إحياء مرور 560 عاما على بناء أول جامع في البلاد.. و470 عاما على بناء أول مدرسة ثانوية في أوروبا

2007 عام حافل بذكريات وأمجاد خالدة في البلقان

د. فكرت كراتشيتش ود. محمد علي حاجيتش
TT

أحيت البوسنة في ديسمبر2007 ذكرى مرور عدد من الأحداث التاريخية 560 عاما على بناء أول جامع في البوسنة، أوساتي كولوني، و550 عاما على بناء جامع عيسى بيكوفا، و530 عاما على بناء دار العلم «إلياس بيكوفا»، في سراييفو، و470 عاما على بناء مدرسة الغازي خسرو بك الثانوية التي خرجت أجيالا من العلماء والمفكرين والسياسيين والشعراء والأدباء مثل الشيخ جمال الدين تشاوشيفيتش والشيخ جوزو والدكتور مصطفى تسيريتش والدكتور أنس كاريتش والدكتور أسعد دوراكوفيتش والدكتور جمال الدين لاتيتش والدكتور حارث سيلايجيتش ومئات آخرين، و450 عاما على بناء مدرسة كراجوز بيكوفا في موستار (120 كيلومترا شرق البوسنة)، و120 عاما على بناء دار القضاء الشرعي (مكتب نواب) في سراييفو، و75 عاما على إصدار مجلة «غلاسنيك» التابعة للمشيخة الإسلامية، و30 عاما على تأسسيس كلية الدراسات الإسلامية بسراييفو.

وتهدف المشيخة الإسلامية من خلال إحياء مجموعة من المحطات المهمة في تاريخ البلقان إلى التأكيد على «عراقة الإسلام في هذه الديار، واحترام التقاليد والتراث الإسلامي الذي أثر ولا يزال في المكونات الأساسية لثقافة المنطقة ونسيجها الثقافي والسياسي والاجتماعي والديموغرافي». كما تهدف من خلال المناشط التي تقوم بها إلى «توعية الأجيال الجديدة بالإضافات التي قدمها المسلمون للحضارة الإنسانية، وهي إضافات جوهرية ساهمت بشكل فعال عبر الأندلس في تغيير وجه أوروبا وبناء العقلانية فيها». كما أشارت وثيقة أصدرتها بهذه المناسبة إلى «الأبعاد الروحية والثقافية التي قال عنها الدكتور محمد علي حاجيتش، الدبلوماسي السابق ورئيس تحرير مجلة غلاسنيك وأحد منظمي المؤتمر لـ«الشرق الأوسط» بأنها «مهمة لأوروبا وليس للبوسنة فحسب». وقال الدكتور فكرت كراتشيتش «ليس هناك أخطر على شعب من الشعوب أو أمة من الأمم مثل ازدراء ثقافتها وجهلها بتراثها وعدم اعتزازها بماضيها». وأشار إلى أنه ليس هناك أفضل من التعريف عن طريق التوثيق وعقد المؤتمرات وإحياء المناسبات وتذكير الأجيال بهويتها وتعريفها بثقافتها، وبدون ذلك لا يمكن الدفاع عنها وعن مستقبل الأمة.

وحول التعددية في الثقافة الإسلامية قال الدكتور كارشيتش «يجب أن يكون التعدد تكامليا ليكون تعدد جسور للوصل لا جدران للفصل الثقافي والعرقي والديني والمذهبي والسياسي». وعن أهمية الحدث الذي يحتفي به في البلقان قال «هذه ثالث مرة نقيم فيها مؤتمرا حول المعرفة الإسلامية تحت إشراف المشيخة الإسلامية، فقد تطرقنا في وقت سابق لموضوع العلم في الإسلام، وفي سنة 1991 ناقشنا التطرف والآن نتحدث عن التراث الإسلامي في البلقان، وهذا أمر مهم جدا للتعريف بالتراث الإسلامي البوشناقي، ما هي مقوماته ومظاهره وفوائده وما يمكن التعلم منه؟».

وعن كيفية التعلم من التاريخ أفاد: «ابن خلدون يؤكد في كتابه، العبر، أهمية قراءة التاريخ للاستنتاج وأخذ العبر، ومعرفة التاريخ تساعد على دخوله وعلى صناعته وليس العيش فيه». وحول ما إذا كان هناك فرق بين التراث والثقافة الإسلامية حيث طغت كلمة تراث في كلامه بدل ثقافة أجاب «نحن نتحدث عن التراث بمفهومه الثقافي التاريخي أو الإنتاج الثقافي التاريخي بينما الثقافة أشمل من ذلك والتفاعل بين الواقع والتعاليم الثقافية جزء منها، كما أن الممارسة الروحية ودورها في تكوين الفرد والمجتمع جزء أساسي من الثقافة، وإلا فإنها تكون ناقصة ومشوهة في أغلب الأحيان، وأفراد الأمة الذين لا يمارسون الجانب الروحي لا يمكنهم فهم ثقافتهم». وعن مستقبل التراث الإسلامي ودوره في مستقبل المسلمين بأوروبا قال: «المسلمون موجودون في ثلاث مناطق أساسية وهم المسلمون في البلاد الإسلامية والمسلمون في البلقان وأوروبا والمسلمون في القوقاز. فالمسلمون في روسيا الفيدرالية مثلا وكذلك المسلمون في البلقان من أصول محلية، بينما المسلمون في الاتحاد الأوروبي خليط، بعضهم من الجيلين الثاني والثالث، والمسلمون في أوروبا يمكنهم تعلم أصول البقاء من المسلمين في البلقان الذين اختاروا طريق الحداثة غير المتناقضة مع الإسلام، ونحن نفعل ذلك منذ 100 عام».

أما الدكتور محمد علي حاجيتش فقد أشار في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى إنه «كلما يعود الإنسان إلى الماضي فهو يفعل ذلك من أجل المستقبل، ونحن أيضا في هذا المؤتمر العلمي نريد العودة للماضي لا لنعيش فيه ولا لنتغنى بمآثره ولا حتى أخذ حلول جاهزة منه، وإنما لدراسته ومعرفة محتواه وما يمكن أن نأخذ منه ونرد، وما يمكن أن نستفيد منه في الوقت الحاضر من ذلك التراث وبناء بعض رؤانا للمستقبل، فهناك عودة صحيحة للماضي وعودة خاطئة، وجميع الأمم تدرس الماضي وتستفيد منه». وتابع: «نحن ندرس الماضي من أجل الحاضر ومن أجل المستقبل الذي نريد أن نخطط له».وأضاف «فهمنا للمصادر الأساسية للثقافة والتراث الإسلاميين وهي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ونعتمد على فهم من سبقنا لهذه المصادر، ونحن نريد بهذا المؤتمر أن نعرف أين نحن من تلك المصادر؟ وهل حياتنا الإسلامية متطابقة مع تلك التعاليم؟ وكيف تعامل أجدادنا في منطقة البلقان مع تلك المصادر؟ وهل حياتنا الحاضرة ومشكلاتنا متطابقة مع ما كان يواجهه أجدادنا؟ لأنهم كانوا يفهمون المصادر بناء على التحديات التي كانت تواجههم، ونحن أمامنا تحديات ونريد أن نرى كيف واجهوا تحديات زمنهم». وذكر أن «هناك تقديس من جهة وإنكار من جهة أخرى في العالم الإسلامي للتراث ولكن الحقيقة هي أن التراث لا يمكن التنصل منه». ويعتبر عام 2007 عام الذكريات التاريخية في البوسنة، ليس في البلاد فحسب، بل في أوروبا ولاسيما الشرقية منها وتحديدا منطقة البلقان. وذلك وسط تطورات جيوسياسية وثقافية شديدة التعقيد. وهو ما يدركه المسلمون في البلقان ولاسيما البوسنة حيث يعيش المسلمون هامشا من الحريات غير متوفر حاليا في الكثير من البلاد الإسلامية. ومن بين الذكريات مرور 600 عام على دخول الإسلام للبوسنة وعدد من دول البلقان.

وقال الدكتور مصطفى تسيريتش لـ«الشرق الأوسط»: إن مهمة المسلمين الأولى في الغرب هي «المحافظة على الهوية الإسلامية في أوروبا وحمايتها». وذكر تسيريتش بالحقيقة الغائبة أو المغيبة في الغرب وهي أن الإسلام وبقية الديانات الإبراهيمية جاءت من الشرق على فترات متباينة، لذلك «لا يحق لأي كان الاستئثار بأحقية الانتماء الجغرافي». وتطرق رئيس العلماء في البوسنة إلى تاريخ دخول الإسلام إلى أوروبا، حيث دخلها من جهتين، هما شبه جزيرة ايبيريا في القرن الثامن الميلادي، وشبه جزيرة البلقان في القرن الرابع عشر الميلادي. وقد عاش المسلمون 8 قرون في الأندلس وأقاموا حضارة فريدة عرفت بالتعايش والتسامح». وقال إن«المسلمين في الأندلس بسبب نزعات التسلط والتفرق لدى رؤساء الطوائف، وابتعادهم عن هدي دينهم في الوحدة والتكاتف والتقوى، أصبح لكل بضعة آلاف من الكيلومترات، ولكل بضعة آلاف من السكان دولة. صدق فيها قول الشاعر:

* ومما زهدني في أرض أندلس - ألقاب معتصم فيها ومعتضدِ

* ألقاب سلطنة في غير موضعها - كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد.

وما أشبه اليوم بالبارحة.