مطالب باستغلال «الفوائد البنكية» وسط تجاهل تجديد القول بفتوى «الجواز»

مستشارون ومختصون سعوديون يرتكزون على محور «مصالح العباد» و«الحاجة المشروعة»

تجديد الدعوة بجواز أخذ الفائدة البنكية يثير فتوى وسط المتعاملين مع البنوك («الشرق الأوسط»)
TT

طالب اقتصاديون ومختصون في السعودية بضرورة التحرك واستغلال كعكة الفوائد البنكية الضخمة التي يجمع معظم علماء السعودية على تحريمها، سوى من آراء استثنائية وبحوث فردية لم تلق قبولا في الشارع السعودي الشرعي أو الشعبي، في الوقت الذي لم تشهد فيه الساحة المحلية أصداء حول تجديد إطلاق الفتوى بجواز أخذ «الفائدة البنكية». وكانت الأيام الماضية شهدت تأكيدات من الشيخ علي جمعة مفتي الديار المصرية وعبر «الشرق الأوسط» بجواز أخذ الفائدة البنكية، إذ يرى أن فائدة الأرباح على الأموال المودعة في البنوك جائزة مع تغير غطاء العملات، التي لم تصبح كالسابق بالذهب والفضة، داعما التجديد بقول «الجواز» على فتوى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، التي ترى إجازة تحديد قيمة الأرباح مقدما على الأموال المستثمرة في البنوك.

وقال لاحم الناصر وهو متخصص شرعي في مجال الفقه والمصرفية الإسلامية إن الساحة السعودية حاليا تخلو من بحوث علمية شرعية بحتة يمكن فيها القول بجواز «الفائدة الربوية» بل إن كافة الأطروحات العربية أو الفتاوى والدعوات التي طرحت تجوّز أخذ الفائدة البنكية، واجهتها ردود من السعودية والدول الإسلامية كافة كان في مقدمتها بعض المؤسسات الفقهية المعتمدة منها مجمع الفقه الإسلامي.

وحول تجديد الدعوى بـ«جواز أخذ الفائدة البنكية»، أوضح الناصر أن الفتاوى الصادرة من مصر تحديدا تجد من يرد عليها مباشرة من مصر كما هو الحال للشيخ محمد شلتوت والشيخ جاد الحق سابقا، والشيخ محمد سيد طنطاوي، مفيدا أن إثارة إجازة «الفائدة البنكية» لا تعد مستحدثه إذ أن تناولها كان قديما ويعود منذ دخول البنوك للعالم الإسلامي أوائل القرن الماضي.

وزاد الناصر في استشارة قامت بها «الشرق الأوسط» لاستطلاع رأيه، أن الرأي الذي يذهب تجاه الاستفادة من الفوائد البنكية ربما يمكن تسقيطه بما يشاهد حاليا من التوجه نحو المصرفية الإسلامية والتحول نحو المنتجات الإسلامية والتي بدأت حاليا تجتاح قطاع البنوك المحلية والخارجية، موضحا أن 95 في المائة من التمويل الشخصي و64 في المائة من القروض المالية للشركات وتمويل الاستثمارات تتم حاليا عبر المنتجات الإسلامية الجائزة.

وشدد الناصر على أن إشكالية «الفائدة الربوية» قد تم الفصل فيها سالفا من حيث حرمتها حرمة محضة، وأن ما يخرج حاليا من مطالبات بإجازتها تنطلق من جانبين ضعيفين الأولى هو صدورها من قبل غير متخصصين في العلم الشرعي معتبرين أو عبر ممارسات ومطالبات فردية لا يمكن الاعتداد بها، مؤكدا بالقول «ليس الحلّ بتحليل الحرام». إلى ذلك، قال الدكتور محمد بن براك الفوزان وهو مستشار قانوني واقتصادي ومصرفي سابق، أن موضوع تحليل «الربا» لا يمكن مناقشته على الإطلاق إذ أنه من المسلمات في الشريعة الإسلامية ولا يمكن الموافقة عليه، ولكن هناك أسبابا لتحريم الربا لا تتعارض مع الواقع الحالي إذ أن السبب الظاهر في تحريم الربا يقوم على عدم الاستغلال وهو المقصد الشرعي الواضح، مشيرا إلى أن البنوك هي شخصية اعتبارية لإدارة وتسويق وخلق المال وتنمية الثروات ودعم الاقتصاد بكل جوانبه.

وأضاف الفوزان في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن الواقع المعاش والملموس يؤكد على ضرورة النظر إلى موضوع الفائدة البنكية بشكل آخر لاسيما أن هناك جملة من الظروف التي لا بد أن توضع في الاعتبار حين البحث العلمي في ربوية «الفائدة البنكية»، مفيدا أن من بين تلك الاعتبارات هو عدم العبرة بالمبلغ التي يوضع كفائدة بنكية كل مدة زمنية بل هناك رابط فني قوي جدا للبنوك وهي المحافظة على قيمة النقد، إذ أن الالتزام بفائدة تدعو إلى تماسك قيمة النقد وتضفي قوة مالية لدى البنك.

وزاد الفوزان بأن هناك اعتبار واقع القوة الحالية للورقة النقدية إذ أن الأسعار تتنامى وتتصاعد باستمرار في مقابل واقع يؤكد أن القيمة النقدية والقوة الشرائية متراجعة وهنا تبرز هوية شخصية البنك التي دورها الأساسي خلق المال وصناعته وابتكار منتجاته التي تؤهله لتحقيق أرباح وتطوير الاقتصاد ودعم مكوناته، مفيدا أن المبلغ المؤمن سيكون هو ذاته بعد مرور عام وذلك باعتبار تفادي الربا، في حين أن مبلغ الوديعة لأجل سيزيد نتيجة التزام البنك بوضع نسبة معينة هو نتاج طبيعي لعملية خلق وصناعة الاستثمار والمال.

وقال «إن السيولة تتعرض لتغيرات كثيرة ليس فقط انخفاض قيمة النقد وارتفاع الأسعار بل حتى للهزات الاقتصادية التي تحدث في العالم كانخفاض الأسهم، وبدون ضوابط وعلى ذلك أقل ما يمكن دعم حماية العميل بنسبة فائدة تمثل فائدته من الانضمام لمهني وعامل في السوق لديه القدرة على الالتزام بعدم الخسارة وتطفئة الدين» (شخصية البنك).

وأضاف الفوزان أنه البنوك باتت تمثل أداة اقتصادية قوية وتعد من الأجهزة الحديثة الطارئة التي لا غنى لأي اقتصاد عالمي منها فمن الأجدى النظر في إمكانية الاستفادة منها ومشاركتها أرباحها العالية كأقل مساهمة يمكن أن تقدم للمجتمع.

وشدد الفوزان على ضرورة تصور أن البنك يمثل هوية اعتبارية مهنية مهمتها الأساسية خلق المال وتدويره بشكل محترف ومربح بين الأفراد والشركات والقطاعات المختلفة وعلى ذلك لا يمكن اتهامه بممارسة محرمة إذ أنه يقوم بإشراك العميل (المودع) في أعماله وبالتالي الاستفادة من أرباحه ومكاسبه، مبينا أن نسبة الفائدة المذكورة تمثل حماية فعلية للبنوك وأصولها، فمع التكبد بصرف فوائد هذا يعني ضرورة الحراك وابتكار المنتجات والكسب لإيفاء تلك الفوائد.

وذهب الفوزان بالتأكيد على أن المفترض في الجهات الشرعية وسلطة الفتوى في البلاد والعالم الإسلامي النظر إلى الاعتبارات المحيطة والبيئة التي تلف الواقع الحالي إذ عليها التركيز على سلوكيات المتنفذين في البنوك وكيفية الاستفادة من المدخرات الضخمة بدلا من ترك الفائدة والالتزام نحو العميل الضعيف بنسبة فائدة بسيطة، مشددا في ذات الوقت على ضرورة أن يمتهن البنك عمله ويترك للسوق دون ضمانات من قبل الحكومة على أعمال البنك. وانتقد الفوزان بشدة سياسة أسلمة بعض المنتجات التي تبيح بعض الخدمات التي ربما لا يمكن تصنيفها بالإسلامية، مشيرا الى «كيف تقبل الجهات الشرعية تجويز منتج بنكي يقبل بشراء سلعة ثم بيعها على العميل الذي يرغب في التمويل الشرعي، بأعلى من سعرها» في حين أنها فائدة أقرب ما يعبر بأنها مشاركة لأرباح البنوك العالية يتم «تحريمها».

في هذه الأثناء، عاد الدكتور إبراهيم بن عبد الله الناصر وهو المحامي والمستشار القانوني لإلقاء الضوء على بحثه أعده منذ أكثر من 15 عاما، إذ قال ان المطالب بالاستفادة من الفوائد البنكية لا يمكن أن تكون تعديا وانتهاكا على معتقد الجزم بحرمة «الربا» ولكن المعاملات المصرفية تختلف تماما عن الأعمال الربوية التي حذر منها القرآن، مشددا على أنها معاملات جديدة لا تخضع في حكمها للنصوص القطعية التي وردت في القرآن الكريم المتعلقة بشأن الربا.

وقال الناصر في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: يجب علينا النظر من خلال مصالح العباد وحاجاتهم المشروعة اقتداء برسول الله (صلى الله عليه وسلم) في إباحته لبيع «السلم» رغم ما فيه من بيع غير موجود وبيع ما ليس عند البائع وهو المنهي عنه في الأصل، ولكن لحاجة الناس إليه أجمع العلماء على إباحته، وهو الأمر الذي اعتمد عليه العلماء في إباحة الحاجات التي لا تتم مصالح الناس في معاشهم إلا بها.

وأضاف الناصر أن المصارف والأعمال المصرفية حاجة ماسة للعباد ولا تتم مصالح معاشهم إلا بها فمن غير الجائز التسرع والحكم عليها بأنها من الربا المقطوع فيه لأن حظرها يضع الأمة في حرج ويهدد كيانهم ويقــضي على مصــالحــهم الاقتصادية ويجعلهم تحت رحمة أعدائهم، لافتا إلى أن توفير السيولة في المصارف مصلحة اقتصادية ضرورية لإشباع الحاجات المشروعة ولذلك يجب إلزام المصارف والمقترضين منها بحد أدنى من الأرباح لأن ذلك سيشجع على ظهور السيولة في المصارف وعلى إشراك أصحاب الأموال الصغيرة في أرباح المشاريع التجارية الكبيرة والصغيرة ذات المصلحة المحققة وفيها مصالح معاشية ضرورية من غير استغلال ولا ظلم مما هو من خصائص الربا المحرم.

وأبان الناصر أن المصارف تقرض بأجل (أي توظف الزمن) الذي له دور في ميدان النشاط الاقتصادي لا يمكن إنكاره، ومن ثم فمن حق المتعامل أن يستفيد به وهو الأمر الذي يكشف عن جواز بيع السلعة بثمن أغلى نظير الأجل، مبينا أن للزمن قيمة مالية في الإسلام تؤكده عبارات قالها أعلام الفقه الإسلامي المتوافقة مع العقل والفطرة من بينهم الإمام الشافعي. ودعا الناصر أهل الخبرة والرأي والإفتاء للتعاون من أجل الوصول إلى إجماع في الرأي للتعاون من لضمان حاجات الناس فيما لا تتم مصالح معاشهم إلا به أي تكييف المعاملات المصرفية في حالتي الإيداع والاقتراض على أساس يضمن للأمة الإسلامية الاستفادة من قوتها الاقتصادية في حدود قواعد الشريعة.