فقط من قبل العرف والعادات، بل أيضا من خلال القانون بسن تشريعات وقوانين قضائية للحد من تلك الممارسات تقضي على القتلة بأقل العقوبات حتى انه قد يخرج القاتل من قاعة المحكمة فور إدانته حرا طليقا، إضافة إلى تعاطف وتفهم المجتمع والشرطة والقضاء لمثل هذه الجرائم واعتبارها وسيلة للحد من الانحلال الأخلاقي للنساء. من جهتها أوضحت الصحافية والناشطة في مجال حقوق الإنسان رنا الحسيني لـ«الشرق الأوسط» أنه بموجب المادة 98 من قانون العقوبات والتي تمنح للجاني الحق في تخفيف حكم القتل لدواعي الشرف من سنة إلى ستة أشهر فان المرأة الأردنية تصبح مهددة إذا قامت بأي سلوك غير أخلاقي أو لمجرد الاشتباه في إتيانها فعلا جرى العرف على اعتباره مجلبة للعار على نفسها وأسرتها كالزواج من رجل لا ترتضيه الأسرة لها، أو أن تتحدث مع شخص ليس من محارمها في احد الأماكن العامة.

وأضافت الحسيني أنه رغم إجبار النساء المهددات بالقتل على الخضوع لفحص طبي مؤلم ومهين لإثبات عذريتهن ينتهي الحال بنساء كثيرات بالسجن حفاظا على حياتهن كانت قد تجاوزت إقامة البعض منهن العشر سنوات في مركز «جويدة» لإصلاح وتأهيل النساء بعمان جراء بقاء مرتكبي جرائم القتل دفاعا عن الشرف أحرارا طلقاء.

وأكدت الحسيني أن عددا من جرائم الشرف تخفي خلفها دوافع أخرى للرجال الذين يرغبون في التخلص من زوجاتهم بدافع الإرث أو إخفاء لاغتصابهم لبناتهم، مستنكرة تساهل القانون ومعارضة بعض الجهات الإسلامية تعديل القانون تحت ذريعة تشجيع التصرفات غير الأخلاقية والتي ستفتح بدورها الباب على مصراعيه لنشر الفساد.

وأشارت إلى انه نتيجة للغطاء القانوني والذي تجسد برفض البرلمان تعديل القانون 340 والمادة 98 عمد ثلاثة أخوة مباشرة في اليوم التالي على قتل شقيقتهم بالفؤوس.

* صوت النساء من ناحيتها أكدت رئيسة اتحاد المرأة الأردنية آمنة الزعبي على ضرورة تركيز كافة الجهات من حكومة ومجتمع مدني وجمعيات حقوقية ووضع جل مسؤولياتها الاجتماعية، لتغيير تلك المفاهيم الاجتماعية السلبية والبالية في المجتمعات الشرقية والتي لم تتنازل بعد عن حقها في الوصاية على المرأة.

وحول الإيواء ودار الضيافة التي فتحها اتحاد المرأة الأردنية أمام النساء المعنفات جسديا وجنسيا وممن هربن خوفا على أنفسهن من القتل لصيانة الشرف أكدت أن الدار تستقبل ست نساء يوميا وقد يرتفع إلى العشر ممن يبحثن عن حل يحفظ لهن حياتهن.

وأشارت الزعبي إلى أنه على الرغم من نجاح المركز في تحقيق الصلح الأسري إلا انه قد يلحق ولي الأمر الأذى بالفتاة عقب التراضي وتوقيع التعهدات بعدم التعرض.

من جهته استنكر الباحث والمفكر الإسلامي الدكتور حمدي مجدي منح الأعراف الاجتماعية الشعبية الصبغة الدينية وتعطيل الحدود الشرعية التي أقرها القانون الإلهي والتي من بينها حد الزاني والزانية غير المتزوجين بإقرار عقوبة الجلد مائة جلدة «لا تكسر عظما ولا تشق لحما ولا تحتاج طبيبا».

كما أن عقوبة الزاني المحصن إذا أثبت ذلك وبشروط في منتهى الدقة والتعقيد الرجم حتى الموت مع ندرة حدوثها منذ التاريخ الإسلامي كما ذكر.

واعتبر مجدي أن القتل بذريعة هتك العرض إنما هي جرائم لا يمكن الإطلاق عليها مسمى «الشرف» لأن بها اعتداء على حرمات الله، مشددا على أنه في حال إثبات العلاقة الجنسية لا يحق للأب أو الأخ أو الزوج تطبيق الحكم والحد الشرعي لافتا إلى أن إنزال العقوبة لا يكون إلا من خلال القضاء وحاكم المسلمين. وعن الجهات المعارضة لتعديل القانون في البرلمان الأردني والتي من بينها الإخوان المسلمون استنكر المفكر الإسلامي حمدي مجدي ارتضاءهم تحكيما وشرعا غير شرع الله واستبدالهم اللا شرعي بالشرعي بذريعة حفظ المجتمعات والأسر الدينية المحافظة.

من خلال الطلقات النارية أو الذبح بقطع العنق والطعن بالسكين أو الضرب بالآلات الحادة كالفؤوس أو الخنق بالأسلاك أو حتى الصعقات الكهربائية كلها طرق عمد على استخدامها القتلة الباحثين والحامين للشرف كما أكد استشاري الطب الشرعي وطبيب إدارة حماية الأسرة بعمان الدكتور هاني جهشان أنه كان من بينها أيضا إرغام الضحية على الانتحار.

وعلى الرغم من انخفاض معدل الجرائم في الأردن إلا أن جهشان أكد أن ثلث جرائم القتل هي ضد المرأة والتي ربعها جرائم «شرف»، مما يعني أن 60 في المائة من جرائم قتل المرأة هي تحت خلفية صيانة الشرف، مشيرا إلى أنه فقط مند بداية عام 2005 وحتى إعداد التقرير ارتكبت 19 جريمة قتل بداعي الشرف.

ونفى جهشان أن تكون هناك أي علاقة ما بين فقد العذرية وارتكاب جرائم الشرف إذ أثبتت الفحوصات الطبية للضحايا كما أفاد أن 95 في المائة منهن أبكارا وغالبا ما يعمد ولي أمر الضحية إلى قتلها حتى عقب استلام الفحص الطبي الذي يثبت عذريتها كما ذكر، موضحا أن جلها مجرد أفكار متولدة في عقل الجاني الذي يكون ما معدله 60 في المائة الأخ ليليه الأب ثم ابن العم أو نتيجة لإشاعات أو وشاية من شخص ما.

وكما أثبتت دراسة مصرية أن 97 في المائة من قتل النساء تتم بناء على الشك في سلوك المرأة كما أوضحت الدراسة أن 9 في المائة من الجرائم عقب اكتشاف الخيانة.

ورغم بشاعة وعنف القاتل والذي يعمد في بعض الأوقات إلى تعذيب ضحيته قبل قتلها، استنكر جهشان حماية القانون للجناة مشيرا إلى أن 62 في المائة منهم بلغ حكمهم القضائي أقل من عام واحد مبينا انها بلغت عقوبة ست حالات من أسبوع لستة أشهر وأربع لسنة واحدة فقط. وحول المستوى الثقافي والاجتماعي للضحايا والجناة أكد على أنه طوال الخمسة عشر عاما لم يكن من بينها أي من أسر العشائر المقيمة في البادية وإنما من المدن الكبيرة كعمان والزرقاء، كان من بينها 4 حالات قتل من قبل أسر مسيحية.

* خارج العالم الاسلامي

* ولا تقتصر ظاهرة قتل النساء تحت ذريعة الشرف ضمن حدود دول العالم الثالث وبالأخص الإسلامية والأفريقية والآسيوية منها بل انتشرت في المجتمعات الأوروبية من خلال جاليات الدول السابقة فقد اجتمع في وقت سابق مسؤولون بأجهزة الشرطة الأوروبية لبحث السبل مع ظاهرة انتشار «جرائم الشرف»، وعمدت الشرط الأوروبية فتح تحقيقات في جرائم قتل بأسر من أصول تركية وشرق أوسطية وآسيوية وعربية ومن أوروبا الشرقية يعود بعضها إلى عشرة أعوام مضت والتي كان من بينها قتل لاجئ سياسي من كردستان العراق في بريطانيا (عبد الله يونس) لابنته «هيشو يونس» البالغة السادسة عشرة من عمرها، كما يبحث محققو شرطة لندن في جرائم قتل وقع منها 52 في العاصمة و65 منها في أجزاء أخرى من انجلترا وويلز، إضافة إلى قتل ثلاثة أخوة لشقيقتهم» هتون سوروكو» (23 عاما) تركية الجنسية، في ألمانيا بعدة طلقات في الرأس والصدر.

واتخذ مجلس الوزراء الهولندي مؤخرا إجراءات صارمة بشأن جرائم الشرف التي ترتكب بحق النساء المهاجرات المسلمات اذ أظهرت دراسة أمنية هولندية أن 50 في المائة من حالات العنف التي ترتكب في لاهاي وجنوب هولندا تقف خلفها جرائم الشرف وجاء في الدراسة التي أجريت ما بين أكتوبر 2004 ومارس 2005 أنه تم تسجيل 79 حالة عنف معظمها جرائم شرف، 11 حالة انتهت بالقتل واقتصرت 26 حالة على العنف البدني و30 تهديدا بالعنف.

كما كشفت الدراسة أن 43 في المائة من الحالات كانت لعائلات تركية ـ هولندية وعائلات أفغانية وعراقية ومغربية وكولومبية.