ليست كل فائدة من قبيل الربا

TT

قضية فوائد البنوك من القضايا التي احتدم حولها الجدل كثيرا ـ ومازال ـ وقد أصدر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر منذ فترة فتوى أجاز فيها اخذ الفوائد على الأموال المستثمرة في البنوك التقليدية، وهذه الفتوى واقعية جدا رغم معارضة الكثيرين، فالسياسة النقدية قد تغيرت، والذين يرون أن الفوائد البنكية هي ربا محرم لم يفقهوا الشق الاقتصادي في المسألة وكيف تعمل السياسات النقدية، وقد أحسن الدكتور علي جمعة مفتى الديار المصرية صنعا عندما أصدر فتواه الأخيرة والتي جاءت متوافقة في الرأي مع فتوى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر حول مسألة فوائد البنوك. وقبل الكلام عن فوائد البنوك على الودائع الاستثمارية وهل هي حلال أم حرام لا بد من تحديد واضح للمفاهيم والمنطلقات الأساسية التي تكتنف هذا الموضوع، ولكي نعرف الفرق بين الفائدة الربوية المحرمة وبين «الفائدة» على الأموال المودعة في الحسابات الاستثمارية في البنوك التقليدية أو القروض بفائدة التي تقدمها هذه البنوك للمستثمرين ورجال الأعمال بهدف توسيع أنشطتهم الاستثمارية فلابد من التفرقة بين القرض الحسن والقرض الذي يستغل حاجة المحتاجين، ومتى يكون القرض، وما هي الحالات التي يجوز فيها القرض، فليست كل فائدة من قبيل الربا بدليل أن هناك من الفقهاء من هم الأكثر تشددا في موضوع الفوائد البنكية ويرفضون التعامل مع البنوك التقليدية بحجة أنها تقرض بفائدة ربوية لان الربا محرم في الإسلام، اتفقوا على أن هناك فوائد ليست من قبيل الربا ومن هؤلاء الفقيه المصري الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله تعالى.

فهناك فوائد ليست من قبيل الفوائد المحرمة فمثلا الفوائد على القرض الحسن والتي تكون بمثابة مصاريف إدارية، أيضا هناك غرامات تفرضها المحاكم على المدين المماطل في شكل فوائد على أصل الدين.. الخ. وهناك إشكالية في عمل البنوك لا يفهمها الكثيرين من أصحاب الفكر القديم ولا يدركون أن الأمور قد تطورت ولم يعرفوا آليات عمل البنوك حيث أن الشخص الذي يودع أموالا في البنوك إما أنه يدعها في حسابات جارية أو حسابات استثمارية، ومعيار التفرقة بين هذين الحسابين هو أن الحسابات الجارية لا يستحق عليها صاحبها فائدة وهى عبارة عن مدخرات للمجتمع كما انه لم تتجاوز نسبة السحب من هذه الحسابات أكثر من 15 في المائة فقط، لأنه في الوقت الذي يقوم فيه شخص بالسحب يقوم آخر بالإيداع، وهذه المدخرات تستفيد منها البنوك وتوظفها لحسابها، كما أنها تشكل نسبة كبيرة جدا في ميزانيات البنوك، فتقدر بملايين الملايين أما النوع الثاني من هذه الحسابات فهي الحسابات الاستثمارية فالشخص الذي يودع هذه الأموال يقوم البنك باستثمارها نيابة عنه وبالتالي يستحق عليها فائدة وهذه الفائدة حلال حلال. والتساؤل الذي يدور هنا متى تكون الفائدة حرام؟ إذا كان البنك أو صاحب المال يقرض هذه الأموال لاستغلال حاجة المحتاجين، هذه مسألة محسومة فالبنك مثلا يعطي القرض بفائدة لكبار رجال الأعمال والمستثمرين الذين يريدون توسيع أنشطتهم ليستفيد منها المجتمع هل ذلك حراما؟!. ومن المعروف أن البنك يقوم باستثمار أموال المودعين نيابة عنهم فيقرضها لأصحاب الأعمال بفائدة ويقوم أصحاب الأعمال باستثمار هذه الأموال في أنشطة تدر ربحا على المجتمع.

أما عندما يستغل البنك أو الفرد حاجة المحتاجين مثلا شخص يقترض لأجل سد حاجة ضرورية «ضرورة حياتية» هنا يكون أخذ الفائدة محرما، ومن ثم فأنني أطالب بتشريع قانوني يلزم كافة البنوك بتقديم القروض الحسنة «اى القروض بدون فائدة» من الحسابات الجارية الخاصة للأفراد لدى البنك لان الفائدة التي تؤخذ من اجل استغلال حاجة المحتاجين حرام وهنا يقول الله سبحانه وتعالى للذين يفعلون ذلك «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون» فالفائدة على القرض الحسن حرام.

ويتساءل بعض الناس عن الفرق بين البنوك الإسلامية والبنوك التقليدية، أرى انه لا يوجد فرق بين هذا أو ذاك لان البنوك الإسلامية تحدد الفائدة ـ وهى في حقيقة الأمر لا تسميها فائدة بل تسميها عائدا ـ آخر العام أما البنوك التقليدية فتحدد العائد على رأس المال المستثمر لديها مقدما وتسميه فائدة وفى الواقع لا يوجد فرق بين البنك الإسلامي والبنك التقليدي فكلاهما يعمل في استثمار الأموال نيابة عن المستثمر وفى حدود سعر الفائدة السائد.

لكن الذي لا يفطن له كثير من أصحاب النظرة السطحية لهذه الأمور التي لا يدرك كنهها إلا المتخصصين أن الفائدة من قبيل السياسة النقدية التي يستخدمها البنك المركزي سواء في حالات تشجيع الاستثمار أو الادخار فمثلا نظرية مارشال تقول برفع سعر الفائدة لتشجيع الادخار ونظرية كينز تقول بخفض سعر الفائدة حتى تصل إلى الصفر لتشجيع الاستثمار، وكلا النظريتين مطلوبتين في تشجيع الادخار والاستثمار معا.

* أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعتي الأزهر والملك سعود سابقا عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر نائب رئيس مجلس الدولة سابقا