تساؤلات حول عمل أعضاء اللجان الشرعية في البنوك واستقلالية الفتوى الاقتصادية

د. الأحمد: لا يحق للمصارف انتقاء الفقهاء > د. المطيري: لا تأثير على استقلالية العلماء > د. الصمعان: انضمامهم تضارب مصالح

مؤتمر يناقش موضوع التعاملات الشرعية («الشرق الأوسط»)
TT

مع توسع اعمال البنوك، وانتشار قطاع المصرفية الاسلامية، وكثرة وتنوع عقود التمويل والاقراض.. بصيغة اسلامية يعتمده للبنك شيخ او مفت ما، كثر الحديث عن امتداد نفوذ البنوك، في السعودية ودول الخليج، وحتى غير دول الخليج، الى المؤسسات الدينية وعلى العلماء الرسميين وغير الرسميين.

البعض ابدى تحفظه من هذا التداخل بين عمل اللجنة وبين الجهة المشغلة او المستفيدة من اللجنة، وهي البنك. وتمثل ذلك في انتقاء المصارف المحلية لعدد من العلماء والفقهاء من هيئة كبار العلماء والمجمع الفقهي وعدد اخر من طلاب العلم الشرعي للبت في معاملاتها ومنتجاتها المصرفية.

مختصون رأوا في استعانة البنوك بالفقهاء والعلماء وقبول عضويتهم في هيئاتها الشرعية الخاصة أنه أتى لإعطاء الصبغة الإسلامية الشرعية على منتجاتها كعمليات التمويل والمرابحة وبطاقات الائتمان توظيفا لشعار «الاسلمة الصيرفية» الذي وجدوا فيه استغلالا للسلطة الرسمية والدينية (الروحية) في آن معا، الأمر الذي أدى الى وجود مطالبات في بعض الأوساط عقب تباين بعض فتاوى الهيئات الشرعية المصرفية التي تتقاضى اتعابها وأجورها من البنك ذاته على الاجابة على استفسارات ادارات البنوك واقرار نماذج العمليات البنكية، بضرورة سحب بساط الفتوى الشرعية عن المصارف والبنوك بانشاء هيئات ولجان شرعية مستقلة مقرة من قبل هيئة كبار العلماء، ولا تتقاضى أي مقابل مادي من البنك. الدكتور شويش المطيري، رئيس لجنة الشئون الاقتصادية والطاقة في مجلس الشورى، نفى تأثير تقاضي أعضاء الهيئات الشرعية المصرفية اموالا مقابل تفرغهم لإجازة المنتجات البنكية وتحديد الصيغة المباحة، مؤكدا ان الامانة والعلم هما الضابط الاوحد.

ونفى المطيري خروج أي مقترح في مجلس الشورى لبحث انشاء هيئة شرعية مستقلة تعتمد على دراسة كافة المعاملات والمنتجات البنكية في سبيل تقديم الرأي الشرعي لها، مشددا على جدوى بحث كافة ما يتعلق بالشؤون المالية ومن ضمنها مثل هذا المقترح.

وقال فهد الشافي، باحث في الشؤون الشرعية الصيرفية، إن الاستعانة بالمشايخ والفقهاء من قبل البنوك والمصارف المحلية أتت لاعطاء الصبغة الاسلامية الشرعية على منتجاتها ومعاملاتها البنكية، في سبيل التأثير على العملاء والمستثمرين، مع التركيز على اختيار «الاعلى صيتا والأكثر شهرة» من الفقهاء سواء المنضمين لعضوية هيئة كبار العلماء او المجمع الفقهي، والذي بحسبه هو الوسيلة الأنجع لمخاطبة «وجدان العامة الديني» كما ذكر.

وتبقى الرقابة الشرعية لكل ما يطرحه البنك من معاملات ومنتجات وحجم الشفافية التي تخول من خلالها ادارة المصرف اللجان والهيئات الشرعية التابعه له من مراقبة سير العمليات وفق المنظور والرؤية الشرعية المرخصة من قبله مثار تساؤل.

وافاد الشافي ان الهيئات الشرعية لا تمنح الصلاحية المطلقة النظر في كافة اوراق ومستندات البنوك والمصارف في سبيل مراقبة سير المعاملات الاسلامية أو «المؤسلمة».

في المقابل استبعد الشافي إنشاء هيئة شرعية موحدة تحدد الصيغة المباحة للمنتجات البنكية بحيث تكون مرجعية موحدة وذلك لعدة اعتبارات ابرزها اختلاف اجتهادات وربما مذاهب الفقهاء والعلماء، فما يبيحه احدهما يحرمه الاخر كفتوى تحليل الفوائد البنكية، متسائلا حول امكانية الفقه والاجتهاد الإسلامي، حاليا، على اجتراح احكاما فقهية تتلاءم مع متغيرات ومستجدات العصر.

ودعا الشافي الى ضرورة انشاء مراكز لرصد وجمع مدونات اللجان الشرعية والتي تمثل الاراء الفقهية لعلمائها في سبيل تسجيل النتاج الفقهي تتيح من خلالها للعامة فرصة استيعاب وادراك الجوانب الفقهية الدقيقة لكافة المعاملات المصرفية.

من جهته دعا الدكتور يوسف الاحمد استاذ الفقه المساعد في جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية الى ضرورة انشاء هيئات شرعية متخصصة ومستقلة معتمدة من قبل هيئة كبار العلماء او الاقسام الشرعية في الجامعات تتيح للبنوك والمصارف المحلية التعاقد معها لتوفير المستشارين الشرعيين (فريق متكامل) على غرار المستشارين الماليين والقانونيين، لتنظيم القضايا الشرعية، مطالبا المصارف باعتماد الشفافية لتمكين الهيئات الشرعية من اعطاء الرأي الشرعي الصائب لمعاملاتها البنكية.

وانتقد الأحمد انتقاء الفقهاء والعلماء من قبل البنك ذاته، وكما ذكر «قد تكون لبعض منهم اراء مسبقة في بعض المنتجات البنكية»، مشيرا الى ان «الاسلمة البنكية» بحاجة الى مشروع ضخم لا يقتصر على تقديم الفتوى في بعض المنتجات, لتبقى معايير الانتقاء بالنسبة للاحمد مثار شك باعتبار البنك او المصرف غير مؤهل لمعرفة اصحاب الكفاءة في هذا الشان، متسائلا عن مدى التمكن الاقتصادي والمالي لبعض اعضاء الهيئات المصرفية الشرعية للبت في المعاملات البنكية. تقرير اللجان والهيئات الشرعية من قبل المصارف والبنوك بفرض رقابة على طبيعة سير معاملاتها ومدى التزامها بالرؤية الشرعية، يبقى امرا مستبعدا بالنسبة للباحث والمراقب الشرعي في الشؤون المصرفية، والذي اعتذر عن ذكر اسمه، مشككا في إمكانية حدوث ذلك، لاشتراط معظم الهيئات الشرعية انشاء جهاز رقابة شرعية قبيل الانضمام للبنك او المصرف مهمتها اصدار تقاريرها الدورية بعد مراجعة كافة ملفات ومستندات العمليات المصرفية، الا ان غياب لجان الرقابة الشرعية وبحسبه في بعض المصارف قد يتسبب في حدوث بعض التجاوزات.

واعترض المراقب الشرعي في الشؤون المصرفية على مقترح انشاء هيئة ولجنة موحدة رسمية، مفيدا بان التنوع والتعدد اكثر فائدة من اعتماد المركزية في بحث الجانب الشرعي والفقهي للمعاملات والمنتجات البنكية، فإلزام البنوك باعتماد فتوى واحدة سيضيق على المصارف ومصالح الناس.

وبرر أن المال الذي يتقاضاه اعضاء الهيئات الشرعية لا يعد راتبا وانما «اتعابا» مقابل الجهد المبذول من قبلها لتدارس كافة العمليات، مؤكدا استقلالية اللجان والهيئات الشرعية المصرفية، والمصداقية لـ«اللجان والهيئات الشرعية المصرفية» موجودة في نفوس العامة، كما أكد.

من جهته اعتبر الدكتور يوسف الصمعان، الكاتب في الشأن الاسلامي، انضمام العلماء للهيئات واللجان الشرعية المصرفية لتزكية بعض المنتجات وإعطاء الرأي الشرعي الفقهي للمعاملات البنكية انما هو تضارب في المصالح، مفيدا بان كل من هو في موضع الثقة كالعالم والطبيب والسياسي او المدير التنفيذي انما يكون في وضع تنافسي بين قراراته المهنية ومصلحته الشخصية، اشارة الى عضو اللجنة الشرعية الذي اكد حالة التنافسية التي يواجهها بين حرفيته كعالم يفسر مراد الشارع وبين مصلحته بحكم ما عمله مع البنك نفسه.

وشبه الصمعان مشاركة العلماء في اللجان الشرعية المصرفية بعمل الطبيب والصيدلي في هيئة الدواء والغذاء السعودية، وتقديم خدماته ايضا وفي ذات الوقت كمستشار لاحدى شركات الأدوية العاملة في سوق الأدوية السعودية.