د. عبد السلام: الاهتمام بـ«فقه الواقع» ضروري للتعاطي مع التجارة الإلكترونية والاستنساخ وزراعة الاعضاء

أمين عام رابطة الجامعات الإسلامية لـ «الشرق الأوسط» : إعادة النظر في الخطاب الإسلامي إحدى القضايا التي تشغل الأمة

طلاب جامعة يتظاهرون ضد عمليات الهدم حول المسجد الأقصى
TT

هل ثمة دور تلعبه رابطة الجامعات الإسلامية في بناء الشباب فكريا وبشكل علمي سليم يحميه من نزعات التطرف التي باتت تحاصره من جهات عديدة. ثم ماذا قدمت الرابطة لتطوير المناهج الدراسية في الجامعات الإسلامية لدعم هذا الدور.

هذه الأسئلة وغيرها مثل الانتقادات الموجهة للمناهج الدراسية في الجامعات الإسلامية بعد أحداث سبتمبر (ايلول) 2001 من قبل أميركا وغيرها، والمطالبة بتعديلها، وكيف يمكن استغلال التعليم كمشروع لتحقيق الوحدة ومنع الفرقة والشقاق بين المسلمين، طرحت على الدكتور جعفر عبد السلام نائب رئيس جامعة الأزهر السابق الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية، فإلى نص الحوار...

> هناك انتقاد موجه للمناهج الدراسية في الجامعات الإسلامية واتهامها بأنها تعلم التطرف والإرهاب .. ما ردك على هذا الاتهام وكيف يمكن تحصين الشباب من الأفكار المتطرفة؟

ـ لاشك أن الهجوم على الإسلام يتخذ عدة أشكال منها اتهام المناهج التي تدرسها الجامعات الإسلامية بأنها تشجع الإرهاب وتعلم الكراهية والتعصب ضد غير المسلمين، وأنا أقول هذه محض افتراء على الإسلام الذي يدعو المسلمين إلى التعايش السلمي مع الآخر والى التسامح والبر بغير المسلمين لقول الله تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم أن الله يحب المقسطين». ونحن لدينا خطة أقرها المجلس التنفيذي لرابطة الجامعات الإسلامية الذي انعقد في اندونيسيا منذ أيام برئاسة الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي رئيس رابطة الجامعات الإسلامية لتطوير وتنقية المناهج في الجامعات الإسلامية، لان تطوير مناهج الدراسات الإسلامية يعتبر قضية محورية في تقدم الأمة الإسلامية وضرورة من ضرورات الاستمرار، فقد مضي حين من الدهر وهذه المناهج تكاد تكون ثابتة، مع أن حركة الحياة مع طلوع الشمس في كل يوم تأتي بجديد يحتاج إلى التناول، وإلى إعادة الطرح والقراءة، لذا ألزمنا أنفسنا بضرورة أن نتطور في أسلوب الدراسة ومناهجها، كي تتابع حركة الحياة ولكي يكون لنا أثر في تغيير الواقع المرير الذي تعيشه امتنا الإسلامية.

> ما هي ملامح هذا التطوير؟ ـ أولا أكد رؤساء وممثلو الجامعات الإسلامية الذين شاركوا في هذه الدورة للمجلس التنفيذي لرابطة الجامعات الإسلامية على أهمية التجديد والاجتهاد في مجال العلوم الإسلامية، وتطوير مناهج تدريسها على أساس أن التجديد سنة من سنن الكون، مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها» ولتأكيد ذلك اتخذ المجلس التنفيذي عدة قرارات مهمة سيتم تعميمها على الجامعات الإسلامية لتنفيذها، منها تضمين المناهج الدراسية المقررات التي تهتم بفقه الواقع، وهضم كتابات الفقهاء القدامى، وإعادة صياغتها بأسلوب مناسب يمكن أن تفهمه الأجيال الحالية وتطبقه في حياتها فضلا عن تطوير دراسات أصول الفقه، وتنقيتها مما يجعل دراستها ميسورة للطلاب والباحثين، أيضا ضرورة فتح مجالات الاجتهاد لتناول المعاملات الجديدة التي لم يتعرض لها الفقه الإسلامي من قبل، وردها إلى أحكام القرآن والسنة والمبادئ العامة للإسلام وقواعد أصول الفقه؛ لكي يُستنبط الحكم الشرعي لها، مثل : قضايا البيئة، والتجارة الإلكترونية، ومعاملات البنوك، وقضايا بطاقات الائتمان، والوسائل الحديثة للاستثمار. أيضا الاهتمام بالفقه الطبي وقضاياه المستحدثة، مثل قضايا الاستنساخ، والتلقيح الصناعي، واستئجار الأرحام وزرع الأعضاء والاهتمام بإظهار القيم الدينية المتصلة بالممارسات الطبية، مثل: البحوث الحيوية، وبحث الهندسة الوراثية. كما اقر المجلس التنفيذي لرابطة الجامعات توصية تطالب بنقل الفتاوى والدراسات التي تجيب عن المشكلات الحديثة من قبل المفتين ومجامع وهيئات الفقه الإسلامي إلى كتب الدراسة في الكليات والجامعات الإسلامية، حتى يكون الطالب على صلة بما يجري في الواقع العملي بشأن مختلف القضايا الفقهية.

> هل تطوير وتجديد المناهج الدراسية في الجامعات الإسلامية هل هي دعوة لما يسمى بعصرنة الإسلام مع الإبقاء على عقائدنا ومرتكزاتنا الدينية وثوابتنا؟

ـ الدعوة لعصرنة الإسلام دعوة خبيثة تهدف إلى إلغاء الإسلام من كافة مناحي الحياة بحيث لا يكون للدين اثر في حياة المسلم فضلا عن الإسلام جاء مسايرا لروح كل عصر فهو دعوة عالمية ولكن ما ندعو إليه هو التجديد الذي هو سنة إسلامية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها» فتجديد فهمنا للإسلام في ضوء متغيرات العصر أمر هام حتى يتأكد صلاحيته للتطبيق الدائم ونحن نعلم أن الدين له أحكام ثابتة وأحكام متغيرة، والله سبحانه وتعالى يقول: «هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأُخر متشابهات فأما الّذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلّ من عند ربنا..». فالآية نفسها تشير إلى أن هناك قواعد ثابتة وآيات محكمة لا ينبغي التفريط بها أبداً، فهي ثوابت، وهناك إطار آخر متغير. ومن حكمة الإسلام أنه لا يجمد الناس في قوالب وأطر محددة، وإنما يترك للعقل البشري مجالا واسعا، فالقواعد التشريعية ليست كثيرة، وهي قواعد كلية، وهناك مجال كثير لتفسيرات متعددة لها تتلاءم مع ظروف حياة الإنسان، ولهذا كانت المذاهب الفقهية، وكانت الاجتهادات داخل المذهب الفقهي أيضاً. ولذا نجد اجتهادات واسعة، وكذلك تفاسير للقرآن والسنة. إذن هناك مجال واسع للاجتهاد بما يتلاءم مع أمور الناس مادام ضمن الدائرة المتغيرة «المحكومة بالدائرة الثابتة» فالوقائع والأحداث والأمور متجددة غير متناهية، والنصوص متناهية، ومالا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى، لذا وجب أن يكون مصدر كل حادثة اجتهاد. هذا من الناحية التشريعية والفقهية أما من ناحية العلوم فيمكن أن نقول: كان هناك تعارض بين الكنيسة والعلم في أوروبا، وهو الذي أنشأ ظاهرة العلمانية، أما في الإسلام فلا يوجد هذا التعارض يكفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «العلم فريضة على كل مسلم» وقوله «اطلبوا العلم ولو في الصين» فمعناه أن نطلب العلوم المدنية في أي مكان و«الحكمة ضالة المؤمن فإن وجدها فهو أحق الناس بها». فنحن ديننا يدعونا إلى الاعتبار في الحياة وفي الكون، في كلّ ما خلقه الله سبحانه، وأن نحكم العقل دائماً في أمور حياتنا، مع عدم إهمال الوحي والأمور القطعية التي يجب أن نوليها دائماً اهتمامنا عند الحديث في أي شيء.

> كيف ترى وضعية الخطاب الإسلامي حاليا وهل هو بحاجة إلى تجديد وعلى أي أساس يرتكز هذا التجديد؟

ـ إعادة النظر في الخطاب الإسلامي المعاصر إحدى القضايا الهامة التي تشغل أمتنا في الوقت الحاضر، والواقع أن القضية تشغل عقل المفكرين المسلمين منذ الصحوة التي انبعثت فيهم في أواخر القرن الماضي، والصحوة أتت من مناظرة واقع المسلمين ومقارنتهم بباقي شعوب العالم الذين يعيشون فيه. ولا بد من الاعتراف بقدر من الأخطاء في خطابنا الإسلامي المعاصر، وأعني بهذا الخطاب جميع صور التعبير التي تنطلق من أجهزة الخطاب في بلادنا الإسلامية، أي الكلام والكتابة والإشارة والإذاعات المرئية والمسموعة، وأفضل تعبير عن الخطاب الإسلامي المعاصر هو خطبة الجمعة ومختلف الدروس والعظات التي تلقى في مساجدنا ومراكزنا الثقافية المختلفة في كثير من الدول العربية والإسلامية وقد حرصت رابطة الجامعات في إستراتجيتها لتطوير المناهج الدراسية في الجامعات الإسلامية أن ترتقي بالخطاب الديني ووضع البرامج لإعداد الدعاة وتثقيفهم حتى يستطيعوا أداء مهمتهم بنجاح.