في «قش» العادات والتقاليد.. المرأة الخليجية تبحث عن إبرة حقوقها الإسلامية

عمرو خالد: الخطاب الدعوي الذكوري تجاهل المرأة > قاضي: الخطاب الديني والفتوى تحيزت للرجل > سهيلة زين العابدين: المرض «اللا ديني» سببه الموروث الاجتماعي

TT

ظهرت في المجتمعات المحافظة، وبخاصة بين الأوساط النسائية، أعراض مرض جديد، تكشف عقب علو أصوات متسائلة عن مدى إنصاف التشريع الإسلامي، من خلال أحكام القرآن والسنة، للمرأة، وحقيقة تفضيل الرجل عن المرأة.

وساهم ترديد أحاديث من دون إدراك لمفهومها الحقيقي وتحويرها عن غايتها الأساسية، في موجة مرض «اللا ديني» الذي تسلل بين عدد من الفتيات المسلمات.

كما لم تقتصر النظرة الدونية للمرأة على الرجل الشرقي، وإنما أيضا طالت المرأة ذاتها بعد أن أصبحت لا ترى نفسها إلا من خلال منظار الرجل، فهي ذاتها تردد وكما حدث في إحدى محاضرات الطلاق «المرأة عوان لدى الرجل» بمعنى أنها «عبدة ورقيقة» محورة المفهوم الأصلي الشرعي لها باعتبارها طالبة نجيبة لمجتمعها.

وانقسم مشخصو علة التوجه «اللا ديني» لبعض السيدات في تحديد أسبابه فمنهم من أكد مسؤولية المؤسسة القضائية من خلال ما تصدره من أحكام قضائية لصالح الرجل، ومنهم من أكد دور الخطاب الديني والفتوى بتحيزها إلى صف الرجل دون المرأة، إلى جانب مسببات أخرى تتلخص بتعزيز الموروث الاجتماعي وإعطاءه الصبغة الشرعية، وكما تساءلت إحداهن هل حان الوقت «لهز جذع النخل» لإسقاط كل ما شاب الدين الإسلامي وتشريعاته من تشويه النظرة الذكورية له.

* الموروث الاجتماعي بعض الاجتهادات القضائية والموروث الاجتماعي وإسباغ العادات والتقاليد العباءة الشرعية الإسلامية جلها أسباب رئيسية، بحسب الداعية سهيلة زين العابدين، أسهمت في زعزعة بعض القناعات الدينية لدى الفتيات السعوديات ظنا منهن أنها تعاليم دينية إسلامية.

وقالت سهيلة زين العابدين إن تشديد المحاكم الشرعية على عدم ارتضائها غير الكتاب والسنة في إصدار الأحكام الشرعية، في الوقت الذي تصدر فيه بعضها أحكاما لا تتفق مع الكتاب والسنة لبعض الأمور، مستشهدة بتفريق الزوجين من دون أخذ رأي المرأة لعدم «كفاءة النسب» واستنادا لرأي منفرد منكر وموضوع إلى جانب القياس الخاطئ لحديث فاطمة بنت قيس في مسألة الخلع، الأمر الذي أصبح في النهاية أن كل امرأة تشكو زوجها سواء لضربه إياها أو إدمانه المخدرات والمسكرات وما إلى ذلك، تطلب الخلع للخلاص منه بدون الطلاق بما في ذلك عدم التمحيص في مسألة حضانة الأطفال. وأشارت الداعية سهيلة زين العابدين إلى أن القرار الأخير بشأن تفريق زوجين لعدم كفاءة النسب أثار هزة عميقة في نفوس الفتيات السعوديات، متسائلات عما إن كانت هذه هي المفاهيم الإسلامية التي نهت عن العصبية القبلية.

ودعت سهيلة زين العابدين إلى ضرورة تصحيح المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالنساء في أوساط المجتمع الذكوري، التي أدت في النهاية إلى النظر للمرأة نظرة دونية، وأصبح التعامل معها بصورة فوقية كفرض الولاية عليها والتعامل معها كقاصر طوال حياتها، في الوقت الذي اعتبر فيه الإسلام أن للمرأة شخصية حقوقية ومالية مستقلة، كما أن لها أن تكون ولية نفسها.

وأكدت سهيلة زين العابدين أن المجتمع الذكوري متمسك بجل هذه المفاهيم، وسيبقى كذلك، موضحة أن البعض يعتبر من يقول بعكس ذلك خارجا عن دائرة الإسلام ويسفه قائله.

ورأت أن الدور الحالي لتصويب جل هذه المفاهيم لتفادي تأزم واتساع ما بين النساء وتعاليم الشريعة الإسلامية يقع على عاتق الداعيات ورجال الدين والمفكرين الوسطيين ذوي المنهج المعتدل لتصحيح جل هذه المفاهيم عبر وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية.

وحول دور الأحكام القضائية التي اتهمتها مجموعة من النسوة بالتحيز للرجل دون المرأة، سواء أكان ما تعلق بالخلع أم الحضانة أم في مسألة تعليق الزوجات أم اتهامهن بالنشوز وما إلى ذلك، دافع القاضي زياد السعدون، رئيس محاكم منطقة الجوف، عن المحاكم الشرعية ودورها وقال «لا يجب على أي امرأة أن تتصور أن القضاء الشرعي لم ينصفها لما في ذلك من ظلم لله تعالى»، مشيرا إلى انه قد يحصل أن المرأة في قضية من القضايا الزوجية سواء أكانت بطلب الطلاق أم الحضانة «لا تحصل على حقها لعدم استطاعتها إثبات دعواها أو أن يكون لدى الطرف الآخر إثبات على عدم صلاحيتها للحضانة»، الأمر الذي يصل في النهاية إلى تصور المرأة أن ما تطالب به هو حق من حقوقها، متهمة القضاء بعدم إنصافها.

وأوضح السعدون أن على المرأة دورا كبيرا في هذه الجوانب، منها ضرورة تثقيف نفسها بالاطلاع على أحكام الشرع وما فيها من عدالة، إلى جانب إدراك حقوقها الشرعية للمطالبة بها أمام القضاء، وأهمية الإلمام بكيفية إثبات استحقاقها لهذه الحقوق عند القضاء أو توكيل محام ذي خبرة.

ودعا رئيس محاكم الجوف المرأة الى ضرورة الصبر وعدم اليأس والإحباط في حال لم تحصل على حقها لعجزها عن إثباته، مشيرا إلى أن العدالة في الآخرة لسوف تعوضها عما فاتها في دنياها.

وأكد القاضي السعدون أن تعاليم الشرع الإسلامي جلها عادلة وصالحة لكل زمان ومكان وأنصفت كلا الجنسين، منوها الى انه لا يوجد نص شرعي أو مبدأ قضائي إسلامي يضر بحق من حقوق المرأة، سواء في مسائل الخلع أو الحضانة، حيث أن غير المسلمات في بعض الدول الإسلامية يفضلن القضاء الإسلامي عند طلب الطلاق لما لمسنه «من إنصاف للمرأة في هذا المجال» كما قال.

* الفتاوى والرجل تحميل الشرع الإسلامي النظرة المجحفة للمرأة من قبل المجتمع الذكوري وعدم إيفائها حقوقها كان أيضا ما لمسه المحامي عبد العزيز القاسم والقاضي السابق أثناء تأدية مهامه اليومية في مؤسسة فتاة الأحساء بالسعودية. وقال القاسم إن المسؤولية مشتركة ما بين الدعاة في خطابهم الديني والفتاوى الصادرة لما فيها من تحيز تجاه الرجل من خلال المبالغة في فرض الواجبات على المرأة مقابل إهمال الالتزامات المفروضة على الرجل، مناديا بضرورة تأهيل الدعاة لتوجيه خطاب ملائم للمرأة غير ما هو قائم حاليا.

وطالب القاسم بضرورة الفصل ما بين الأحكام الشرعية الواردة في النصوص وما بين الاجتهادات التي أدت في أوقات عدة إلى نوع من التعسف والامتهان والظلم للمرأة، مشيرا إلى ضرورة إنشاء مؤسسات مدنية لحماية المرأة من أي أذى يطالها، باعتبار أن الجهة القضائية هي سلطة تنفيذية فقط وليست تنظيمية. واستبعد القاسم أي مطالب بالاستغناء عن الشريعة نتيجة مخالفة بعض الأجهزة والمؤسسات الحكومية حقوق المرأة، مشددا على أن ذلك «لا يقذع في الجانب الديني الإسلامي».

وفي الوقت الذي أكد فيه الشرع الإسلامي، كما قال القاسم، أن النساء شقائق الرجال، مع المساواة بينهم في الحقوق، نوه إلى أن التفاوت في بعض من مسؤوليات الجنسين كمسألة «القوامة» ترتب عليها تباين في الحقوق، وهو الأمر الذي طالب فيه النساء بإدراكه، داعيا إلى ضرورة تزامن ما هو حق شرعي للرجل مع مراقبة دينية مستبقة تكفل عدم تعسف الزوج أو الأب أو الشقيق، من قبل جهات تنفيذية مختلفة.

* أهمل المرأة ورغم الانتقادات التي أطلقتها مجموعة من النسوة والمختصين لنهج الخطاب الدعوي الذكوري الذي تأثر بحسبهم ببعض الموروثات الاجتماعية المسيطرة في النهاية على خطابهم الوعظي، حظي الداعية عمرو خالد، المعروف بجماهيرية عريضة بين الأوساط النسوية وحول ذلك. واعترف الداعية عمرو خالد في حديثه مع «الشرق الأوسط» بتجاهل الخطاب الدعوي إضافة إلى أحاديث المثقفين ولسنوات طويلة، للمرأة وهمومها، الأمر الذي تسبب في تهميش قضاياهن من خلال اكتفاء الوعاظ بالتركيز على النهي والتعنيف، وتغافل الحديث عن دور المرأة ومكانتها في الشريعة والتاريخ الإسلامي، مطالبا الدعاة بالتوازن في الخطاب الدعوي ما بين ذكر مكانتها ودورها منذ بداية الدعوة ونشوء الدولة الإسلامية، وتقديم التوجيهات وواجبات المرأة المسلمة.

وقال عمرو خالد إنه إلى جانب افتقاد الخطاب الدعوي الموجه للمرأة للعمق والحجة القوية، هناك دور الحملة الاستشراقية في تخويف المرأة من الإسلام، مشيرا إلى مساعدة الدعاة ببعض الأساليب الخاطئة في ترسيخ المزيد من الصورة غير المحبذة عن مكانة المرأة في الإسلام، والتي بحسبه كانت أول من سجد لله بعد الرسول الكريم، ومن حمى النبي محمد عليه الصلاة والسلام، كما أن أول من تشرف بالشهادة هو امرأة، وحفظ المصحف من قبل السيدة حفصة ابنة الرسول الكريم، إضافة إلى دور المرأة في المشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية بتقديم الخليفة الثاني عمر بن الخطاب أول قرض لإنشاء مشروع اقتصادي لهند بنت عتبة، وتعيين الشفاء بنت عبد الله مسؤولة عن الحسبة ومراقبة السوق، مشبها منصبها بوزير التموين في الوقت الحالي، مناديا بأهمية عدم ترديد أحاديث ونصوص قرآنية من دون الإلمام بسياقها ومناسبة ذكرها.

وفي ما يتعلق بإشكالية فهم الإسلام ومدى تأثير الموروث الثقافي والاجتماعي والنظرة الذكورية في ترسيخ الصورة النمطية عن المرأة وأدوارها، اعترف عمرو خالد بالظلم الواقع على المرأة في المجتمعات الشرقية والعربية، مطالبا الدعاة والوعاظ الاعتماد في وعظ النساء نفس النهج المتبع في الدعوة للأوساط الذكورية، والذي ما فتئ يركز على بطولاتهم على مدار التاريخ وأفضالهم في نشر الدعوة الإسلامية قبيل لفت الأنظار إلى الهفوات والأخطاء، مناديا بضرورة عدم الوقوع في خطأ ظلم المرأة، الأمر الذي سيتسبب نهاية بإثارة غضبها وإحساسها بالظلم وعدم الإنصاف.

ورغم تأكيد الداعية عمرو خالد على تطور ايجابي جلي في السنوات الأخير للخطاب الدعوي الموجه للمرأة، إلا أن الإشكالية التي لا يزال يواجهها عدد من الدعاة هي في تخوف بعضهم من الحديث عن حقوق المرأة الشرعية في ظل الظروف الحالية خشية تصنيفه ووصمه باتهامات مختلفة.

وقال عمرو خالد إن على علماء الدين ورجال الحديث والمفسرين في الوقت الحالي إعطاء المجتمع والمرأة تفسيرات جلية لكافة التفاصيل المشتبه فيها والمتعلقة بحقوق كلا الجنسين في سبيل توضيح الصورة للجنس الأنثوي أسباب بعض الاختلافات في النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وتسليط الضوء على الدور التكاملي للجنسين الذكر والأنثى.

* قلة وعي المرأة غياب الثقافة الأصيلة (الشرعية) لما قاله العلماء المسلمون حول الحضانة والطلاق والخلع وغيرها من قضايا تتعلق بالمرأة، هو السبب الرئيسي كما قالت الداعية الدكتورة نوال العيد، خلف مشاعر الغضب الأنثوية تجاه بعض تعاليم الدين الإسلامية والتي استندت بحد رأيها إلى ثقافة ضحلة مجتزأة. وطالبت العيد النساء السعوديات بضرورة الإلمام بكافة خيوط المعرفة في ما يتعلق بالشأن الذي تبحث عنه إحداهن في المحاكم، سواء أكان قضية حضانة أم ولاية أم خلع، مشيرة إلى أن ذلك يساهم في إعطاء الحجة الشرعية للقاضي في حال غابت عنه، حيث أن الإنسان كما قالت «يصيب ويخطئ».

ورأت العيد أن أحد سبل العلاج، والتي لا بد من الأخذ بها في الوقت الحالي، إصدار وثيقة «حقوق المرأة في الشريعة الإسلامية» تعتمدها وتفعلها كافة المحاكم الشرعية، إضافة إلى إقرار منهج «الأسرة» للفتيات والبنين، يسلط الضوء فيه على حقوق كلا الجنسين من الآخر في ظل تعاليم الشريعة الإسلامية، منوهة إلى أن سوء الفهم الحاصل إنما هو نتاج تراكمات قديمة بدأت آثارها بالظهور في الآونة الأخيرة.

ونفت العيد إسهام الموروث الاجتماعي في تكريس النظرة السلبية للمرأة في المجتمع، أو أن يكون هناك أي دور لعبه المجتمع في إسباغ العادات والأعراف المغايرة للدين الإسلامي الصبغة الشرعية.