ما بين تحفظ العلماء وقبولهم للفكرة.. مفت إلكتروني يصدر الفتاوى

د. أنس فوزي العربي الوحيد في فريق المشروع: الكثير من العلماء أثنوا على الجهاز وأكدوا شرعيته

TT

جهاز الكتروني جديد قد يحدث ثورة في عالم الإفتاء الإسلامي وإعطاء الفتوى الشرعية الأصح. والجهاز سوف يطلق عليه اسم (المفتي الالكتروني)، وهو جهاز يعتمد على الذكاء الصناعي، حيث سيقوم الجهاز بإعطاء الرأي الفقهي في قضايا وشؤون المسلمين في الوقت المعاصر، وهو ما سيمثل ثورة في عالم الإفتاء في العالم الإسلامي.

«الشرق الأوسط» تنفرد بلقاء المهندس المصري والعربي الوحيد الذي يشارك في إنتاج هذا الجهاز، وهو الدكتور المهندس أنس فوزي خبير الاتصالات وعضو فريق العمل المشرف على الجهاز في فرنسا.

وعن طبيعة عمل الجهاز يقول لـ«الشرق الأوسط»: الجهاز بمنتهى البساطة عبارة عن حاسوب آلي ضخم جدا، يتم تحميله بكافة البيانات والمعلومات التي تخص شخصا ما، وكل ما ورد ذكره عنه في كتب التاريخ والوثائق التي تدل على ردود فعله تجاه كل المواقف في فترة حياته، ومن خلال عملية الذكاء الصناعي أو المحاكاة (Artificial intelligence)، وسيقوم الجهاز بمحاكاة رد الفعل المتوقع من هذا الشخص وكأنه على قيد الحياة تماما تجاه أي موقف أو تساؤل سيوجه إليه.

وأضاف: «إن الجهاز يستنبط رد الفعل المتوقع من خلال آلاف الأمثلة من المواقف التي تم تحميلها على الجهاز لهذا الشخص واتخذ فيها ردود فعل معينة وبالتالي يحاكي رد الفعل المتوقع إزاء هذا الموقف الجديد الذي أدخل عليه وفقا لشخصيته التي رسمها له جهاز الذكاء الصناعي».

وحول فريق العمل الذي قام بتنفيذ هذا الجهاز ومتى بدأت الفكرة تحديدا قال الدكتور فوزي: «إن تنفيذ هذا الجهاز قام به مجموعة من العلماء الفرنسيين وهو غير متاح للعامة وثمنه يتعدى مئات الملايين من الدولارات، وكانت بدايات اختراع ما يعرف بالذكاء الصناعي في العالم لأول مرة تحديدا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تعتمد على محاولة اختراع جهاز يقوم بمحاكاة العقل الإنساني في قدراته الخارقة من كافة الجوانب التحليلية والذاكرة والعمل وغيرها من مهام العقل، وعلى الرغم من النجاح الذي حققته الأبحاث على مدار العقود الماضية إلا أنها لا تزال عاجزة عن الإلمام بكل العمليات التي يقوم بها العقل البشري بنسبة 100 %، فضلا عن أن هناك محاولات كبيرة الآن تجرى على إمكانية أن يترجم هذا الجهاز المشاعر والأحاسيس والانفعالات البشرية من حزن وفرح وحب وتعاطف وغيرها من المشاعر الإنسانية.

أما عن جنسية هؤلاء العلماء ونوعية تخصصاتهم التي تمكنهم من محاكاة كل رد فعل بشري، فيقول الدكتور فوزي: «العلماء الذين يقومون على اختراع هذا الجهاز يحملون عشرات الجنسيات المختلفة وكان لي شرف مشاركتهم هذا الإنجاز العلمي غير المسبوق من خلال عملي واستقراري في فرنسا لسنوات طويلة، حيث تجتمع تلك البوتقة الكبيرة، وهم متخصصون في عشرات التخصصات. ويشير الدكتور فوزي إلى أن الجهاز قام بالفعل بمحاكاة المئات من الشخصيات العالمية والمشاهير في العالم من القادة والزعماء، حيث يؤكد: «لقد قمنا بالفعل بمحاكاة حياة العديد من مشاهير العالم وقادته كنابليون بونابارت وهتلر وموسيليني ورومل وغيرهم من قادة العالم اعتمادا على الذكاء الصناعي وطلبنا من الجهاز أن يعطي رد الفعل الذي سيفعله هتلر مثلا تجاه حدث تاريخي معين في حياته تعرض له. والنتيجة كانت أن أعطانا نفس التصرف تماما الذي قام به هتلر بحسب كتب التاريخ، مثل رد الفعل الذي اتخذه تماما يوم نزول قوات الحلفاء في نورماندي. يعتبر جهاز المحاكاة من أكثر الأجهزة التي تساعد بعض الأجهزة الأمنية في العديد من الدول، حيث عمدت إلى استخدام جهاز المحاكاة في إجراءاتها الأمنية، ومكنت كفاءة هذا الجهاز العديد من هذه الأجهزة على مستوى العالم من توقع ردود فعل بعض المجرمين والخارجين على القانون إزاء مواقف معينة، حيث لا يميز الجهاز بين ما إذا كان الشخص المدخلة معلوماته على قيد الحياة أم لا؟ وقد أفاد جهاز الذكاء الصناعي حسب قول الدكتور فوزي الكثير من أجهزة الاستخبارات على مستوى العالم فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والإرهابيين، حيث استطاع الجهاز أن يستبق العديد من ردود الفعل المتوقعة قبيل القيام بها، كأماكن الهروب المتوقعة لهم وتوقيتاتها وردود الفعل تجاه إذا ما تعرضوا لحصار امني معين في مكان ما فإن رد فعلهم سيكون هكذا (يهرب – يقاوم – يتصرف بعنف وغيرها من ردود الفعل المختلفة).

أما عن محاولة الاستفادة من هذا التقدم العلمي في إصلاح حال المسلمين خاصة في مجال الفتاوى التي باتت تثير البلبلة من مكان لآخر وربما في البلد الواحد، فيقول الدكتور فوزي بحماسة شديدة: «بالرغم من تجربة الجهاز على مئات الشخصيات العالمية والتاريخية الشهيرة، وقمت بتكوين فريق عمل قام فعليا بتحميل كافة ما ورد عن النبي الكريم في كتب التاريخ الإسلامي وحياته فضلا عن السنة النبوية المطهرة والقرآن الكريم».

وحول ما يمكن أن يثيره هذا المشروع من جدل وتخوف وتشكيك بين أئمة الإسلام والمسلمين، حيث سيقف حجر عثرة أمام إتمام هذا المشروع عاملا رئيسا وهو أن النبي الكريم كان يوحى إليه من عند الله عز وجل وما كان ينطق عن الهوى وان أفعال الرسول وما يقوله ما هي إلا وحي منزل إليه وليس كلها نتاج تصرفاته كبشر، يؤكد الدكتور فوزي على أن الأمر ليس حراما، فيقول: «لقد أخذت رأي العديد من علماء الدين في هذا الأمر وبعضهم يشغل مناصب دينية رفيعة على مستوى العالم الإسلامي ولا داعي لذكر أسمائهم تحرجا من رد فعل الرأي العام، لكنهم أكدوا لي انه لا تحريم في هذه الجهاز، ولكن التشكك والتخوف يظل قائما في حسن استخدام الجهاز ومس شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم كخاتم الأنبياء وسيد المرسلين، وهناك تخوف آخر من مدى تقبل الرأي العام العربي والإسلامي لمثل هذا الأمر».

وأضاف: «لذلك نصحوني بأن ابدأ تطبيق عمل الجهاز على شخصية أحد الصحابة أو الأئمة الأربعة في الإسلام أو رواد الحديث حتى يتأكد الناس ويتقبلوا فكرة تطبيق العلم في هذه المنطقة الشائكة، وهنا أؤكد على أن هذا الموضوع غير وارد بالمرة في عمل الجهاز، لأنه يعمل عن طريق لوغاريتمات رياضية بحتة، هي من تعطي الرأي السليم في فتوى أو أمر ما ولا يوجد تمثيل لشخص النبي أو رسمه مثلا بل مجرد معادلات رياضية تنم عن رد فعل بشر، بمعنى آخر نحاكي اتخاذ القرار. ومثلا على ذلك بعض القرارات التي أخذها الرسول في حروب المسلمين مع الكفار والتي أكد فيها الرسول على إنها ليست وحيا من عند الله.

ويشير الدكتور فوزي إلى أن أحد علماء المسلمين الكبار صارحه بتخوف لم يخطر على باله تجاه هذا الجهاز وهو حول طبيعة الفتاوى التي يطلب من الجهاز أن يقول رأيه فيها، ومن الممكن أن يشعل حروبا وفتنا لا حد لها، حتى الأمور الحياتية العادية مثل التدخين وقال الجهاز إن التدخين حرام أو البنوك حرام؟ ما النتيجة المتوقعة؟ اقتصادات دول ستنهار طبعا.

ويتمنى الدكتور فوزي أن يشرف فريق عمل على عمل الجهاز على رأسه مجموعة من علماء الدين الذين سيكونون مسؤولين بدرجة مباشرة عن كل الفتاوى التي من الممكن أن توجه إلى الجهاز والتي يمكن أن توجه عن طريق الايميل في أي مكان في العالم أو بالاتصال الهاتفي أو حتى السؤال شفاهة ويتعاون مع عالم الدين مجموعة من علماء الرياضيات واللوغاريتمات لتحويل هذه الأسئلة إلى معادلات رياضية وان تساهم كل الدول العربية في تكلفة هذا الجهاز الباهظ حيث تتعدى تكلفته مئات الملايين من الدولارات.

وحول رأي بعض علماء الإسلام في فكرة الجهاز يتحفظ الدكتور شوقي عبد اللطيف، نائب وزير الأوقاف المصري رئيس القطاع الديني بالوزارة، على جملة (محاكاة الرسول الكريم) موافقا على عمل الجهاز لخدمة الدين الإسلامي بشروط خاصة. فالفكرة ـ على حد قوله ـ «نبيلة إذا كانت بالفعل تدعو إلى وحدة المسلمين على أمور دينهم في ظل حرب الفضائيات التي يعيشها المسلمون وعدم قدرة الأجهزة المعنية على وضع أفكارها لصالح المسلمين، إلا إنني اشدد على أنه لا يوجد أي جهاز أو عقل بشري من الممكن أن يحاكي شخص الرسول صلوات الله وسلامه عليه مهما أؤتي من علم وقدرة تكنولوجية هائلة».

ويضيف قائلا: «إن الله عز وجل كرم الرسول الكريم وخصه بخصوصية لا يمكن أن تنجلي أو تنطلي على سائر المخلوقات حتى يماثله، فالفيصل الحقيقي هنا الوحي، والفهم الخاطئ للآية الكريمة «إنما أنا بشر مثلكم» لا يعني أبدا أن يكون مثلنا أو مثل المشاهير الذين يحاكيهم الجهاز، فهو بشر وليس كالبشر بل جوهرة والناس حجر.

وأضاف: «أما إذا ما أرادوا تطبيق عمل هذا الجهاز على الدين الإسلامي فالشرط الوحيد أن يخدم تطبيق الشريعة الإسلامية ويوحد فتواها واجتهادها فيكون ذلك من خلال تكوين لجنة دينية من الأزهر وينسب ما يصدر عن الجهاز من قول (طبقا للشريعة الإسلامية) وليس طبقا لقول (الرسول صلى الله عليه وسلم). أما الدكتور مصطفي السواحيلي الأستاذ بجامعة الأزهر، فيعارض فكرة هذا الجهاز جملة وتفصيلا قائلا: «اتفق تماما مع أن الإسلام مجد العلم ودعا إلى الأخذ به في شؤوننا ولكن دون المساس بالدين، واعتقد أن جهازا كهذا سيحدث بلبلة للناس، حيث مهما أؤتي العلم من قوة فانه سيظل به قصور لأن المحاكاة علم قاصر لا يعطي لك نتائج كاملة، فما بالنا بشخص عظيم كرسولنا محمد صلوات الله وسلامه عليه؟». لكن الدكتور السواحيلي يشير من ناحية أخرى إلى أن عمل الجهاز في حد ذاته مشروع، ويقول: إن استخدام العلم ومنجزاته أمر محمود للمسلمين ولكن يجب أن يكون ذلك على أشخاص عاديين وليس على نبي يوحى إليه «وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى»، فشخص الرسول هنا من الأمور الحساسة لدى المسلمين والعالم الإسلامي والاستدلال على إمكانية تطبيق هذا الجهاز عن طريق محاكاة شخص الرسول الكريم استنادا إلى قوله تعالى: «قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي» له تفسير مختلف لدى علماء الدين، حيث تعني هذه الآية الكريمة أن الرسول بشر مثلنا في انه يأكل ويشرب ويتزوج ويموت، إلا مسألة الوحي أو ما ينطق به، فهو أمر اختصه به الله عز وجل دون خلقه من البشر، لذا لا يمكننا أن نضعه في كفة واحدة مع مشاهير العالم وقادته على اعتبار جملة (إنما أنا بشر مثلكم).