الملتقى الدولي الثاني لخريجي الأزهر يدعو لتبني إستراتيجية للحوار الحضاري تعتمد التعددية الثقافية والفكرية واحترام حقوق الآخر

شارك فيه 80 عالما وباحثا إسلاميا

TT

اتفق علماء من 80 دولة من مختلف أنحاء العالم على تبني استراتيجية للحوار الحضاري والثقافي مع الغرب في مواجهة صراع العولمة بهدف ترسيخ مفهوم الحوار بين الحضارات ودحض دعاوى الصدام بينها. وأكد العلماء المشاركون في الملتقى الدولي الثاني لخريجي الأزهر الذي نظمته جامعة الأزهر وأنهى أعماله أخيرا تحت شعار «التحديات الحضارية للأمة الإسلامية» إن السياسة وليس الدين هي التي تؤجج الصراع، وأشاروا إلى أن الحوار في الإسلام يهدف إلى التعايش بين الناس بكرامة وعدل وأمن وسلام، وشددوا على ضرورة فتح حوار جاد بين الإسلام والغرب ينظر إلى فرص التلاقي التي يمكننا من خلالها تجاوز حدود التمييز بين بني الإنسان، ورسم معالم الطريق للحياة بمختلف مجالاتها، والتسليم بالتعددية الثقافية والفكرية وأثرها في بناء المجتمعات، الأمر الذي يجعل قضية الاعتراف بالآخر واحترام المقدسات تحتل أولوية في أي حوار جاد. كما نادى الملتقى بضرورة العمل المشترك من أجل الحوار والتحالف بين هذه الحضارات والأديان والثقافات، وتأكيد أن ذلك هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في العالم.

وقد انعكست هذه الرؤية في المناقشات والأبحاث والدراسات التي ألقيت بالملتقى حيث أكدت حرص الإسلام على إرساء مبادئ التعايش الايجابي بين الحضارات، وان الشريعة الإسلامية ترسخ لمبدأ التعددية الحضارية والثقافية وقبول الآخر وترفض دعاوى صدام الحضارات.

من بين هذه الأبحاث والدراسات التي حظيت بمساحة كبيرة من المناقشات بحث بعنوان «الحضارة الإسلامية رؤية مستقبلية» للدكتور مسلم سالم الوهيبي من عمان أوضح فيه أن ما يقال عن الصراع بين الغرب والإسلام يتمثل في الصراع الحضاري والصراع مع الذات والصراع مع الآخر فالصراع الحضاري يكون بين طرفين يريد أن يفرض أحدهما نفسه على الآخر ونتيجة لذلك ينشأ التناقض في القيم والصراع بين الحضارات، لافتا إلى أن صراع الذات موجود منذ وجود الإنسان. أما قضية الصراع مع الآخر فيرى أنها تتمثل في سيادة الرأسمالية وفرض سياسة الرأي الواحد ونتج عن ذلك أن حضارتنا الإسلامية تعاني بعد سقوط الاشتراكية حيث أصبح الإسلام هو العدو الأول. ويؤكد الدكتور الوهيبي أن الحضارة الإسلامية كانت هي الحضارة الأقوى ولكنها الآن أصبحت في مؤخرة الحضارات مشيرا إلى أن هناك مؤشرات توحي بالنهوض بها وبمستقبل باهر ينتظرها، أولها الرصيد الفكري للأمة الإسلامية وتلبية المشاعر الإنسانية والمصالحة مع الذات والسلوكيات الحضارية.

وانطلاقا مما أسماه «الفوضى الخلاقة» أوضح المفكر الاسلامي الدكتور محمد عمارة أن الحضارة الإسلامية لها جناحان الجناح الأول يتمثل في الثقافة والجناح الثاني يتمثل في التمدن العمراني الذي يعيش فيه المسلمون.

وألمح إلى أنه تواجهنا تحديات أولها الهزيمة النفسية، وكشف عمارة ان سر اختيار الغرب الإسلام عدواً يعود إلى أن دين الإسلام يستعصي على العلمنة ويملك نموذجاً للتقدم والتطور ويمثل تحدياً للثقافة الغربية وهم يريدون حرباً ليست مع الإرهاب ولكنها ضد الأصولية الإسلامية، كما أنهم يعلنون الحرب على الكتب المدرسية من أجل تكوين جيل يقبل العلمنة، مؤكدا في الوقت نفسه أنهم لن يستطيعوا ذلك ولن يستطيعوا أن يقضوا على الإسلام والمسلمين بل إن عدد المسلمين في تزايد مستمر.

وأشار عمارة في بحثه إلى أن بابا الفاتيكان الذي افترى على الإسلام وهاجمه في الكلمة التي ألقاها في إحدى محاضراته ألف كتاباً أسماه «بلا جذور» أوضح فيه أن لديه مخاوف من انقراض المسيحيين في أوروبا ويخشى أن تصبح أوروبا داراً من دور الإسلام وهذه المخاوف تمثل مؤشراً للرؤية المستقبلية للحضارة الإسلامية لأنها تملك حلولاً لا نظير لها في الحضارات الأخرى حيث أنها تستوعب الآخر، وحضارة الإسلام حضارة متوازنة في كل شيء فيوجد فيها التوازن بين الإله والإنسان وبين الدين والدولة وبين عالم الغيب والشهادة والعقل والنقل والتجربة والوجدان.

واستعرض الدكتور عبد المعطي بيومي الأستاذ بجامعة الأزهر في بحث بعنوان «ترتيب الأولويات» فقه الأولويات في الإسلام، موضحاً أن جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده عندما التقيا بفرنسا قالا ماذا نفعل لننهض بالأمة الإسلامية فأشار الإمام محمد عبده إلى إنشاء مدرسة يتخرج منها معلمون على أعلى مستوى من الكفاءة العلمية والثقافية لينهضوا بالأمة. وقال بيومي: لقد ثبت بمرور الوقت أن هذه الفكرة تتناسب مع متطلبات العصر ومطابقة لحال الأمة.

وأوضح الدكتور بيومي أن عدم ترتيب الأولويات هو الذي يجعلنا نفقد القدرة مع أننا نملك القوة فنحن أقوياء ولا نملك القدرة بخلاف الغرب، مؤكداً على ضرورة إعمال عقولنا وفكرنا لإظهار قوة الإسلام مع الالتزام بما جاء بكتاب الله وسنة رسوله وعاب على العالم الإسلامي انشغاله بموضوعات تدعو إلى التفرقة بين المسلمين كقضية النقاب وإطلاق اللحية وخلافه موضحاً أن العبادة في الإسلام ليست طقوساً تؤدي في المساجد ولكن الدين المعاملة وعلى الكل أن يعمل ويتقن في ميدان عمله.

وناقش الدكتور كمال الدين محمد الأستاذ بجامعة قطر «أسباب الجمود الفكري»، مشيرا إلى أن التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية أمر طبيعي طالما لدينا رسالة خاصة وأن هذه التحديات موجودة منذ ظهور الإسلام، معتبرا التحديات الداخلية من أخطر التحديات كانتشار الجهل والعجز والإغراءات الشيطانية والجمود الفكري. وقال: لابد من وجود المعرفة الأساسية حتى نستطيع الحكم على الآخرين هل لديهم جمود فكري أم لا والمسلم لا يمكن أن يكون جامداً طالما يعتمد على عقله لأن العقل هو ميزان الإنسان في تنظيم أمور حياته وعليه يقع التكليف وبالعقل نستطيع أن ندير حواراً مع الآخر الذي يختلف معنا».

واستعرض الدكتور شفيق موسى عياش عميد كلية القرآن بجامعة القدس في بحثه بالملتقى التحديات الغربية للحضارة الإسلامية، مؤكدا ضرورة مواجهة الأمة الإسلامية للتحديات الغربية حتى لا تقع الحضارة الإسلامية في متاهاتها لأن الحضارة الإسلامية ذات قيم ثابتة وإذا تغيرت هذه القيم لا يمكن أن يقال عنها حضارة إسلامية، مشيرا إلى أنها تمتاز بعدة خصائص أهمها توجيه الإنسان الوجهة الصحيحة والمساواة بين أبناء البشر موضحاً أن الأمة اليوم تعيش مرحلة الوهن الحضاري أمام التحديات الحضارية الغربية التي تنادي بشعارات وتريد فرضها لترسيخ مفهوم الديمقراطية ومفهوم حقوق الإنسان من وجهة نظرها.

وذهب الدكتور عياش إلى أن الحضارة الغربية إن كانت حققت الرفاهية الإنسانية بصورة مادية بحتة فإن الحضارة الإسلامية تهتم بالمادة والروح معاً، وعلينا أن نستخدم أدوات وأساليب جديدة ومتعددة لإعادة بناء الحضارة الإسلامية كتجديد الخطاب الإعلامي ونبذ العنف والإرهاب والتطرف واتباع أساليب مؤثرة تؤدي إلى النهضة بالشعوب والتخلص من نزعة الاستهلاك على أساس التكافؤ والمساواة وإصلاح التعليم بإعادة النظر فيه باعتبار أن الإسلام دين وشريعة ومنهج وحياة بالإضافة إلى ضرورة عقد ندوات ومؤتمرات دولية لمواجهة هذه التحديات.