ملتقى الفكر الحضاري الاول في الرباط يدعو للتعاون مع عقلاء الحضارات الأخرى

TT

اختتمت في الرباط أخيرا اشغال ملتقى الفكر الحضاري الاول، وأكدت معظم القراءات التي قدمت في الملتقى، ان مشاريع النهوض الحضاري في العالم الاسلامي، في أمس الحاجة اليوم الى أجيال وأفكار جديدة تستجيب لمتغيرات العالم المعاصر، ولحاجات المسلمين المتجددة، واذا أرادت هذه المشاريع الوصول الى اهدافها ومراميها، عليها ان تصطحب في رؤاها وبرامجها ثوابت الدين والفطرة، والتأكيد على أن خيار اي مشروع حضاري إنساني لا يمكن نزعه عن الخيار الاسلامي لأنهما لصيقان كالروح والجسد ولا يمكن ان ينفصلا.

وكشف الملتقى الذي شارك فيه أكثر من 30 مفكرا وباحثا مغربيا، ان تعامل الفكر الاسلامي المعاصر مع غالبية القضايا والاشكالات المطروحة، شابه الجدل والسجالية مع ضمور في مستوى الابداع والتجديد والتطور، وان العالم العربي والاسلامي فشل في تحقيق مطامح شعوبه رغم اكثر من 20 محاولة للوحدة على مختلف المستويات، وتوقفت قدرات النخب عند حدود الانتصار على الاستعمار، وانهزمت امام تداعيات هذا الاستعمار، كما عجزت هذه النخب عن اصطحاب افكارها بأعمال ميدانية. وقد أرجع المشاركون هذا الاخفاق الى عجز النخب الاسلامية عن تحديد مفهوم النهضة الحضارية من القرآن الكريم مباشرة، مما احدث اشتباكا وخلطا مع المفهوم الحضاري الغربي، في حين ان الفكر الاسلامي لوحده يعد فكرا عالميا له القدرة على اختراق الحدود لو أتيحت له فرصة للتواصل والتقاطع مع الثقافات الاخرى.

وعلى مستوى المؤسسات في الدول الاسلامية، لاحظ الملتقى ان واقع المؤسسات الاسلامية الراهن غير فعال، اذ تعتمد في عملها على الاجتهاد الفردي من دون جهد الجماعة، وتفتقر الى التخطيط ويسودها التسيب، وضعف انجازاتها يؤدي بها في أغلب الاحيان الى فقدان الثقة في القيام بأدوارها كاملة والتأثير في المشروع النهضوي. وللتغلب على هذه المصاعب طالب المنتدى بأن تكون لكل المؤسسات الاسلامية رؤى واضحة، ومسار طويل، وآليات مرنة تحافظ على وجودها وتحميها من الكساد، وان تعمل على التنسيق المستمر مع المؤسسات الاخرى الشبيهة في مختلف اصقاع العالم الاسلامي.

وحول أزمة الادب الاسلامي كجزء من أزمة النهضة في العالم الاسلامي، نادى المنتدى بضرورة تقريب الادب الاسلامي من هموم ومشاكل الامة الاسلامية، وتغليب الادب الايجابي والحضاري على الادب الجاهلي. وهذا لا يتم الا من خلال ادب وفكر يحمل معاني ومضامين شاملة ومتوازنة حضاريا، وان يكون لهذا الادب هدف خالص لله وفيه احسان للبشرية جمعاء. واشار الملتقى الى الحركات والتنظيمات في الدول الاسلامية حيث لوحظ أنها لا تولي الادب اهمية قصوى كما هو الحال بالنسبة للجانب السياسي، وعدم ادراكها ان الثقافة عموما جزء لا يتجزأ من المشروع الحضاري الاسلامي. واذا كانت الوحدة على المستوى السياسي قد باءت بالفشل في العالم الاسلامي، فقد جاء وقت الالتفاتة الى الوحدة الثقافية، وذلك بزرع ثقافة الحوار والسلم لتوحيد الصف والمصير وتجاوز الازمات، والتعاون مع عقلاء وحلفاء الحضارات الاخرى ثقافيا لإحداث تنوع وتجدد ثقافي جديد في العالم، ولوقف المنحنى العالمي الحالي الذي تحاول جهات معينة ان تسير به في اتجاه لا ينسجم مع ثقافة الامة الإسلامية.

ودعا الملتقى الى إتاحة الفرص في الدول الاسلامية لمناقشة القضايا الكبرى التي تهم العالم الاسلامي، وأن يرفع مستوى الخطاب الى كل إنسان مسلم للمشاركة في هذا النقاش مهما كانت درجة تعليمه، ودراسة الآخر لفتح منافذ للحوار معه من منطلق علمي مدروس، وضرورة تغيير الخطاب الاسلامي الموجه حاليا للغير، خاصة ذلك الذي يبدو في سياقه اتكاليا وتبريريا، وتغيب عنه العلمية والموضوعية، وألا يعتمد هذا الخطاب على مطلقية الخطاب السلفي فقط، والبعد عن فكرة المؤامرة المطلقة.

ودعا المنتدى أخيرا الى توسيع مسؤولية الامة الاسلامية في انجاز مشروع النهضة من خلال توحيد المذاهب والابتعاد عن التجاذب والانشطار المذهبي، وعدم التفريض في الثوابت، وتحقيق قضاء ومؤسسات عدلية في الدول الاسلامية تكون قادرة على تحقيق عدالة تكبح التجاوزات، وان لا تكون مؤسسات الشورى والديمقراطية في العالم الاسلامي حكرا لأحد او فئة أو ملة معينة، وان تكون للاعلام السائد في الدول الاسلامية كافة رسالة تربوية واهداف سامية واضحة، وان يبتعد عن الارتجالية والانفعالية والعواطف الهوجاء.