اقتصاديون «مع» ورجال دين «ضد» تقليص الفارق الزمني بين الأذان والإقامة

وزارة الشؤون الإسلامية تدرس المقترح .. وأصحاب المحال التجارية يقننون المسألة باجتهادات شخصية

أثارت الفترة الزمنية الفاصلة بين الأذان والإقامة آراء بين اقتصاديين ورجال دين بين مؤيد لتقليصها ومشددا على أن الفترة الحالية ملائمة. («الشرق الاوسط»)
TT

تعالت في السعودية أخيرا، أصوات تدعو إلى تقليص الفترة الممتدة بين الأذان والإقامة لصلوات (الظهر، العصر، المغرب، العشاء)، باعتبار أنها تقع في صلب أوقات الذروة، وأن التنظيم المعمول به حاليا، لم يعد مناسبا لوقت أصبح فيه «الاستثمار» الورقة الأكثر سيطرة على المشهد العام.

لكن تلك الأصوات غالبا ما كانت ترتطم، بأصوات معارضة لهذا التوجه، باعتبار أن التنظيم الحالي الذي أرسى قواعده الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي الديار السعودية السابق، لا يزال مناسبا للمرحلة الحالية.

وفي الوقت الذي أخضعت فيه وزارة الشؤون الإسلامية هذا المقترح إلى الدراسة منذ أواخر العام 2006، إلا أن رجال الدين السعوديين يرون أن التنظيم القديم لا يحتاج إلى أية تعديل.

وينص التنظيم الحالي على أن يفصل بين الأذان والإقامة مدة لا تقل عن 20 دقيقة، ما عدا صلاة المغرب التي يفصل بين أذانها والإقامة إليها 10 دقائق فقط. أمام ذلك، أكد لـ«الشرق الأوسط» عبد المحسن العبيكان، المستشار القضائي بوزارة العدل، أن التنظيم الذي حدده الشيخ عبد العزيز بن باز، للفترة الزمنية بين الأذان والإقامة «ملائم» وليس بحاجة إلى تعديل.

وقال، إن فترة الـ 20 دقيقة التي تفصل بين الأذان والإقامة، بالكاد تكفي لأن ينصرف الناس لأداء الصلاة، وخصوصا في المساجد التي تواجه ضغطا على دورات المياه فيها، لوقوعها بالقرب من المحال التجارية.

أما عبد العزيز الخضر، وهو كاتب سعودي، فقد ذكر أن التنظيم الحالي الذي تسير عليه بلاده في تحديد الفترة الزمنية بين الأذان والإقامة، ينتج عنه هدر في الوقت يصل حتى 3 ساعات، من أصل الساعات الـ8 الممتدة من وقت صلاة الظهر حتى صلاة العشاء، وهو ما عده معدلا طويلا يأخذ ثلث وقت هذه الفترة، ما يؤدي إلى «إرباك وتعطيل العديد من المصالح الضرورية للناس، وتعقيد جدولة الحياة العملية واليومية، بما فيها الاحتياجات الفردية والعائلية».

وقال الخضر في طرح سابق له، أن إطالة المدة الزمنية بين الأذان وإقامة الصلاة، هو تنظيم وتقليد وقتي قديم، منذ عدة عقود، كانت فيه المدن أصغر والحياة أكثر بساطة، والأسواق مجرد دكاكين معدودة، حول الجامع تغطى بقطعة من القماش أثناء تأدية الفريضة. واعتبر الخضر، أن تنظيم الوقت الممتد بين الآذان والإقامة في شكله الحالي يؤدي إلى «إرباك مستمر في جدولة الحياة اليومية».

ومن وجهة نظر الكاتب الخضر، فإن المشكلة تكمن في تعميم هذا التنظيم على كافة النشاطات، «أيا كانت نوعية العمل والنشاط والاحتياج اليومي لكل فرد، وتأخذ حيزا كبيرا من الوقت». لكن العبيكان، وقف موقف آخر تجاه هذا الأمر، حيث قال أن الالتزام بالتنظيم القائم حاليا، هو المناسب الآن.

* هناك مبالغة من بعض المساجد

* وشخَص العبيكان المشكلة القائمة التي يعاني منها المستثمرون وأصحاب المحال التجارية، بوجود مساجد تلجأ إلى إطالة الوقت بين الأذان والإقامة على نحو يفوق المدة المتفق عليها. وقال «فللأسف أن هناك مساجد تتأخر عن أداء الصلاة لمدة نصف ساعة وحتى 45 دقيقة من بعد انتهاء الأذان».

وعد المستشار القضائي بوزارة العدل، المبالغة من بعض أئمة المساجد بإعطاء وقت كبير بين الأذان والإقامة، بداعي اكتمال تجمع المصلين بالمسجد، مخالفة للسنة. وقال «هناك الكثير من العامة يشتكون من هذا الأمر».

وعاد عبد العزيز الخضر ليؤكد أن الوقت الذي حدده التنظيم بشكله الحالي «لا يقضى في العبادة داخل المسجد. فالواقع يكشف بأن جميع هذه الصلوات الأربع، لا تأخذ إلا حيزا زمنيا محدودا، بمعدل يقترب من عشر دقائق إلى ربع ساعة للصلاة الواحدة. و70 بالمائة من المصلين لا يحضرون إلى المسجد إلا مع وقت الإقامة، حتى في داخل الأحياء السكنية البعيدة عن مناطق العمل».

واعتبر أن هذا الأمر نتج عنه «تضخم كاذب وغير حقيقي للزمن المستقطع للصلوات، يحسب على هذه الفروض، وأصبحت تتيح فرصا واسعة للتلاعب، وإهدار أوقات طويلة على المجتمع، لا تقضى في العبادة داخل المسجد ولا في مصالح الناس المعطلة يوميا».

* وزارة الشؤون الإسلامية تدرس المقترح وعلى خلاف الجدل الدائر بين المؤيدين لتقليص الفترة الزمنية بين الأذان والإقامة، والمعارضين له، فقد انصرفت وزارة الشؤون الإسلامية في السعودية، لدراسة هذا المقترح، بحيث أفاد الدكتور توفيق السيدري وكيل الوزارة بأن هذا المقترح يخضع للدراسة منذ نهاية العام 2006.

وأشار السديري، الى أن القرارات في هذه المسألة مرتبطة بعوامل عدة، منها: موقف هيئة الإفتاء الشرعية التي لا بد أن تتناول الحكم الشرعي لهذه المسألة وآلية تطبيقها في السابق وخلال العصور الإسلامية، إلى جانب انعكاس ذلك على الحياة اليومية للأفراد في السعودية ومصالحهم، لافتا إلى أن العامل الأخير يظل محل اهتمام كبير من قبل الوزارة. وتقتصر فكرة بحث الوزارة لهذا الموضوع على «تقليص المدة الزمنية بين الأذان والإقامة في المساجد القريبة من المصالح كالصيدليات ومحطات البنزين، أو المحلات والمجمعات التجارية التي لها طبيعتها الخاصة».

* 5 دقائق كافية وزارة الشؤون الإسلامية بيدها الحل، وفقا للخضر، الذي دعاها إلى اختصار المدة المقررة بين الأذان والإقامة، وتعميمها على كل المساجد بلا استثناء، بحيث لا يتجاوز الخمس دقائق لكل صلاة، كما في المسجد الحرام. ولفت إلى أن هذا التعديل سيتحقق منه عدة مصالح شرعية ودنيوية، وتزول معه حالات التسيب الموجودة، وتعود للأذان قيمته مما يشجع المسلم على المبادرة لأداء الصلاة.

* الاعتراضات طالت «الصيدليات» أيضا..

وبالرغم من حاجة أفراد المجتمع إلى منافذ بيع الأدوية، إلا أن التنظيم في شكله الحالي لم يستثن الصيدليات من مسألة تقليص الفترة الزمنية.

وذكر العبيكان، أن الحاجة لا تدعو إلى استثناء الصيدليات من التنظيم الحالي. وقال «لا أعتقد أن 25 دقيقة، من الممكن أن تؤثر على مريض يحتاج إلى العلاج من الصيدلية. فما ينسحب على المحال التجارية ينسحب على الصيدليات أيضا».

إلا أن الخضر، كان له رأي آخر، حيث قال في وقت سابق إن «التطبيقات التعسفية التي لا علاقة لها بالفقه والشريعة أكثر من أن يتم حصرها هنا، ولا تراعي العديد من المتغيرات والظروف في المدن الكبيرة التي تتطلب مرونة واسعة، كما في بعض المجالات الطبية أو محطات البنزين، أو المحلات والمجمعات التجارية التي لها طبيعتها الخاصة».

* رأي محايد ورأى المهندس عبد الرحمن اليامي عضو مجلس الشورى السعودي، أن فكرة تقليص الفترة الزمنية بين الأذان والإقامة، فكرة جيدة، شريطة ألا يترتب عليه محظور شرعي، وأن يحقق مصلحة عامة للمجتمع. وأضاف «لا أعتقد أن هناك محظورا شرعيا في الأمر لأن وقت الصلاة فيه متسع يكفل إقامته في أوقاتها الصحيحة».

* الأسواق التجارية لها عرف خاص بها طارق الزغيبي مدير التسويق في مركز العزيزية مول التجاري، ذكر لـ«الشرق الأوسط» أن هناك عرفا في الأسواق التجارية السعودية في أوقات الصلاة يطبق في كافة الأسواق دون استثناء، وهو ألا تتعدى الفترة الممتدة بين الأذان والإقامة الـ10 دقائق.

وأكد الزغيبي أن هذا هو العرف السائد والمعمول به، لافتا إلى أن الأسواق في العادة لا تتبع التنظيم المعمول فيه خارج أسوارها «فهناك مصالح للمتسوقين ومصالح للمستثمرين لا يمكن تعطيلها».

ووصف عبد المحسن العبيكان، مسالة إغلاق المحال التجارية في وقت الصلوات المفروضة، بأنها تأتي من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو أحد المبادئ التي قامت عليها هذه البلاد. وأضاف «فمن غير الممكن أن يؤذن للصلاة والناس لا يزالون منصرفين في أمر دنيوي. فهذا منكر يجب التصدي له. كما أن الدعوة إلى الصلاة أمر بالمعروف».

* إرباك وتعقيدات ومن وجهة نظر الكاتب عبد العزيز الخضر، فإن التنظيم بصورته الحالية «سبب ارباكا كبيرا، وازدادت تعقيداته العملية في جدولة اليوم والليلة، على مستوى المجتمع والدولة، وأداء القطاعات التجارية. وأسهم مع مرور الوقت إلى إزاحة اضطرارية في التوقيت اليومي على مستوى الحياة الاجتماعية إلى محاولة البحث عن فترات زمنية أوسع كترحيلها إلى بعد صلاة العشاء، لتجنب هذا الإرباك في قضاء الأعمال والحاجات اليومية. وتحول السهر إلى ضرورة اجتماعية وتجارية». أما عبد المحسن العبيكان، فهو لا يرى في هذا التنظيم أية مشكلة، مستشهدا بأن كثير من المحال التجارية تغلق أبوابها بعد الـ12 ظهرا، ولا تعود للعمل إلى بعد صلاة العصر.

وأضاف «لذلك ليست لدينا مشكلة من صلاتي الظهر والعصر. يبقى المغرب وقته قصير. أما العشاء فوقتها معقول».

إلا أن الخضر وجد من الأهمية الإشارة إلى أن المشكلة «ليست في الوقت الذي تأخذه كل صلاة فعليا، والذي يتراوح ما بين الخمس وعشر دقائق. وهو وقت مقارب للمدة التي يقضيها احدنا في تناول كوب من الشاي، أو التوقف عند اشارة مرور مزدحمة». غير أن الإشكال يأتي من «زيادة الوقت المخصص بين الأذان والإقامة، والتطبيقات الخاطئة الموجودة على أرض الواقع التي تتيح للموظفين والعمالة، إضاعة أوقات محسوبة من عملهم، يتضرر منها المواطن والزائر».