اختطاف الرهائن.. هل تقره الشريعة الإسلامية كوسيلة لمقاومة العدوان؟

علماء أزهريون: الخاطفون خارجون عن الحدود الشرعية ولا يعرفون آلية التفقه في دين الله

ملصق معلق على المركز الاسلامي في كوريا الجنوبية يناشد حركة طالبان إطلاق المختطفين الكوريين («الشرق الأوسط»)
TT

اعتبر علماء أزهريون أن ما يجري من حين لآخر من عمليات لخطف الرهائن المدنيين على اختلاف دياناتهم نوع من «البغي» المحرم في الإسلام، مؤكدين أن المسلمين الذين يلجأون للخطف «خارجون بذلك على الحدود الشرعية» ولا يعرفون آلية التفقه في دين الله. واتفق العلماء على انه لا يجوز احتجاز المدنيين ـ حتى ولو كانوا من الأعداء ـ كرهائن وتهديدهم بالقتل، بسبب عمل يرتكبه أو يمتنع عنه غيرهم وليسوا مسؤولين عنه، ولا يمكنهم منعه، مؤكدين انه على امتداد التاريخ الإسلامي كله لم يثبت أن ارتكب أحد من المسلمين حادثة اختطاف واحتجاز لرهائن، وأن ما يروى عن النبي أنه أمر بخطف بعض أعدائه مثل حادثة اختطاف ثمامة بن أثال الحنفي هي مجرد روايات مدسوسة على الإسلام لينسبوا إليه ما ليس فيه من صفات تتنافى مع قواعد السماحة والرحمة والاعتدال التي تدعو إليها رسالة الإسلام. «الشرق الأوسط» طرحت على مائدة العلماء سؤالا: هل من الممكن أن يكون اختطاف الرهائن سلاحا تقره شريعة الإسلام لاسترداد الحقوق أو الاستجابة للمطالب المشروعة وغير المشروعة، خاصة إذا حدث تداخل بين ما هو شرعي وما هو سياسي؟ وهل يعد اختطاف الرهائن أسلوبا جديدا في إدارة الصراع الزى تخوضه كثير من الشعوب الإسلاميّة المستضعفة اليوم ضدّ أعدائها المحتلِّين، وتبتغي من ورائه كسر جدار انعدام التكافؤ، والضغط على الأعداء حتى يتراجعوا عن عدوانهم، ويسلموا بحقوق الشعوب المستضعفة؟

في البداية يقول الدكتور جعفر عبد السلام الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق: الإسلام لم يقر مثل هذه الأعمال التي تتنافى مع مبادئ العدل والرحمة التي جاء بها للإنسانية كافة وتحرير الإنسان من الظلم والاستعباد، وتقييد حرية الإنسان في الشريعة الإسلامية لا تجوز إلا بجرم يرتكبه الإنسان، فضلا عن هذا فان هذه الأعمال اللاإنسانية مخالفة للقانون فالإنسان من وجهة نظر القانون له حرية التنقل، ولا يجوز تقييد هذه الحرية إلا بناء على مخالفات يرتكبها الإنسان تجعله محل مساءلة. وأضاف الدكتور عبد السلام أن التاريخ الإسلامي على مدى أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان لم يعرف مثل هذه الأعمال ولم يوجد لها سند شرعي يبررها، وان ربط مثل هذه الأعمال بالإسلام فيه إساءة بالغة للإسلام والمسلمين لان الإسلام ضد الظلم أيا كانت جنسية أو دين هذا المظلوم، مؤكدا أن ما يدعيه البعض من أن هناك حوادث اختطاف لبعض الذين حاربوا ضد الرسول صلى الله عليه وسلم من المشركين ليس صحيحا على الإطلاق لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بحسن معاملة أسرى الحرب وكان يوصي جيوش المسلمين دائما بإظهار رحمة الإسلام واحترام إنسانية الإنسان. فكان يأمرهم صلى الله عليه وسلم بألا يقتلوا امرأة أو صبيا أو شيخا كبيرا أو أن يتعرضوا لإنسان عابد في صومعته، فضلا عن الرحمة حتى بغير الإنسان فأمرهم بألا يقطعوا شجرا أو يدمروا أو يخربوا أي شيء لأعدائهم لأن الحرب شرعت في الإسلام لتحقيق أهداف مشروعة ومحددة، ردا لعدوان أو دفاعا عن الإسلام. وهكذا فهي أسباب ودوافع ليس فيها عدوان أو ظلم لأحد. ويوضح الدكتور عبد السلام أنه بعد فتح مكة وتمكن النبي صلى الله عليه وسلم من الذين حاربوه وأذوه لم يغدر بهم بل عاملهم بمنتهى الرحمة فقال مقولته الشهيرة «ماذا تظنون أنى فاعل بكم، قالوا أخ كريم وابن أخ كريم، قال صلى الله عليه وسلم لا أقول لكم إلا كما قال أخي يوسف عليه السلام: لا تثريب عليكم اليوم فاذهبوا فأنتم الطلقاء». فأطلق النبي سراح جميع هؤلاء ولكنه استثنى منهم أربعة لأنهم قد ارتكبوا جرائم يستحقون عليها العقاب كان منهم عكرمة بن أبي جهل وأيضا ثمامة بن اثال وهذه لم تكن حوادث خطف ولكن عقوبات وقعت على أناس ارتكبوا جرائم معينة. ويؤكد الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر الخبير بمجمع الفقه الاسلامى بمكة المكرمة أنه لا يجوز اختطاف مسلم أو غير مسلم واحتجازه لتلبية مطالب مشروعة أو غير مشروعة أو استخدام هؤلاء الرهائن كوسائل ضغط مثلا للإفراج عن مسجونين أو لأهداف أخرى وذلك لقول الله تعالى «ولا تزر وازرة وزر أخرى» وقوله سبحانه «ولا تكسب كل نفس إلا عليها». ويوضح الدكتور إدريس أن مقتضى هذين النصين أن الإنسان إنما يؤاخذ على فعله ولا يؤاخذ على فعل غيره، فاحتجاز إنسان أو جماعة من الناس ينتمون لدولة ما للضغط على دولتهم حتى ولو كانت هذه الدولة في حالة حرب أمر لا يقره الإسلام كما أن تعريض حياة هؤلاء المحتجزين للخطر وترويعهم وتهديدهم بالقتل أمر محرم، ولهذا فقد نهى الله سبحانه وتعالى عن قتل النفس إلا بالحق، قال تعالى «ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق». ويتابع الدكتور إدريس: إن مجرد احتجاز بعض الجماعات التي تنسب نفسها إلى الإسلام يدل دلالة دامغة على أن هؤلاء لا فقه عندهم ولا يعرفون آلية التفقه في دين الله لأنهم لو كانوا متفقهين في دين الله لما احتجزوا هؤلاء الرهائن بدون جريرة أو ذنب ارتكبوه ولكان هؤلاء أسرع ابتعادا عن ارتكاب الجرائم في حق من أمنهم الحاكم على أنفسهم ودمائهم وأموالهم لأنهم يدخلون في عقد الذمة فهم ذميون ولا يجوز نقض عقد الذمة معهم أو التعرض لهم بظلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من ظلم معاهدا أو ذميا لم يرح رائحة الجنة».

ويقول الدكتور إدريس: إن ما روي عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بخطف ثمامة بن اثال وكان عدوا له هذا ليس صحيحا وان الذين يروجون لهذه القصة يريدون أن يلصقوا بالإسلام الأكاذيب والترهات بهدف إظهار دين الرحمة والسماحة بأنه دين عنف وإرهاب، إذن فما فائدة قول الله تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» مشيرا إلى أن ثمامة بن اثال كان رجلا من أهل مكة شديد العداء للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وكان يسب النبي وقد استباح النبي دمه عند فتح مكة وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه «لو وجدتم فلان هذا فاقتلوه». وأردف الدكتور إدريس قائلا: إن كل الذي حدث في التاريخ الاسلامي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان هناك اثنان من الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهما في سرية لعبد الله بن جحش وكانت هذه السرية متوجهة إلى منطقة تسمى «نخل» بين مكة والطائف ووقع اثنان من الصحابة في يد قريش وفي الوقت نفسه وقع اثنان من مشركي مكة في يد سرية عبد الله بن جحش فاحتجزهما الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن تأتي قريش بالصحابيين، فلما أتته قريش بهذين الصحابيين كان أحد المشركين المحتجزين قد أسلم وأطلق سراح الآخر بالرغم من أنه ظل على دينه، وهذا لا يعد اختطافا لرهائن، فالذين يقيسون هذه الواقعة على حوادث الاختطاف في عصرنا الحالي قياسهم ليس صحيحا فأحداث الاختطاف في هذا العصر إنما تتم لتحقيق أهداف سياسية كما أن هذه الأهداف قد اختلط فيها ما هو سياسي بما هو شرعي. من جانبه يقول الدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر وكيل لجنة الشؤون الدينية بالبرلمان المصري سابقا: إن اختطاف المدنيين واحتجازهم كرهائن أمر حرمه الإسلام، هذا من ناحية أما إذا كان هؤلاء المدنيون قد ثبت أنهم يساعدون القوات المعتدية ويمثلون مساندة لها يجوز خطفهم لان هذا يعد من أعمال الحرب ويصبحون في هذه الحالة أسرى لهم حقوق الأسرى التي قررها الإسلام وأقرتها المواثيق الدولية، مؤكدا أن الإسلام جاء بقواعد صارمة لمنع العدوان أو المساس بالآمنين والأبرياء الذين لا يشاركون في الحروب. وفى تعليقه يقول الدكتور احمد عبد الرحيم السايح الأستاذ بجامعة الأزهر عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة إن حوادث اختطاف رعايا بعض الدول سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين واحتجازهم كرهائن على أيدي بعض الجماعات المسلحة بهدف تحقيق أغراض معينة، يعد من الأمور الشائكة، فضلا عن هذا فان الإسلام في مبادئه القرآنية والأحاديث النبوية لا يقر بأي حال من الأحوال عمليات الخطف والترويع للآمنين لان مبادئ الإسلام جاءت لتكريم الإنسان حيث يقول الله تعالى «ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا»، فالذي كرمه الله عز وجل وفضله على كثير مما خلق لا يمكن بأي صورة كانت تعذيبه أو إهانته أو اختطافه أو أخذه رهينة، فهذا الذي يحدث الآن من قيام بعض الجماعات بخطف واحتجاز لبعض الأفراد وأخذهم كرهائن عمل لا يقره الإسلام لا من قريب أو بعيد فضلا عن كونه أسلوبا بربريا. فالصور الشائنة لاختطاف الرهائن التي يراها الناس هنا وهناك ليست من الإسلام في شيء ولا يقرها الإسلام، فالإسلام أمر بحسن معاملة الأسرى وتكريمهم. ويشير الدكتور السايح إلى أن هناك بعض الجماعات تستخدم هذا الأسلوب كوسيلة من وسائل الضغط على دولة ما لتغيير سياستها تجاه دولة ما ولذلك نجد أن أي دولة ولو كانت صغيرة أو ضعيفة لا يمكن أن تغيّر سياستها بمثل هذه الضغوط. وبالتالي فان خطف الرهائن واحتجازهم يعتبر من الأعمال الحربية حتى في حالة قيام حرب معلنة فإنّ خطف الأعداء أو احتجازهم لا يجوز إذا كانوا من السفراء ومن في حكمهم، أو من المستأمَنين، أو من المقيمين في دول أخرى بينها وبين المسلمين معاهدات سلميّة. يدلّ على ذلك: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أحبس البرد» ـ أي الرسل ـ وهناك كذلك قول ابن مسعود: «مضت السنّة أن الرسل لا تقتل»، أما المستأمَنون أو المقيمون في دول أخرى بينها وبين المسلمين معاهدات سلام، فلا يجوز التعرض لهم بالخطف أو الاحتجاز أو القتل؛ لأنه لون من ألوان الخيانة والغدر كما ثبت أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الغدر. ويتابع الدكتور السايح: وطالما أنّ الخطف والاحتجاز في حالة الحرب يعتبر من الأعمال الحربيّة، فهو لا يجوز توجيهه إلى من لا يجوز توجيه الأعمال الحربيّة ضدّهم، وهم الأبرياء والمدنيون من غير المقاتلين من النساء والأطفال وكبار السن الذين لا رأي لهم في القتال والرهبان، وإذا حصل مثل هذا الأمر فالواجب الشرعي يفرض إطلاق سراح هؤلاء وأمثالهم فوراً لأنهم ليسوا أسرى حرب فالأسرى يكونون من بين العاملين والمقاتلين في الجيش وليسوا من المدنيين كما أن أحكام الأسرى معروفة ومحددة في الفقه الاسلامي. ويعتبر الدكتور أسامة السيد عبد السميع أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر أن عمليات الخطف التي تتم هي اعتداء على الغير، ويقول: سواء كان المختطف مسلماً أم غير مسلم فهو نوع من أنواع البَغْي الذي نهى الله تعالى عنه وحرمه بقوله: «إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي» وبالتالي فإنه إذا كانت فطرة الإنسان تدعوه إلى ردّ العدوان حين يقع عليه، إلا أنّ الله تعالى أباح ردّ الاعتداء بمثله فقط لقوله تعالى: «فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، واتقوا الله، واعلموا أنّ الله مع المتّقين» وقوله سبحانه «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا».

ويوضح الدكتور أسامة أنه إذا كان الخطف يعتبر من الأعمال الحربية فإنه لا يجوز خطف أي إنسان في غير حالة الحرب الفعلية، وهو عندئذ يكون أسير حرب لا يجوز قتله بل مصيره إلى إطلاق سراحه قطعاً كما لا يجوز اختطاف الأبرياء أو المدنيين من الأعداء الذين لا يجوز توجيه الأعمال الحربية ضدّهم، لافتا إلى أن المدنيين في نظر الإسلام هم غير المقاتلين من النساء والأطفال والشيوخ وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عن قتل النساء والصبيان وقال «لا تقتلوا وليداً» وقوله صلى الله عليه وسلم أيضا «لا تقتلنّ ذرية ولا عسيفاً» والعسيف هو الأجير. وهو يشمل كلّ من يستأجر لأداء خدمات لا تتّصل بالقتال كالعمّال في المصانع، والأطباء والعاملين في المستشفيات، وأمثالهم.

ويخلص الدكتور أسامة إلى أنه: لا يجوز احتجاز المدنيين من الأعداء كرهائن وتهديدهم بالقتل، بسبب عمل يرتكبه أو يمتنع عنه غيرهم، وليسوا مسؤولين عنه، ولا يمكنهم منعه، فانه من أهمّ قواعد العدل في الإسلام بين الناس ألا يسأل أحد عن عمل غيره، وألا يحاسب على جريمة اقترفها غيره. هذه القاعدة الشرعية أكّدها القرآن الكريم في كثير من آياته. قال تعالى: «ولا تكسب كلّ نفس إلاّ عليها» وقوله تعالى «ولا تزر وازرة وزر أخرى»، وقوله تعالى «وكل نفس بما كسبت رهينة»، ووفقا لهذه النصوص القاطعة فلا يجوز شرعا أن يحاكم إنسان سواء كان مسلما أو غير مسلم بسبب جرم ارتكبه غيره.

أما الدكتور محمد علي النواهضى الأستاذ بجامعة الأزهر فقد أكد عدم شرعية أي أعمال تتنافى مع مبادئ الإسلام السمحة مثل قتل الآمنين وترويع وخطف الأبرياء مشيرا إلى أن الظلم الذي يقع على بعض المسلمين المستضعفين قد يدفعهم إلى استحداث بعض الوسائل للدفاع عن أنفسهم ورفع الظلم عنهم والقيام ببعض العمليات النوعية مثل خطف الرهائن واحتجازهم واتخاذهم كوسائل لتحقيق مطالب سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة، لكن هذه الأعمال التي تحقق أهدافا سياسية لا يجوز إلصاقها بالإسلام أو البحث عن أحكام لها فقهية. وأضاف الدكتور النواهضي أنه من الظلم أن يحكم العالم على الإسلام من خلال تصرفات المسلمين وليس من خلال ما جاء به من تعاليم ومبادئ ومنهج لإصلاح الكون.